مقالات سوريا

معركة ميسلون: حين واجه السوريون وحدهم زحف الاحتلال الفرنسي

أبريل 12, 2025

معركة ميسلون: حين واجه السوريون وحدهم زحف الاحتلال الفرنسي

عصام يزبك

 

 

في الرابع والعشرين من يوليو/تموز 1920، اجتمع بضع آلاف من الجنود والمتطوعين السوريين في سهل ميسلون، غرب دمشق. أمامهم كانت جحافل الجيوش الفرنسية، مجهزة بالدبابات والطائرات، وفي صفوفهم وزير الحربية الشاب يوسف العظمة، الذي أصر أن يُستشهد واقفًا في ميدان المعركة. كانت تلك اللحظة المفصلية التي رسمت ملامح سوريا الحديثة، وافتتحت صفحة من الاحتلال والتقسيم ما زالت آثارها قائمة حتى اليوم. 

 

 

من الانقلاب العثماني إلى تفكك المشرق

 

بدأت فصول القصة قبل سنوات من ميسلون، حين خُلع السلطان عبد الحميد الثاني عام 1909، واستلمت جمعية “الاتحاد والترقي” مقاليد الدولة العثمانية، ودفعت بها إلى مغامرات عسكرية أنهكتها، من البلقان إلى الجزيرة العربية. ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى، تحالف العثمانيون مع الألمان، لتشتعل الجبهة الشرقية وتدخل المنطقة مرحلة جديدة من التحولات السياسية. 

 

 

الثورة العربية والوعود البريطانية

 

في عام 1916، أطلق الشريف حسين “الثورة العربية الكبرى”، بدعم بريطاني، أملاً بتأسيس مملكة عربية موحدة تمتد من الحجاز إلى الشام والعراق. قاد الأمير فيصل، نجل الشريف، الحملة في الشام بمساعدة البريطانيين، وعلى رأسهم “لورنس العرب”. وبحلول 1918، سقطت دمشق بيد القوات العربية، وبدأ الأمل في تأسيس دولة عربية مستقلة.

 

لكن الحلم العربي اصطدم باتفاق سري بين بريطانيا وفرنسا، هو اتفاق “سايكس – بيكو”، الذي قسّم المنطقة لمناطق نفوذ. 

في مارس/آذار 1920، أعلن المؤتمر السوري فيصل بن الحسين ملكًا على سوريا، إلا أن فرنسا اعترضت بشدة، واعتبرت ذلك خرقًا لتفاهماتها مع بريطانيا. وفي أبريل/نيسان، منح مؤتمر “سان ريمو” فرنسا رسمياً حق الانتداب على سوريا ولبنان، مما أشعل التوترات.

 

 

إنذار غورو وموقف العظمة

 

في يوليو/تموز 1920، أرسل الجنرال الفرنسي هنري غورو إنذاراً إلى الحكومة السورية يطالب فيه بتسريح الجيش، وقبول الانتداب، وتسليم مفاصل الدولة. تحت الضغط، وافق الملك فيصل، مما أثار غضب الشارع. حينها، قرر وزير الحربية يوسف العظمة ألا تمر الإهانة بلا مقاومة، حتى وإن كانت رمزية. 

 

 

ميسلون: معركة الكرامة

 

خرج يوسف العظمة مع نحو 4 آلاف مقاتل، بأسلحة خفيفة وبنادق تقليدية، لمواجهة جيش فرنسي قوامه 9 آلاف جندي مدجج بأحدث العتاد. وفي 24 يوليو/تموز، التقى الطرفان في سهل ميسلون، فدارت معركة غير متكافئة استمرت ست ساعات، سقط فيها العظمة شهيدًا، ومعه المئات من الجنود.

 

وبعدها دخل الفرنسيون دمشق، حيث نُفي الملك فيصل، وأُعلن قيام “لبنان الكبير”، وفُرض الانتداب الفرنسي الذي استمر حتى عام 1946. قسّمت فرنسا سوريا إلى أربع دويلات طائفية، في محاولة لإضعاف الروح الوطنية وضمان السيطرة على البلاد. وبحسب مؤرخين، كانت هذه السياسات سببًا مباشرًا في الصراعات والانقلابات المتتالية التي عصفت بسوريا بعد الاستقلال، وصولاً إلى عهد حزب البعث وانفراد حافظ الأسد بالحكم.

 

 

إرث ميسلون

 

خلّف الاحتلال الفرنسي آثاراً طويلة الأمد على سوريا، تمثّلت لاحقاً في الانقلابات العسكرية المتتالية بدءاً من انقلاب حسني الزعيم عام 1949، وصولاً إلى سيطرة حزب البعث على الحكم، وانفراد حافظ الأسد بالسلطة عام 1970. وتبقى معركة ميسلون شاهداً حياً على لحظة مفصلية في التاريخ السوري، حين قرّر شعب أن يقاوم رغم انعدام التوازن، رافضاً أن يُسجّل عليه التاريخ أنه استسلم دون قتال.

شارك

مقالات ذات صلة