قراءة في كتاب أنا وأخواتها للشيخ سلمان العودة
من أنا؟ البداية من الداخل
“أنا ومن أنا؟!” تساؤل وجودي يتردد في كل لحظة تأمل صادقة مع النفس. جُبل الإنسان على حب ذاته، لكن قلّ من يسأل: كيف أحب نفسي كما يحبها الله ورسوله؟
كما قال سفيان بن عيينة: “من عرف نفسه استراح“. فمعرفة النفس ليست رفاهية فكرية بل سلّم لتحقيق الأمان النفسي والسكينة التي نلهث وراءها طوال حياتنا.
كتاب يضعك أمام مرآتك
في كتاب “أنا وأخواتها: رحلة في أسرار الذات“ يصحبنا الشيخ سلمان العودة في رحلة داخلية، فيها النفس تخلع أقنعتها وتتحدث بصدق وشفافية. يقدّم لنا تجربة أقرب لما يشبه جلسة حوار داخلي، تضعك أمام نفسك – بخيرها وشرّها، في قصص قد ترى فيها ملامحك، فتهتف في داخلك: “هذه أنا!”
هذا الكتاب لا يجلد الذات لمجرد الإذلال، بل يرشد إلى مراقبة النفس ومحاسبتها، تلك المحاسبة التي تقود للتغيير والتحسن لا للانهيار. وهذا منهج نبوي؛ فالنبي ﷺ استعاذ من شر النفس، لا النفس كلها.
الأنا الشريرة: حين تتضخم الذات
يحذرنا الكاتب من الأنا المتعجرفة، تلك التي تبدأ بـ”أنا” وتنتهي بـ”من أنتم؟”، فتزرع في النفس ما يسميه بـ”السرطان الروحي”.
كما يشير إلى “الأنا المدعية“، التي تتقمص أدوارًا لا تشبهها، طمعًا في إعجاب الآخرين، أو ظنًا أن الحياة مسرح نلعب فيه أدوارًا لا تنتمي إلينا.
هذه الأنا المريضة تظهر بشكل خاص عند الجدال أو عند تلقي النقد، فتثور من دواخلنا شهوة خفية كما وصفها الصحابي شداد بن أوس رضي الله عنه، تخبئها الأخلاق الظاهرة أحيانًا.
الأنا المحمودة: التوازن والإخلاص
على الطرف الآخر، يقدّم لنا العودة صورة مشرقة من الأنا المحمودة:
- الأنا المتواضعة: “أنا أقل منك مالًا وولدًا“
- الأنا الواثقة: “أنا يا رسول الله“ حين يُطلب الفداء والبطولة.
- الأنا الصادقة، المعترفة بالذنب، المتسابقة في الخير، المنتظرة للعطاء الإلهي.
هي الأنا التي تعي قول الله تعالى:
{وقد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها}
فتسعى لتزكية نفسها وترويضها على الخير دون ادّعاء أو غرور.
توازَن: أحبب نفسك بحق
يرشدنا الكتاب إلى توازن داخلي لا ينحرف بالإنسان نحو الغرور أو جلد الذات، بل يعرفك كيف تحب نفسك حبًا يُقرّبك من الله، يدفعك للخير، ويجعلك تحاسبها حين تخطئ دون أن تُحطمها.
حب النفس بهذا المعنى يدفعك لتكون في صف المؤمنين الذين لا يُخزيهم الله يوم القيامة. أما الحب المزيّف للنفس، الذي يجعل الغاية شهرة أو رضا الناس، فهو طريق الخذلان.
افرح بإنجازك… ثم تجاوز
لا يدعونا الشيخ إلى إنكار الذات أو احتقار الإنجازات، بل إلى الفرح بها دون التوقف عندها.
فإنجازك دليل على نبضك الداخلي وطاقتك الحية، لكنه ليس محطة نهائية.
فكما دخل النبي ﷺ مكة فاتحًا مطأطئ الرأس متواضعًا، يعلمنا أن العظمة لا تتعارض مع التواضع.
التعامل مع النفس بذكاء، كترويض جواد قوي، هو مفتاح النجاح. إن النجاح والفشل، المحاولات المتكررة، والصراع الداخلي بين الخير والشر، كلها حفر في مجرى حياتنا تصنع معناها.
كلمة ختام: أيّ نفس تختار؟
في النهاية، النفس أمانة بين يديك. فاختر لها ما يرضي الله ورسوله.
ففي الحديث: “البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس“.
لنتعامل مع أنفسنا بحكمة كما لو كانت شخصًا آخر نرعاه، نُقوّمه، ونوجهه بلطف.
اللهم ارزقنا الأنا التي تحبها وترضاها، ووفقنا لمرضاة أنفسنا ومرضاة خالقنا.