فيلم ياباني رائع حول الحُب والفقد وخيبة الأمل.. Drive My Car
فيلم “Drive My Car” أو “قودي سيارتي”، الذي أُنتِجَ في عام 2021، هو فيلم دراما ياباني رائع وعميق ومؤثر، للكاتب والمخرج “ريوسوكي هاماغوتشي”، وهو مقتبس من قصة قصيرة ضمن كتاب “رجال بلا نساء” الذي يضم مجموعة قصص قصيرة للكاتب “هاروكي موراكامي”، الذي أصدره في عام 2014.
يبدأ الفيلم مع “يوسوكي كافوكو” وهو مخرج وممثل مسرحي يعيش مع زوجته “أوتو”، وهي كاتبة نصوص، وتبدو علاقتهما سعيدة وهما يتناقشان في النصوص الفنية، ونشعر بمحبّتها البالغة له وهي تساعده في التحضير لمسرحيته القادمة، وهو أيضًا يكنّ لها كل الحب والتقدير.
يكتشف “يوسوكي” أن “أوتو” تخونه، ولكنه لا يقوى على مصارحتها، وحين يصل إلى المنزل ذات ليلة يجدها غائبة عن الوعي، ثم نراه في جنازتها.
بعد تلك المقدمة التي تستمر نحو 40 دقيقة، نكتشف أن الفيلم على وشك البدء بأحداثه الرئيسية، حيث يمر عامان، و”يوسوكي” تتم دعوته لإخراج مسرحية “الخال فانيا” للكاتب المسرحي الروسي “أنتون تشيخوف” لمهرجان في مدينة هيروشيما.
يتم تعيين الشابة “ميساكي واتاري” من قبل إدارة المهرجان كسائقة خاصة له بسيارته الحمراء المقدسة، ومن هنا ننطلق معهما في أحداث الفيلم وحبكاته اللذيذة وشخصياته الفريدة، مثل شخصية الممثل الشاب “كوجي تاكاتسوكي”. مدة عرض الفيلم 3 ساعات، وقد تم استغلالها بحكمة وتأنٍ شديد في سرد الأحداث بالإيقاع البطيء، والتوغّل في أعماق الشخصيات والشعور بهم عن كثب، وفهمهم بشكل دقيق.
الإخراج رائع من “ريوسوكي هاماغاوشي”، والنص السينمائي الذي كتبه أعتبره من أقوى النصوص مؤخرًّا، وما يميزه هو أسلوب الحوارات البليغة التي تَعلَق في الذهن، والدروس التي نتلقاها كمشاهدين حول الحب والفقد وخيبة الأمل، والألم والإحساس بالذنب والندم، وحول كتم المشاعر والتنفيس عنها، وحول الوصول إلى مرحلة التصالح مع الحياة والسلام مع النفس.
المدهش في الفيلم هو ربطه للواقع مع الفن، وشخصياته مع شخصيات “أنتون تشيخوف”، وأداء الممثلين هنا رائع جدًّا من الجميع، وعلى رأسهم “هايدتوشي نيشيجيما” بشخصية “يوسوكي كافوكو”، و”توكو ميورا” بشخصية “ميساكي واتاري”، و”ريكا كيريشيما” بشخصية “أوتو كافوكو”، “ماساكي أوكادا” بشخصية “كوجي تاكاتسوكي”.
الفيلم هو واحد من الأفلام الفلسفية العميقة ويدعونا للتأمل في ذكريات الماضي، وما نخوضه في الحاضر، ويدفعنا إلى تساؤلات مستقبلية حول معنى الحياة. برغم ميزانية إنتاجه البسيطة التي لم تتجاوز مليون و300 ألف دولار، حقّق الفيلم نجاحًا لافتًا بإيرادات تزيد عن 15 مليون دولار في شبّاك التذاكر في اليابان وأمريكا وبقية دول العالم، كما نال تقييمات عالية من النقّاد والجمهور، واكتسح أهم الجوائز السينمائية، وقد فاز بجائرة الأوسكار لأفضل فيلم عالمي، وترشّح لـ 3 جوائز أخرى لأفضل فيلم وأفضل إخراج وأفضل نص سينمائي مقتبس.
من أجمل مشاهد الفيلم هو مشهد عرض مسرحية “الخال فانيا”، وبالتحديد المشهد الذي يجمع الشابة البكماء “سونيا” مع الخال “فانيا” وهي تتحدث إليه وإلى الجمهور بلغة الإشارة، فقد كان مُعبّرًا جدًّا وجميلًا لأبعد الحدود، وتقول “سونيا”: “سوف نعيش يا خالي فانيا”.