آراء

ليلة غزة… ما بين السماء والأرض وما بين الدعاء والنار

مارس 21, 2025

ليلة غزة… ما بين السماء والأرض وما بين الدعاء والنار

وكأن قلبي كان يسبق الزمن، ويستشعر مرارة هذه الليلة قبل أن تبدأ، إذ جافاني النوم، فجلست في فراشي أبحث في آيات القرآن عن سكينة تداوي اضطراب الروح. لحظات قصيرة مرت، ربما أتممت نصف جزء من سورة آل عمران، قبل أن تتلاشى السكينة تحت وقع الضجيج، ويهوي الليل إلى هاوية الرعب. فجأة، انقلب السكون إلى جحيم، امتلأ المكان بصوت الطائرات النفاثة، تهدر في السماء كأنها نذر عاصفة لا تبقي ولا تذر. ارتفع دوي الانفجارات، وتوالت الضربات، تزلزل الأرض تحت الأقدام، فيما تصعد ألسنة اللهب والأتربة إلى السماء، تحجب ضوء النجوم، وتحيل الليل إلى جحيم مشتعل.


في لحظة واحدة، اجتاحت السماء أكثر من 120 طائرة، تمطر غزة بوابل من القذائف، وكأنها تسابق الليل لإطفاء ما تبقى من حياة. البيوت تتحول إلى أنقاض، والخيام إلى رماد، ولا صوت يعلو فوق الانفجارات، سوى أنين الأطفال، ونحيب الأمهات، وصيحات العالقين تحت الركام. فمن كل الجهات يأتي الموت، من الأرض والبحر والجو، تُمطر المدينة بوابل من النيران، وكأنها لم تعرف الألم من قبل، وبين هدير القصف والأحزمة النارية التي تلتهم كل شيء، علت أصوات الإسعافات، تتقاطر من كل الاتجاهات، تلبي نداءات الاستغاثة التي لم تهدأ. في شوارع يملؤها الركام، كان المسعفون يركضون بلا تردد، يفتشون بين الأنقاض، يبحثون عن ناجين تحت الأسقف المهدمة والجدران المنهارة، يمدّون أيديهم لكل من بقي على قيد الحياة وسط هذا الدمار. فقد عاد المشهد ذاته… عادت الحرب من جديد، وعاد الألم بحلّة أشد قسوة، كأن غزة كُتب عليها أن تعيش في دوامة لا تنتهي، بين لحظات هدنة قصيرة، وعواصف موت تعصف بها دون رحمة.


وفي ظل هذا المشهد المروع، يقف العالم صامتًا، يراقب بلا حراك، وكأن الدماء التي تُسفك كل ليلة في غزة لا تعنيه، وكأن أصوات الاستغاثة لم تصل إلى آذانه الصماء. أما الصمت العربي، فكان كعادته أشد وجعًا، خذلانًا يتكرر بلا خجل، وكأن غزة ليست من هذه الأمة، كم هو ثقيل هذا الصمت، وكم هو مرير الشعور بالخذلان! لقد صدقت يا رسول الله حين قلت: “ولكنهم غثاء كغثاء السيل.” غزة اليوم جرح مفتوح ينزف أمام أعين البشرية، التي اعتادت أن ترى المآسي ثم تمضي وكأن شيئًا لم يكن. هنا، لا مجال للحديث عن الأرقام، ولا جدوى من إحصاء الضحايا، فالدماء أصبحت لغة الليل، والدمار صار عنوانًا لكل صباح. وفي مواجهة هذا الخراب الممتد، لا يبقى للقلوب المؤمنة سوى الدعاء، حين تضيق الأرض بما رحبت، ويبقى الأمل معلقاً بالعلي القدير.

شارك

مقالات ذات صلة