مجتمع

‏المستبد الزمني المؤقت العادل والمستنير بين الضرورة والرفض والقبول في سوريا

أبريل 3, 2025

‏المستبد الزمني المؤقت العادل والمستنير بين الضرورة والرفض والقبول في سوريا

منهل الحاج حسين

 

من الذي عرف الاستبداد والديمقراطية؟ وماهي مسطرة القياس لكليهما؟ في الأصل كلمة مستبد Despot مشتقة من اليونانية ديسبوتيس والتي تعني رب المنزل أو حاكم الاقطاعية في إشارة لفكرة الحكم الأبوي للرعية وربما روج لهذا المصطلح آنيا كردة فعل من قبل المفكرين ودعاة الحرية العقلانية أمام أشكال السلطة الملكية الحاكمة في أوروبا بالإضافة الى حكم الكنيسة والبابا وتأثيره على العامة والخاصة والذي كان بمثابة تبليغ سماوي لا يقبل التأويل أو الرفض ليأتي تحت باب هذا التبليغ محاكمة كل المعارضين بتهمة الهرطقة الجاهزة.

 

من أبرز مروجي هذا المصطلح المفكر الإنجليزي جون ستيورات ميل في كتابه “الحرية” عام 1851 ثم لحقه فولتير فيما بعد. الأول الذي رأى بوجوب الحزم مع العدل أمام حركة الجمهور “الفوضوية”، كما أسماها، وهذه الفكرة بالذات ربما تأثر بها من بعده غوستاف لوبون في كتابه سيكولوجيا الجماهير، والذي وصف فيه حركة الجماهير بحركة تكون أقرب للفوضى منها إلى البناء إذا لم تجد ضوابط تلزمها أما فولتير فقد دعا في نفس سياق هذا المصطلح إلى التحرر من سلطة الكنيسة ووجوب قيام هذا المستبد (العادل) بقبول الرأي المخالف ونشر التسامح. في عالمنا الإسلامي كان محمد عبده يرى ضرورة واقعية في هذا المصطلح وهو صاحب القول إن الشرق لن يقوم الا بمستبد عادل، وربما راعى بهذه الفكرة زمانه السياسي والاجتماعي والفكري أيام شكل الدولة المطلقة وخصوصية المجتمع والجمهور العربي والإسلامي يرى فيها إصلاحا بعيدا عن فوضى الثورة والانقلاب.

 

بما أن الزمان بحتميته والمكان بخصوصيته وحركة الشعوب بقوتها تلزم إنتاج مفرزات جديدة من أشكال الحكم والسلطة، وأدوات السمع المتبادل بين الحاكم والمحكوم واشكال جديدة من مفاهيم الدولة، فهل ما زال هذا المصطلح ساري المفعول والقبول، وهل هو ضرورة مرحلية، أم غاية؟ أم أن المصطلح بالذات فكرة مغلوطة أساساً؟ وعودة إلى مسطرة قياس الاستبداد والديمقراطية: هل الاستبداد يقاس بمدة بقاء الحاكم الزمنية؟ وإن كان كذلك، ما هو قياس الاستبداد في الملكيات الأوروبية الوراثية الآن في إنكلترا وغيرها أم أن هذه المسطرة تقيس حرية الفرد بغض النظر عن شكل الحكم؟ أم تقيس درجات تمثيل الشعب في السلطة، في البرلمان أو المجالس الأخرى على اختلاف مسمياتها؟ أم تقيس الحرية الدينية والسياسية ورضى الشعوب عنها؟

 

لنسلم جدلا أن سوريا الآن تحتاج حاكماً مستبداً عادلاً ومستنيراً ومتسامحاً (مع الخلاف على مسطرة قياس الاستبداد وموضعها في رأس الهرم أم في قياس أداء الحكومة) وكلنا يدرك الآن التحديات الداخلية والخارجية التي تواجهها الدولة في سوريا. أليس من الضروري قراءة هذا المصطلح من جديد؟ وبغض النظر عمن يرى فيه صالحا عاما ومن يرى فيه خرافة تصنع حكما دكتاتوريا جديدا؟!


تاريخياً إذا أخذنا مسطرة قياس الاستبداد التي يستعملها دعاة الديمقراطية في العالم تحت بند تداول السلطة الأعلى (فترة البقاء في الحكم الزمني) سوف نجد، بناء على قياسهم، حكم عمر بن الخطاب والخلفاء الراشدين حكما ديكتاتورياً ومستبداً، مع أن الحقيقة، وخصوصا عمر بن الخطاب، كان أشد الناس في سماع الآخرين، مستخدما أداة شورى العامة والخاصة. حادثة عزل خالد بن الوليد التي كانت مناظرة بين ابن الخطاب وابن الوليد، استمرت يوما كاملاً أمام الناس من عامة القوم وخاصتهم وكان الرأي بالرأي من الجميع. حتى أتى قرار الأغلبية بتأكيد قرار عمر بعزل خالد، فلا تمرد خالد على قرار الأغلبية ولا ضعف حكم عمر بالمشاركة. ربما نحتاج في سوريا مستبداً (زمنيا مؤقتا) عادلاً ومستنيراً لخصوصية الظرف، ولكن لهذه الفكرة الخطيرة العديد من الاشتراطات المطلوبة واللازمة، منها طرائق السمع بين الشعب والدولة، وماهي شكل هذه الطرائق وأيضا أدوات المشاركة والتمثيل في الدولة كمجلس الشعب ومعايير حرية الرأي والنقد، وكيف للقانون أيضاً أن يحمي الرأي المخالف من البطش والتجريم والتخوين؟

إن الوعي عند الشعوب هو الفهم الذي يجب تبادله مع السلطة في موضع الخلاف والاتفاق، لأن الكمال المنشود هو كمال غير موجود، لم يوجد تاريخياً، ولن يوجد مستقبلا في الأرض. ربما قبول شكل الدولة العام (مرحليا واستثنائيا) التي تراعي الناس في الحقوق وتكون تحت سلطة القانون من أعلى حتى أدنى موظف فيها، هو أهم بكثير من بعض القوالب التي تنجح بمكان وتفشل في آخر. المؤكد أنه لا يوجد قصة تشبه قصة أخرى ولا يوجد ظرف يشبه ظرفاً آخر وربما لا يوجد شعب يشبه شعباً آخر. فهم الديمقراطية هو الغاية وهذا الفهم يجب أن يراعي الزمان والمكان والمرحلة.

 

شارك

مقالات ذات صلة