مجتمع

الترندات السورية تحت المجهر.. أدوات للتعبير أم ساحة للانقسام؟

مايو 1, 2025

الترندات السورية تحت المجهر.. أدوات للتعبير أم ساحة للانقسام؟

تشكل الترندات على منصات التواصل الاجتماعي جزءًا متزايد التأثير من المشهد الإعلامي والاجتماعي في سوريا. ومع توسّع استخدام هذه المنصات، بات الشارع السوري يتمتع بهامش أوسع من حرية التعبير، لا سيما بعد سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول 2024، وهو الحدث الذي فتح المجال أمام الأفراد للتعبير عن آرائهم وتوجهاتهم بعيدًا عن القيود التقليدية.



ولم تعد الترندات مجرد مؤشرات على المواضيع الرائجة، بل تحوّلت إلى أدوات جماعية تعبّر عن مواقف الشارع، وتكشف طبيعة التفاعل المجتمعي مع مختلف القضايا، سواء كانت سياسية، اجتماعية، أو حتى شخصية.



يركّز هذا التقرير على فهم كيفية نشوء الترندات وانتشارها بين المستخدمين، من خلال تحليل أمثلة واقعية ظهرت في السياق السوري. كما يناقش الأثر الاجتماعي والنفسي لهذه الظاهرة، موضحًا كيف يمكن أن تسهم الترندات في تعزيز الروابط بين الناس أو، على النقيض، في تعميق الفجوات والانقسامات. ويهدف التقرير إلى تقديم قراءة متوازنة لدور هذه الظاهرة الرقمية في تشكيل الوعي الاجتماعي السوري، بما تحمله من فرص وتحديات.

 


الترند محركاً للشارع السوري


مع تسارع وتيرة الترندات وتحوّلها إلى ظاهرة شبه يومية في الفضاء الرقمي السوري، بدأ بعض المستخدمين يعبّرون عن شعورهم بالإرهاق أو التشبّع من كثافة المواضيع المتداولة، مستخدمين أسلوبًا ساخرًا يحمل دلالات أعمق حول علاقة الجمهور بهذه الظاهرة.



فقد تداول رواد المنصات منشورات تتساءل بنبرة ساخرة عن جدوى استمرار هذا الزخم، من بينها منشور يتساءل صاحبه: “هل هناك طريقة لوضع جدول زمني للفيسبوك السوري، بحيث يكون الترند مرة كل ثلاثة أيام، ليأخذ حقه في النقاش والانتشار والجدل؟”، وفي منشور آخر كتب أحدهم: “يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم… ما هي الترندات المطروحة اليوم؟ شاركوها معنا لنبدأ العمل“.



تعكس هذه المنشورات، رغم طابعها الطريف، ملامح واقع يتّسم بكثافة التفاعل مع القضايا اليومية، وتحول الترندات إلى محرّك رئيسي للمزاج الرقمي العام، في مساحة يتأرجح فيها التعبير بين الجدية والمبالغة، وبين العفوية والتفاعل الموجَّه.



وفي هذا السياق، قالت الاختصاصية النفسية آلاء الدالي لموقع “سطور” إن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت اليوم مرآة لواقع السوريين بأفكارهم ومشاعرهم المختلفة، وفضاءً خصباً للتعبير عن توجهاتهم الدينية والثقافية والمجتمعية. وترى أن ما بعد تحرير سوريا في كانون الأول 2024 شهد حالة من “التعطش للتعبير” بعد سنوات من القمع، ما جعل منصات التواصل متنفسًا نفسيًا واجتماعيًا واسع التأثير.

 


تسجيل صوتي يشعل مواجهات دامية


شهدت مدينة جرمانا في محافظة ريف دمشق في 29 من نيسان مواجهات مسلحة استمرت لساعات، إثر انتشار تسجيل صوتي على مواقع التواصل الاجتماعي احتوى على إساءة لفظية للنبي محمد، والذي نُسب لأحد شيوخ الطائفة الدرزية. وقد نفى الأخير لاحقًا أن يكون التسجيل عائدًا له، قائلاً في تسجيل مصور: “صوتي واضح، وقارنوا بينه وبين التسجيل المزعوم”، مشيرًا إلى أن الغاية من ذلك هي “إيقاع الفتنة بين مكونات الشعب السوري“.



بدأت المشكلة من السكن الجامعي في مدينة حمص مساء الأحد 27 من نيسان، بهجوم بعض الطلاب على طلاب آخرين من أبناء الطائفة الدرزية بعد انتشار التسجيل، لتمتد المشكلة إلى محيط العاصمة دمشق، إذ هاجمت مجموعات عسكرية مدينتي جرمانا وصحنايا كردة فعل.



وأطلقت قوات الأمن العام التابعة لوزارة الداخلية حملة تمشيط واسعة في منطقة أشرفية صحنايا بعد المواجهات العسكرية مع مسلحين وصفتهم الحكومة السورية الانتقالية بـ”الخارجين عن القانون”، بهدف إلقاء القبض عليهم. وبعد أن توصلت الحكومة لاتفاق مع فصائل عسكرية في جرمانا، هاجمت الفصائل نفسها قوات الأمن العام مجددًا، ليرتفع عدد القتلى من عناصر الأمن العام إلى 16 عنصراً، فيما نُقل 75 مصابًا إلى “مشفى السلام” بصحنايا خلال اليومين الماضيين.



من جهتها، حذّرت الاختصاصية النفسية آلاء الدالي خلال حديثها لـ”سطور” من أن التباينات الدينية والطائفية والاجتماعية تُعمّق من حدّة الانقسامات على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يعبر كل فرد عن آرائه من منطلق نفسي وثقافي مختلف. واعتبرت أن هذا التنوع الكبير طبيعي في المرحلة الحالية، لكنه يحتاج إلى وقت طويل لمعالجة آثاره وتخفيف حدة التوترات الناتجة عنه.



تُظهر هذه الحادثة كيف يمكن لترند رقمي أن يتحول إلى فتيل لأحداث دموية في ظل المرحلة الراهنة، مما يبرز أهمية الوعي بكيفية استهلاك المحتوى وتداوله على المنصات الاجتماعية لتجنّب تأجيج الفتنة بين مكونات المجتمع السوري.

 


ترندات إيجابية وأخرى مثيرة للانقسام


لفتت الدالي إلى أن بعض الترندات لعبت دورًا إيجابيًا في تسليط الضوء على قضايا إنسانية وأمنية، وساهمت في تحفيز التفاعل العام وإيجاد حلول. بينما، في المقابل، تحوّلت ترندات أخرى إلى أدوات لإثارة الانقسام، عبر طرح مواضيع خلافية تمس الانتماءات الدينية أو العرقية أو السياسية.



وأشارت إلى أن هذه الظواهر تُغذّى أحيانًا بحملات منظمة، عن حسن نية أو لأجندات سياسية، ما يزيد من تعقيد المشهد، خاصة في ظل غياب الرقابة، واعتماد المحتوى غالبًا على العواطف لا على الحقائق.



من جهة أخرى، حذّرت آلاء الدالي من التأثيرات النفسية السلبية للاستخدام المفرط لمواقع التواصل الاجتماعي، حيث تؤدي كثافة المعلومات وسرعتها إلى القلق وتشويش الأفكار والمشاعر. وتؤكد أن منصات التواصل الاجتماعي في سوريا أصبحت ساحة تشبه “حربًا يومية”، نتيجة تعدد الانتماءات والظروف التي مر بها السوريون، إذ أن الشعب السوري اليوم موزّع بين الداخل المُحرر سابقًا، ومناطق النظام السوري، واللاجئين في أوروبا وتركيا والدول العربية، وكل فئة شكّلت رؤيتها للواقع بناءً على بيئتها وتجربتها الخاصة.


 

بين التفاعل والسجال: مسؤولية جماعية


في ظل هذا الزخم الرقمي المتسارع، تبقى الترندات مرآة تعكس نبض المجتمع السوري وتحوّلاته، بين التفاعل الإيجابي والسجال المرهق. وبينما تفتح هذه الظاهرة آفاقًا واسعة للتعبير والمشاركة، فإنها تطرح في الوقت ذاته تحديات جدية تتعلق بوعي الجمهور، وحدود الخطاب، ومسؤولية الأفراد في الحفاظ على مساحة رقمية أكثر توازنًا وإنصافًا.



وعلى الرغم من تلك التحديات، تظل الترندات فرصة لتعزيز الوعي الجماعي والتفاعل المجتمعي، ما يستدعي ضرورة توجيه هذا الفضاء الرقمي نحو مصلحة المجتمع، وإيجاد سبل للتقارب بدلاً من التفرقة.

شارك

مقالات ذات صلة