مع تصاعد الأحداث المأساوية في فلسطين وسوريا نتيجة جنون بن غفير الذي أعلن الحرب مجددًا على غزة وشن عدة هجمات على درعا والساحل السوري لبنان واليمن، برزت تصريحات إعلامية، لاقت تفاعلًا جماهيريا واسعًا رغم انفصالها عن الواقع وعدم تناولها للقضايا المصيرية، مما يشير إلى أن الشعوب لا زالت تستثني نفسها من اتخاذ أي موقف حازم تجاه أزماتها، وتعيش حالة من الانغماس الفكري في أمور ثانوية.
هذا التفاعل الغريب يدفعنا للتساؤل عن أولويات المجتمع في ظل الظروف القاهرة وانعدام الاستقرار. هل يعود ذلك إلى تأثير الإعلام في توجيه الرأي العام نحو قضايا سطحية؟ أم أن الشعب لا يزال يعاني من العجز النقدي بسبب غياب الحرية لعقود من الزمن؟
في الوقت الذي تُباد فيه المدن وتموت معها القيم الإنسانية، نجد أنفسنا أمام فوضى إعلامية تُبرز تناقضات جيل يجرب الحرية لأول مرة، ويجد المجتمع نفسه أمام تخبط فكري يغذيه تضارب الآراء بين النخب، فيُخلق واقعٌ مشوش، يبتعد فيه الرأي العام عن المشكلات الحقيقية كاقتحام درعا وقصف غزة ولبنان واليمن.
ومع تراقص الترندات بين تصريحات مثيرة للجدل وجدالات عقيمة، ومهاترات دينية وسياسية، تسقط المدن، وتُدفن القضايا الكبرى، ويُنسى معها وصف الرسول لأمته بـ”الجسد الواحد”.
إن كانت هذه الفوضى الإعلامية تُظهر تناقضات جيل غير واعٍ لتطورات الأحداث، فعلينا إعادة النظر في دور الإعلام وأولوياته، ويطرح السؤال: كيف يمكن إعادة التركيز على القضايا التي تمس حياة الشعوب؟ وكيف يمكن أن يُصبح الإعلام أداة لتوحيد الجهود بدلًا من تغذية الانقسامات؟
وفي خضم هذه الصراعات، لا يمكن إغفال دور منصات التواصل الإجتماعي في تضخيم الأحداث أو تحريف شيء من الحقيقة، كونها وسيلة إعلامية حرة لا رقيب عليها إلا فكر المتحدث ووعيه بمدى خطورة ما ينقل على صفحته الشخصية. إذ تتحول هذه الصفحات في كثير من الأحيان إلى حلبة مصارعة ينتصر فيها القوي لا الحقيقة.
هذا التحول في الرسالة الإعلامية وانعدام الرقابة، يزيد الفجوة بين مكونات الشعب، ويحيّد القضايا المصيرية لصالح نزاعات سطحية ثانوية.
فالإعلام باختلاف وسائله يجب أن يكون وسيلة لتثقيف الشعوب، ونشر الوعي بأهمية التضامن ونبذ العصبية القبلية لبناء وطن يليق بنا واستعادة الجزء المسلوب منها.