– رهام حمشو
منذ بدء الحرب المباشرة بين إيران وإسرائيل في حزيران/ يونيو 2025، برز السوريون مجدداً إلى واجهة الاتهامات. لم تكن تلك الاتهامات سياسية بقدر ما كانت أخلاقية هذه المرة: “السوريون يقفون بصف إسرائيل ويفرحون لفرحها”، هكذا اتُّهم كثير منهم على منصات التواصل الاجتماعي، بعد أن عبّر بعض السوريين عن فرحهم لاشتعال الحرب بين إسرائيل وإيران، وكانت عبارة “اللهم أضرب الظالمين بالظالمين” حاضرة بقوة في تغريدات وكتابات السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي.
لكن هل هذا التعبير يعني تأييداً حقيقياً لإسرائيل أم أن للقصة وجهاً آخر لا يفهمه إلا السوري؟
عقد من الدم برعاية إيرانية
منذ بداية الثورة السورية، لم تكتفِ إيران بالدعم السياسي لنظام الأسد، بل كان لها دور عسكري مهم وفعّال جداً لولاه لم يصمد النظام السوري 14 عاماً، إذ شاركت بمليشياتها العابرة للحدود كـ”حزب الله” و”فاطميون” و”زينبيون”، وكان لها وجود بشكل مباشر وعلني في اقتحام المدن وارتكاب المجازر وقتل الأبرياء.
الذاكرة السورية تختزن مشاهد مروعة ارتبطت باسم إيران وأذرعها، فلا يخفى على أحد تصريحات حسن نصر الله بإرساله مليشيات تقاتل إلى جانب النظام السوري، وتصريحه الأكثر شهرة أن “طريق القدس يمر من الزبداني وحلب وحمص والقصير والحسكة ودير الزور”.
بل إن إيران لم تكتفِ بالقتل، بل سعت إلى تغيير البنية الديمغرافية للمجتمع السوري، عبر شراء العقارات في دمشق وحمص ودرعا، وتجنيد مقاتلين من خارج سوريا لضمان بقاء طويل الأمد لتأثيرها في قلب الشام. وهذا لا يُقرأ فقط على أنه احتلال سياسي، بل تغيير ثقافي وعقائدي قسري في بيئة ترفضه بشدة.
“هل نُلام إن عبّرنا عن شماتة تجاه من قتل أبناءنا؟”، يكتب أحد السوريين في تغريدة أثارت جدلاً واسعاً. ويضيف آخر: “إيران لم تقصف إسرائيل يوماً، لكنها قصفت السوريين ألف مرة”.
بين نقد إيران و”تهمة” دعم إسرائيل
غرد أحدهم على منصة إكس “من قصف حلب ليس مختلفاً كثيراً عمن قصف غزة” لم يفرح السوريون اليوم لأنهم يصطفون مع إسرائيل بل فرحوا من منطلق “العدالة المؤجلة”. فاليوم يعيش النظام الإيراني ما أذاقه للشعب السوري طوال سنوات.
أما بالنسبة لمن يقول إن إيران “محور المقاومة” فهذا أكبر كذبة تاجرت بها إيران ونظام الأسد لسنوات وكشفتها الثورة السورية، وإنما تقصف إيران إسرائيل اليوم لأن الحرب وصلت إلى عقر دارها وليس لأنها تدعم فلسطين.
لم يكن السوريون يوماً مع إسرائيل، لكنهم لا يستطيعون التعاطف مع من خذلهم وقتلهم. إنهم ببساطة خارج المعادلة، مجروحون أكثر من أن يكونوا طرفاً في هذه الحرب، والسوري لا يدعم إسرائيل ولا يمكن أن يدعمها يوماً فهي العدو الأول والدائم، ولكن في نفس الوقت لم ينسَ من قتله وشرده وذبح أطفاله بدم بارد.
صوت آخر وجب سماعه
كتبت الصحفية السورية هيا توركو على منصة فيسبوك في رسالة وجهتها للشعب السوري، أقتبس منها ” ركزوا الآن على سرطان الأمة إسرائيل فإنها العدو التالي الذي يتربص ببلادكم ويعمل على تدمير ما تبقى منها، تلك الدولة الصهيونية التي يقف في ظهرها طغاة العالم كله.
سوريا انتصرت منذ أشهر على إيران و أفشلت مشروعها ولا خوف على البلاد منها بعد الآن لكن سوريا لم تستطع حتى هذه اللحظة أن تقف في وجه مشروع إسرائيل وما نراه اليوم من توغل واعتداء على سيادة البلاد لا يحتاج للشرح، لذلك نحن اليوم في الساحة نواجه عدواً واحداً بعد أن تغلبنا على الآخر بفضل من الله تعالى”.
كما كتب الناشط السياسي ماجد عبد النور “من ينسى صور قاسم سليماني وهو يتبختر على أنقاض المدن المدمرة على رؤوس أهلها في حلب والموصل كمن ينسى صور شارون على أنقاض صبرا وشاتيلا.
أكثر ما يمكن أن نفعله اليوم نحن “السنّة” تجاه هذه الحرب هو الوقوف على الحياد لنسجل في صحائف تاريخنا بأننا كبار وأهل مروءة”.
حين يُطالب السوري بأن “يدين القصف على إيران”، يُطلب منه أن ينسى من رقص على جثث أطفاله وركام منزله، وحين يُتهم بالتطبيع لأنه لا يبكي على طهران، فهو كمن يدان لأنه لم يواسِ جلاده. لا يصطف السوري مع إسرائيل، ولا يقف إلى جانب إيران.. بل يتمسك بحقه في الحداد والغضب والعدالة.
الموقف اليوم ليس خياراً
هذه ليست حرب السوريين، ولكن يُحكم عليهم كما لو أن بيدهم توقيفها أو إشعالها، نحن لليوم لا نملك رفاهية اختيار الموقف بل هو ما فُرض علينا جراء ما عانيناه من ويلات، ففي صمت الحياد هذا موقف لن يفهمه إلا السوريون.
إن الموقف السوري من هذه الحرب، كما الحرب كلها، ليس سياسياً بل إنسانياً، هو صرخة تعبّر عن الألم المركّب: من الأسد، ومن إيران، ومن عالم أصم.