سياسة

عبد الرحيم دقلو يخلف أخاه (حميدتي) في قيادة ميليشيا الدعم السريع!

أبريل 7, 2025

عبد الرحيم دقلو يخلف أخاه (حميدتي) في قيادة ميليشيا الدعم السريع!

شكّل اختفاء قائد ميليشيا الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) عن مسرح العمليات الميداني، ومسرح السياسة، لغزاً يثير العديد من علامات الاستفهام، خصوصاً أن الرجل عُرف بداء شهوة الظهور الإعلامي والخطابات الجماهيرية، حيث لا يفوّت أي محفل إلا وأرسل من خلاله رسائله في بريد من يشاء.

كما عقّد المشهد أكثر وزاده غرابة، الظهور المكثف لأخيه، قائد ثاني الدعم السريع عبد الرحيم دقلو، في الآونة الأخيرة كزعيم للميليشيا؛ فمن غير الطبيعي أن يبتعد حميدتي عن تفقد قواته، في انتصاراتها السابقة، أو حتى في انتكاساتها وانهياراتها الحالية، فسيكولوجية الرجل تسيطر عليها كاريزما القائد الميداني والزعيم القبلي قولاً واحداً. ففي السابق، تجده وسط جنوده رافعاً من روحهم المعنوية، متفقداً أحوالهم، محفزاً لهم. كما لا يفوّت أي سانحة تتأتى له لبسط نفوذه في دارفور، فيظهر بمظهر المصلح لذات البين في الصراعات القبلية، دافعاً للديات. والأهم من ذلك، أن يقف صامتاً قليل الحيلة، وهو يشاهد غريمه الفريق أول البرهان، وهو يظهر مراراً وتكراراً في كل منطقة يحررها الجيش، يقف وسط جنوده، يخاطب المواطنين، وهو أكثر شيء يجعل حميدتي يكاد يَمَيّز من الغيظ والحسرة.


في اليوم الأول فقط من حرب 15 أبريل، ظهر حميدتي في 7 لقاءات تلفزيونية مع القنوات الفضائية. فهو مصاب بداء حب الظهور. تقول د. عائشة عبد العزيز، حول هذه الشخصيات المصابة بداء الظهور والتعالي: “الأشخاص الذين يحبون الظهور، والتحدث بأسلوب مليء بالترفع والتعالي في الكلام، مع التركيز على سرد المواقف الشخصية الذاتية على سبيل الفخر والخيلاء، مع تضخم واضح وكبير في الأنا كسيادة الثلاثي القاتل: «أنا»، «لي»، «عندي»، هي شخصيات مريضة بحب الظهور، واستمرار في الرغبة الجامحة للفت انتباه الغير، لدرجة يصاب صاحبها بحالة من الهوس بإظهار الكبر والاستعلاء، وحب التسلط، والإعجاب بالنفس، والافتخار بها، وحب الجاه والشهرة، والمدح والرياء. ويذهب هذا الفرد المريض لأبعد من ذلك، بحيث يتعمد تتبع وتصيد السقطات والزلات لغيره من المنافسين أو الآخرين، بهدف التقليل من شأنهم. كما يشعر بالغيرة الشديدة والتضايق عند ذكر منجزاتهم وإبداعاتهم. فلا يرضى هذا الشخص الأناني لغيره بالبروز والتميز، حتى لا يخفت بريقه، ويأفل نجمه، وتتلاشى نظرات المعجبين من حوله. ما يميز هذه الشخصية المصابة بداء حب الاستعراض، هو عدم صبر صاحبها على الاستماع لمقترحات الآخرين، وعدم تقديره لما يطرحونه من حلول، مع رفض واضح ودائم للثناء على الآراء الجديدة والمبدعة، حتى لو كانت تلك الآراء سديدة ومفيدة له ولعمله. يتميز هذا المتملق أيضاً بعدم التراجع عن الخطأ، وعدم الاعتراف به. كما يتوق دائماً لتسلق أكتاف الآخرين واستغلال منجزاتهم، ولا يتوانى في نسبها إليه. يتميز هذا الشخص أيضاً باللسان اللاذع، وانتقاد المجتهدين دون حرج من كشف حسده لما وصلوا إليه”… هذا التحليل ينطبق 100% على شخصية حميدتي المعقدة.


عقب الظهور في الأيام الأولى للحرب، اختفى حميدتي من المشهد تماماً، ولم يظهر إلا بعد مرور 9 أشهر، وكثرت الأقوال حينها حول أسباب غيابه؛ فالبعض اعتبره قد قُتل في إحدى غارات طيران الجيش السوداني على القصر الجمهوري. إلا أن المؤكد هو تعرضه لإصابة بالغة في وسط وأسفل ظهره، خضع على إثرها لعدة عمليات جراحية وإعادة تأهيل، امتدت لـ9 أشهر متواصلة، جعلته يغيب عن متابعة شؤون قواته.

في تلك الفترة، أحكم أخوه الأكبر عبد الرحيم دقلو قبضته وسيطرته على الميليشيا عسكرياً وسياسياً ومدنياً، وشهدت تلك الفترة خلافات عاصفة داخل الميليشيا، حتى بين (دقلو إخوان). فالأخ الأصغر القوني يسيطر على إمبراطوريتهم الاقتصادية والمالية عبر الشركات العديدة في “الإمارات، وروسيا، وأوكرانيا، وإثيوبيا، وكينيا، وجنوب السودان، وأوغندا، وأفريقيا الوسطى، وتشاد، والنيجر، وجنوب أفريقيا، وتنزانيا”، إلا أن عبد الرحيم لم يستطع السيطرة على القوني، ولا يملك الأدوات لفعل ذلك، فهو محدود التعليم، لم يُكمل الابتدائية، وخشي إن احتد في الصراع مع القوني أن يخسر كل شيء، فقبل على مضض أن يظل القوني في موقعه. لكنه أطاح بابن خالتهم، يوسف عزت، المسؤول السياسي للميليشيا ومستشار حميدتي من منصبه، واتهمه بأنه مخترق من قبل الأجهزة الأمنية للحكومة السودانية، التي يقودها رئيس مجلس السيادة، القائد العام للجيش، الفريق أول عبد الفتاح البرهان.

عقب إقالته، قال يوسف عزت، إنه تمت هيكلة العمل المدني والسياسي لميليشيا الدعم السريع في ورشة عُقدت بأوغندا. وأوضح أنه تم نقل مسؤولية إدارة الهيكلة الجديدة – كان يقودها قائد الميليشيا حميدتي – إلى قائد ثاني ميليشيا الدعم السريع عبد الرحيم دقلو، تحت مسمى “مجلس التنسيق المدني لقوات الدعم السريع”. وأوضح عزت أنه بعد إجازة قائد الدعم السريع لذلك، أصبح العمل جزءاً من هياكل قوات الدعم السريع الرسمية، وأضاف: “طلبت إعفائي، فلا التجربة ولا القناعات تتيح لي العمل تحت قيادة عبد الرحيم”.


يقول قادة في الميليشيا، إن عبد الرحيم لا يرضى أن يكون المقربون من حميدتي، سواء كانوا مدنيين أو عسكريين، خارج سلطة نفوذه. وأن عبد الرحيم، كونه الأخ الأكبر لحميدتي، يُريد أن يتصرف في كل صغيرة وكبيرة في الدعم السريع بصورة عامة – مالية وسياسية وعسكرية – إذ ينتابه شعور الوصاية على الجميع كونه الأكبر سناً، لكن معظم قراراته تسيطر عليها انفعالاته الحادة غير المدروسة التي تنبع من شخصيته العصبية. وكثيراً ما كان حميدتي يُلغي تلك القرارات بصورة فورية؛ لأنها مزاجية وغير مدروسة وتُسبب المشاكل لحميدتي، الذي أصبح رجل إطفاء لإخماد الحرائق التي يشعلها عبد الرحيم.

وأكدوا أنّ حسبو عبد الرحمن – نائب رئيس الجمهورية السابق عمر البشير، والمطرود من منصب نائب الأمين العام للحركة الإسلامية – من إثنية آل دقلو، يُعد العقل المفكر لعبد الرحيم دقلو، وبمثابة الأب الروحي له. ومع اختفاء حميدتي الأخير عن المشهد، وضعف متابعته الميدانية للشأن السياسي والمدني، نجح حسبو في إبعاد يوسف عزت عن المشهد، وأصبح الآن هو صاحب القرار الأول في الشأن السياسي والمدني للميليشيا، وهو الذي يُمسك ملف العلاقات الخارجية في أفريقيا؛ حيث وظف شبكة علاقاته الواسعة – التي اكتسبها بحكم منصبه الدستوري والسياسي السابق – في تشاد والنيجر وأفريقيا الوسطى وليبيا والكاميرون ومالي، من حشد المقاتلين من أبناء القبائل العربية في تلك البلاد والمرتزقة، وجنّدهم للقتال في صفوف الميليشيا.

تقول المصادر، إن الحالة الصحية لحميدتي باتت تقعده عن العمل الميداني، كون الإصابة التي تعرض لها أدخلته في تعقيدات طبية، تحتاج للراحة والعلاج الطبيعي المتواصل، وأن أي جهد يتعرض له، يُدخله في تعقيدات فيها خطورة عليه.


عقب حالته الصحية المتدهورة التي أقعدته عن الميدان، بل حتى لم يستطع حضور مؤتمر “تأسيس” ظهيره السياسي في نيروبي، صار حميدتي يعتمد على الخطابات المتلفزة أو الصوتية، والعامل المشترك فيها: الغضب الشديد، وردود الفعل على تقدم الجيش وسحق قواته، وطابعها التناقض؛ فخلال أسبوع واحد في مارس الماضي، أكد أن قواته باقية في الخرطوم، وأنها لن تنسحب من القصر الجمهوري. وعقب محرقة قواته في القصر الجمهوري، وفرار البقية الباغية منهم من الخرطوم عبر جسر خزان جبل أولياء، ناقض نفسه، وقال حميدتي إنها عملية انسحاب تكتيكي تمت بإجماع القادة الميدانيين. في وقت بثّ العديد من جنود الميليشيا فيديوهات شنوا من خلالها هجوماً لاذعاً على قادة الدعم السريع، بأنهم تركوهم يتعرضون للموت والأسر، بسبب ضعف القيادة التي صوّرت لهم أن الجيش السوداني لن يُقدم على التوغل داخل الخرطوم، لأنه لا يملك القوات والعتاد لهزيمة الدعم السريع. وأنهم ماتوا دون هدف، وأن قادة الدعم السريع باعوا القضية وضحوا بدماء الشباب.


بعد كل هذه الحيثيات والمواقف والبينات، نخلص إلى أن حميدتي صار مجرد رمزية لقواته القبلية، فهو الملهم المرتقب في حكاويهم؛ ونبوءة شيخهم الذي قال إنه سيبسط حكمه على السودان، وسيؤسس دولة جنيد المرتقبة، جامعة عرب الشتات.
بات حميدتي مجرد خيال مآتة، بينما انتقلت القيادة إلى عبد الرحيم دقلو، الذي يحاول جاهداً جمع شتات قواته وضباطه الذين فروا من الموت، ورجعوا إلى ديارهم، حيث خاطبهم قبل 3 أيام، ساخراً ساخطاً منهم: “مشيتوا اندسّيتوا مع نسائكم في البيوت، ارجعوا وإلا سنطاردكم”. كما وجّه تهديدات إلى زعماء القبائل العربية في دارفور: “إما أن تكونوا معنا أو ضدنا، لا مكان للحياد”.
تعاني الميليشيا، عقب هزائم العلقم التي تجرّعتها، من الصراعات والخلافات، وتسيطر عليها الخيانة والمؤامرات، والخوف من الموت الذي سكن شغاف قلوبهم، جراء بطش الجيش وقواته المساندة، وبات لسان حالهم: الميليشيا في متاهتها!

شارك

مقالات ذات صلة