سياسة

إمبراطورية الكبتاغون، وصمة العار في سوريا الأسد

مايو 26, 2025

إمبراطورية الكبتاغون، وصمة العار في سوريا الأسد

أسامة محمد

 

تحت وطأة الحرب والفوضى التي اجتاحت سوريا، نبتت إمبراطورية من نوع آخر، ليست مبنية على العدالة أو التنمية، بل على الفساد والدمار: إمبراطورية الكبتاغون. هذه التجارة المشينة، التي قادها نظام بشار الأسد، لم تكن مجرد جريمة اقتصادية، بل كانت مشروعًا سياسيًا مدمِّرًا حوّل سوريا إلى أكبر منتج ومصدر للمخدرات في المنطقة، مخلفًا بصمات عار وفساد ستظل وصمة في جبين النظام الذي زعم حماية شعبه بينما كان يسممه.

 

 

الكبتاغون من تجارة إلى سلاح النظام

 

الكبتاغون، المنشط الرخيص الذي أُطلق عليه “مخدر الفقراء”، تحوّل في سوريا الأسد إلى صناعة بمليارات الدولارات. تقارير دولية، مثل تلك الصادرة عن نيويورك تايمز ومركز الدراسات الاستراتيجية، كشفت أن سوريا باتت تنتج أكثر من 80% من الكبتاغون العالمي، بقيمة تجارة سنوية تُقدَّر بـ10 إلى 15 مليار دولار. هذا الرقم يفوق بكثير عائدات النفط في دول مجاورة، لكنه لم يُستخدم لبناء المدارس أو المستشفيات، بل لتمويل ميليشيات النظام، تخدير جنوده، وابتزاز دول الجوار.

 

 

ما يثير الاستهجان والسخرية المريرة هو وجود جهاز رسمي لمكافحة المخدرات في دولة أصبحت مركزًا عالميًا لإنتاجها وتهريبها. هذا الجهاز، الذي يُفترض أنه يحمي المجتمع، لم يكن سوى ستار زائف لإخفاء تورط النظام نفسه. مصانع الكبتاغون، التي كانت تعمل تحت حماية الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد، شقيق الرئيس، تكشف عن تناقض صارخ: دولة تدّعي محاربة المخدرات بينما هي غارقة في تصنيعها وتوزيعها.

 

 

بصمات الفساد: النخبة الحاكمة في قلب الجريمة

 

تحقيقات استقصائية، مثل تلك التي نشرتها بي بي سي و”شبكة الصحافة الاستقصائية” (OCCRP)، أظهرت تورط أعلى مستويات النظام في تجارة الكبتاغون. الفرقة الرابعة، إلى جانب شخصيات مثل مضر الأسد وسامر كمال الأسد، لم تكتفِ بحماية شبكات التهريب، بل أدارت مصانع إنتاج في قواعد عسكرية ومستودعات سرية. حتى حزب الله اللبناني، الحليف الوثيق للنظام، لعب دورًا محوريًا في تهريب المخدرات عبر الحدود إلى لبنان والخليج.

 

 

هذه التجارة لم تتوقف عند حدود المنطقة، بل امتدت إلى أوروبا وآسيا. في عام 2020، ضبطت السلطات الإيطالية شحنة قياسية تحتوي على 84 مليون حبة كبتاغون قادمة من ميناء اللاذقية، وفي ماليزيا تم حجز 94 مليون حبة أخرى. هذه الأرقام ليست مجرد دليل على حجم الإنتاج، بل على الدمار الذي زرعه النظام في المجتمعات المجاورة والعالمية.

 

 

الكبتاغون كأداة سياسية

 

لم يكن الكبتاغون مجرد مصدر دخل، بل كان سلاحًا سياسيًا بيد النظام. داخل سوريا، استُخدم لتخدير الجنود، مما يطيل قدرتهم على القتال في حرب استنزفت البلاد. كما أغرق النظام المجتمعات المحلية بالمخدرات لتفتيت النسيج الاجتماعي وإغراق الشباب في الإدمان. خارجيًا، كان الكبتاغون أداة ابتزاز ضد دول الجوار، حيث تسبب في أزمات أمنية واجتماعية في الأردن والسعودية، اللتين عانتا من تصاعد عمليات التهريب.

 

 

الكاتب السوري محمد المقداد وصف هذه الاستراتيجية بأنها “حرب مخدرات” تهدف إلى “تدمير الإنسان قبل الأرض”. هذا التدمير لم يكن عشوائيًا، بل كان جزءًا من سياسة النظام للبقاء في السلطة، حتى لو كان الثمن هو مستقبل أجيال بأكملها.

 

 

نهاية الإمبراطورية: نحو المحاسبة؟

 

مع انهيار نظام الأسد في ديسمبر 2024، بدأت الحقائق المروعة تتكشف. تم اكتشاف مصانع كبتاغون في مقرات عسكرية وأمنية، مما أكد أن هذه التجارة كانت مشروعًا رسميًا للنظام. لكن التحدي الآن يقع على عاتق الحكومة السورية الجديدة: كيف يمكن تفكيك هذه الإمبراطورية الإجرامية؟ وكيف يمكن محاسبة المسؤولين عن هذا الفساد الممنهج؟

 

إمبراطورية الكبتاغون ليست مجرد فضيحة، بل هي مرآة تعكس انهيار القيم والأخلاق في نظام راهن على دمار شعبه لضمان بقائه. إنها قصة عار لن تُمحى إلا بمحاسبة عادلة، وإعادة بناء سوريا على أسس العدالة والكرامة.


فهل ستكون نهاية هذه الإمبراطورية بداية لسوريا جديدة، أم أن بصمات العار ستبقى لعقود قادمة؟

شارك

مقالات ذات صلة