سياسة
“السيرةُ الحرام”
قابلت أناسا في مصر يخشون مجرد ذكر الاسم؛ قد يغادرونك في الحال، أكُفُّهم تنتفض بلا تفكير لإبعاد الهواتف، وقد يغمزك أحدهم في كتفك راجيا أن تغير ”السيرة“. أسماء ثلاثة؛ يلتوئ اللسان وتختنق الحناجر حدَّها، اللواء عباس كامل، رئيس المخابرات العامة المُقال حديثا قبل أشهر، العقيد أحمد شعبان ”رئيس تحرير مصر“ كما يسمونه في ”إعلام السامسونج“ إذا كان ما يقدم اليوم إعلاما – محرك العرائس؛ المانح المانع لاحتكار الإعلام في مصر؛ والمُقال بدوره بعد كامل بأيام قلائل، والعميد محمود السيسي وكيل جهاز المخابرات العامة المصرية – اسمٌ ذو أثرٍ كبير، ليس بالضرورة إيجابيا حتى لرأس السلطة لأسباب أسردها تفصيلا.
سؤالي الانطباعي الأول سؤالٌ مباشرٌ ومبدئيٌ جدا، لماذا يختفي مواطن – أيُ مواطن لمجرد الإتيان على ذكر اسم من الثلاثة أو كلهم مجتمعين؟ لا القانون ولا الأمن ولا السلم المجتمعي يجرم ذلك. أرى دولة بوليسية في أعتى صورها وأبغضها استعلاء بالسلطة.
كي أميط اللثامَ عن محمود السيسي وأكسِرَ القشرةَ السميكة المفتعلة، حاولت ببحث دقيق أن أفتش عن دورِه – بل قولوا – أدوارِه في الجمهورية الجديدة، كان لابد أن أدرُسَ َالمتاحَ عن شخصْين اثنين دارا في فلك عبد الفتاح السيسي ونجِله الأكبر. أحدُ الشخصين كان لمحمود السيسي منافسا والآخرُ مُنفٍّذا.
اللواء عباس كامل – المنافس
سمته القناةُ الرابع عشرة الإسرائيليةُ ”ظِلَّ الرئيس“ عاد للواجهة بعد كثير من الحرص وقليل من التكتم من الجانب المصري في استبعاده أو هكذا يراد لنا أن نعتقد، وبعضِ رهبةٍ عادةً تحيطُ أسماءَ رؤساءِ المخابرات العامة، فما بالكم في الجمهورية الجديدة! وأفضل ألا تفتح السيرة فلعل لسانَك يزلِفَ بالخطأ وتأتيَ على الاسم الأخطر في هذه الدولة كما يبدو؛ محمود السيسي ذي الهالة الحرام التي يُحظر ذكرُها فما بالك بمحاسبتها! سُحِب عباس كامل بتقريرِ القناة الرابع عشرة الإسرائيلية إلى دائرة الضوء، بعنفٍ وصفاقة؛ وهو شيءٌ مهولٌ لرجل استخبارات من الطراز الكلاسيكي، فما بالكم بـ”ظلٍّ الرئيس” و”مخزنِ أسراره“!
السؤال كان حرفيا ”هل كان عباس كامل رئيس المخابرات المصرية يخدع رئيس الشاباك لسنوات؟“ سؤال وقح. لكن دلالته مريبة!
تقرير القناة -وهي قناة تجارية جمهورُها المستهدف اليهودُ الصهاينة المروجون لخطاب نتنياهو (مثل FOX الأمريكية وCBC DMC TEN المصرية) يمينيةٌ قُح- التقرير تحدث بلا تحفظ عن “لقاءات سرية” بين نوفمبر ٢٠٢١ حتى أغسطس ٢٠٢٤ بازدياد كثافة اللقاءات في العام الأخير، وقد عُقدت إبان تولي كامل رئاسة المخابرات العامة المصرية بينه وبين رونان بار رئيس جهاز الأمن والاستخبارات الداخلي الإسرائيلي (الشاباك). وحصرتْ القناةُ الوقتَ للاجتماعات في هذه الفترة تحديدا، على ما يبدو لإرسال ”رسالة ما“ للمخابرات المصرية والقائمين عليها بدءا برأس النظام مرورا برئيس المخابرات حينئذ، ووكيل الجهاز محمود السيسي. اللافت أن التقرير سبق إقالة عباس كامل بنحو شهرين؛ بعدها اعتقل جهاز الاستخبارات والأمن الداخلي شاباك (شين بيت) ضابطا كبيرا في المخابرات الإسرائيلية. والمعلن أن اعتقاله كان بسبب عضويته في مجموعات مشبوهة على تطبيق واتس آب. أما اللواء عباس كامل فأقيل من المخابرات العامة يوم ٢٦ أكتوبر ٢٠٢٤. من الممكن جدا أن تكون مصادفة.
القناة الإسرائيلية ليست الوحيدة، فلقاءاتٌ رسميةٌ بين رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية آنذاك عباس كامل ورؤساء جهاز الأمن والاستخبارات الداخلية شين بيت (شاباك) وأوردتها أيضا جريدة Times Of Israel أحد أكثر المواقع الإسرائيلية رواجا وسرعة في نقل الأخبار. وقد أوردت خبر هذا اللقاء ”النمطي“ في القاهرة بشأن مباحثات تبادل الأسرى وإشكالية معبر رفح ومحور صلاح الدين/ فيلادلفيا والوساطة المصرية لإيجاد صيغ للتفاهم مع الفقيد يحيى السنوار -رحمه الله- في الرابع عشر من أكتوبر ٢٠٢٤.
العاشر من مايو ٢٠٢١ جاء اجتياحُ قوات الشرطة الإسرائيلية للمسجد الأقصى في رمضان وتصدي حي الشيخ جراح وأهله للعدوان بدايةً، استلهمت ردَّ الشباب في الضفة الغربية المحتلة المعزولةِ تماما عن القدس، وكذلك ردَّ فعل الفصائل في غزة المعزولةِ تماما عن العالم (إلا عبر معبر رفح المصري) وهذه الأخيرة هي خديعة أبي موسى الأشعري. قناة Times Of Israel كتبت عن اجتماعات بصيغة مكثفة بين رئيس المخابرات المصري ورئيس جهاز الاستخبارات الداخلي.
هناك أمر ما تحاول إسرائيل ابتزاز الجانب المصري به. مالذي ترمي إليه إسرائيل بهذه الإشارات؟ وما ”الخديعة“ التي يتحدثون بها بصلف وتبجح بحق اللواء عباس كامل؟ الأهم؛ مالذي صدر من رئيس المخابرات المصرية العامة المُقال كي تتجرأ عليه إسرائيل بهذه الفجاجة وتدّعي وتتهمه بخداعها لسنوات في تلك الاجتماعات؟ والأهم على الإطلاق: لماذا لم يصدر بيانٌ رسميٌ واحدٌ من مصر يدافع عن الرجل؟
بعضُ ما تردد عن إخفاق عباس كامل آنذاك في إحراز تقدم في مفاوضات وقف إطلاق النار أو قضية تبادل الأسرى في غزة أو حسم الكلمة العليا لمصر في التجرؤ الإسرائيلي على محور فيلادلفيا / صلاح الدين بعد السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ والإبادة الجماعية الآنية قولا وفعلا، أو زيارة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، أو حتى الغضب الإسرائيلي؛ كلها أسباب لا تدفع بعبد الفتاح السيسي إلى التخلص من ”الرجل الثاني في الدولة“ ”ظل الرئيس“ و ”مخزن أسراره“ إن لم يكن تعقلا فخوفا!
السيسي يخشى جدا تأليب المؤسسة العسكرية عليه. عباس كامل عمل مديرا لمكتب عبد الفتاح السيسي منذ كان قائدا عاما للقوات المسلحة، وانتقل معه لرئاسة مكتبه في رئاسة الجمهورية في ٢٠١٤، وبحسب توقيت الإقالة وعوضا عن منصبه الأرفع على رأس المخابرات العامة، عُين بعد إقالته مستشارا ومبعوثا للرئيس ومنسقا عاما للأجهزة الأمنية. كلها مهام لإرضاء كامل وخشية غضبه، لكنها أيضا مهام لا تتقاطع مع محمود السيسي. هذه أيضا تفصيلة مهمة.
الشاهد أن اللواء عباس كامل – المنافس الوحيد لمحمود السيسي أُقيل – سواء لأنها لحظة مواتية أو سمها ضربة حظ؛ المهم أن محمود السيسي أزاح أو أُزيح عنه منافسه، يعني بات بلا منافس، أو هكذا يبدو. فما خطوته التالية؟ ولماذا لم يطرح اسمه كرئيس للجهاز وهو عمليا الرجل الثالث في الدولة ووكيل المخابرات العامة بالفعل؟ وكيف علاقته باللواء حسن رشاد؟ كل كانت عين محمود السيسي على موقع رئيس المخابرات العامة؟ خاصة وقد شاع من المقربين من الجهاز أنه قلص دور عباس شيئا فشيئا حتى صارت الأمور بيد محمود ونشر ذلك في أكثر من موضع صحفي وغربي؟ هل يكتفي عبد الفتاح السيسي باللواء حسن رشاد في حل هذه الوضعية المعقدة؟ أم سيرث رشاد منافسة محمود السيسي كما عاناها سلفه؟
بعيدا عن الطموحات السلطوية؛ المرحلة الآتية حساسة جدا لمصر، تحتاج دبلوماسيين محنكين وتعلموا في مدارس الدبلوماسية الكلاسيكية من طراز عمرو موسى مثلا، قد تختلف المدارس لكننا لا يمكننا المناورةُ في ورطة مصر مع القيادة الأمريكية الجديدة الأكثر تبجحا وشراسة من ولايتها الأولى. رأينا ترمب بأعيننا مرة مع الملك عبد الله بن الحسين، وأخرى مع فلوديمير زيلنسكي الذي لم يتركه كبير ولا صغير في المكتب البيضاوي إلا وعّيره وبكته وقضى على البقية الباقية من أي اعتبار له! هل يستطيع عبد الفتاح السيسي تفادي ترمب إلى الأبد؟ وهل مصر في وضعية تسمح تحت كل هذه الديون وبيع الأصول وتحت رحمة صندوق النقد الدولي والمساعدات الأوروبية والمنحة العسكرية الأمريكية بالخروج عن النسق؟ مصر بحاجة لوزير خارجية محنك ولرئيس مخابرات مدرب، ولرئيس لدولة يعرف كينونة مصر.
عمليا – هل كُلّف محمود السيسي أصلا بملف مصر – إسرائيل؟
موقع أمريكي يكتب فقط عن الشرق الأوسط Themedialine ذو انحيازات يمينية معروفة، كتب بتاريخ ١٧ أبريل ٢٠٢٢ أن محمود السيسي زار إسرائيل بالفعل كوكيل للمخابرات العامة المصرية ليتوسط في الصراع الدائر بين إسرائيل والفلسطينيين وكانت الزيارة عشية اقتحامات كبيرة من قبل جماعة متطرفة يهودية تسمي نفسها ”العودة إلى جبل الهيكل“ للمسجد الأقصى في الخامس عشر من الشهر نفسه. استخدمت القوات الإسرائيلية قنابل الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية بالتزامن مع عمليات فردية قام بها فلسطينيون على غرار عمليات الذئاب المنفردة في الضفة الغربية المحتلة. Themedialine كتب نقلا عن Eran Lerman نائب مدير السياسة الخارجية في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي- نائب رئيس معهد القدس للاستراتيجية والأمن ”إن التغيير الذي حدث بالنسبة للعلاقات بين مصر وإسرائيل خاصة في الأشهر الأخيرة مبهر“. بينما قال محلل سياسي واستراتيجي مصري مشترطا عدم ذكر اسمه لذات الموقع ”إن حقيقة أن يكون محمود السيسي هو من اختير لزيارة إسرائيل بالتزامن مع الخطوات المصرية لتقوية علاقاتها مع إسرائيل يطرح علامات استفهام بشأن احتمالية أن يورث عبد الفتاح السيسي ابنه رئاسة مصر فعلا“. لكنه أضاف أنه ”لا يرى دلائل كافية على ذلك بعد، ولا يتوقع ذلك حتى عام ٢٠٢٨ على الأقل، لكن السيسي الأب سيحاول تمديد وجوده ونفوذه.“ (كان ذلك عام ٢٠٢٢).
وفقا لمجلة فرنسية تنشر تقارير استخباراتية باللغتين الفرنسية والإنجليزية intellegance online المنشورة بتاريخ الثالث من فبراير ٢٠٢٢ فإن محمود السيسي عاد للمخابرات بكامل سيطرته. كان هذا التقرير قبل إقصاء عباس كامل بعامين اثنين. اللافت أن التقرير الاستخباراتي الفرنسي كتب بوضوح وبالتفاصيل أن محمود السيسي هو المخول الآن بملف تقوية العلاقات المصرية بإسرائيل.
العقيد أحمد شعبان – المُنفًّذ
“رئيس تحرير مصر” كما يسمونه في الإعلام والصحافة. الذراع الذي يلوي الرقاب، إلا من لا مَلْكة لرقابهم طبعا؛ لا رغبة لديهم ولا رهبة تخيفهم. سمعت الزملاء يسموه في القاهرة ”المسؤول عن إعلام السامسونج“ بالإشارة إلى الإعلام الملقَّن والحرمانية الباتة للخروج عن النص. طبعا بصفتي المهنية وكثيرون مثلي أهدافٌ لعرائسه الشتّامة عبيد المأمور. لكن ذلك لم يكن مهما أبدا. لكن من هو المخرج الكبير لهذا المسرح المليء بالشخوص الرديئة؟ المخيف لرؤساء التحرير ومديري القنوات؟ الذي يعاقب من يجرؤ على مجرد ذكره بالحبس وإغلاق القنوات وسحب المذيعين والمذيعات للظل بعد الأضواء التي تصيب البعضَ بالهوس وإدمان الهالة والتفريط في النفس؟ من محرك العرائس؟ وقعت تلاسنات عدة سمعنا عنها وقرأناها آخرها كان قبل يومين من كتابة هذا المقال. رأيت أطرافا أحادية تُهاتي كأنها تحدث نفسها.. كان كلام الناس كثيرا عن نجوم اختفت، ورؤساء قنوات هُددوا واستوديوهات أغلقت وفرق عمل فُصلت بالكامل. لم يُربط أيٌ من هذه النوائب بالسيد محمود السيسي، لكن اقتراب العقيد أحمد شعبان بكل رد فعل على الأقل يُمنطق أن السيسي الابن كان على علم.
لن أتطرق لمحتكر الإعلام في مصر شركة المتحدة ففيها يكتب الكثير أرجئه لمقال آخر – لو لينا عمر. أحمد شعبان قفز قفزتين كقافز الزانة من المخابرات الحربية ليصبح عقيدا في المخابرات العامة. علاقة محمود السيسي بالإعلام علاقة الطَيْف، تُذكر.. فتسري رهبتها، لكن اسم العقيد شعبان يُنفِّذ فتثبت الصلة الكافية للترهيب. إن تجرأ أحد على ذكره استحضر رهبةً سمعنا عنها اليوم، كما كنا نسمع عن الخوف من صلاح نصر بعدما كان بزمان.
على الرغم من شغل العقيد شعبان مدير مكتب عباس كامل، حتى رفعه معه لمكتب الرئاسة والفضاءات المتاحة والصف الأول والثاني، إلا أننا لم نسمع يوما اسم أحمد شعبان على خط أي تنافس أو استئساد من السيسي الابن على اللواء عباس كامل. هنا تكمن خطورة الصف الثاني. وهنا قد يكون الخطر في وقت دقيق في ترتيب البيادق في اللحظة الحالية.
”الرئيس التنفيذي للبلاد“ لقب شاع بعد معركة ضروس بين الأستاذ الجامعي المرموق الدكتور أيمن منصور ندا وجهاز الأمن في الجمهورية الجديدة سأعود إليه في نهاية المقال تحت عنوان صراع الأجنحة. لفظ كبير هذا، والأصعب أن يدار من الصف الثاني. معلومتان مهمتان في هذا الصدد، في المخابرات الحربية كان شعبان رئيسا لقسم الإعلام، كما أنه قريب من أخ ثانٍ لمحمود السيسي وهو مصطفى السيسي؛ المتحكم المطلق في جهاز الرقابة الإدارية.
ليس من دليل مباشر (مرئي على الأقل) يربط بين محمود السيسي وأحمد شعبان إلا تكهنات وبعض الاستعراض والمحبة من السيد أحمد شعبان يباهي بالسيد محمود السيسي ويعدد خصاله الحميدة على صفحته على فيسبوك، وقصة قديمة تردد فيها أن محمود السيسي هو العقل المدبر لاحتكار الإعلام الموجه واستخدامه سلاحا ضد المعارضين وبوقاً للجمهورية الجديدة. رقابةُ تنفيذها كانت للّواء عباس كامل رئيس الجهاز وتنفيذها بالفعل كان للعقيد أحمد شعبان.
سيطر أحمد شعبان بشهادة كثيرين ممن حتى الآن خائفين من مجرد ذكر اسمه في بناء مؤسسة احتكارية مكلفة جدا تضم ٤٤ مؤسسة صحفية تمثل أجنحة كل مراكز القوى في مصر : “اليوم السابع”، و”الوطن”، و”الدستور”، و”الأسبوع”، وفضائيات كـ”dmc” و”الحياة”، و”cbc”، و”إكسترا نيوز”، و”on”، و”on time sports”، و”القرآن الكريم”، و”الناس”، وراديو “النيل”، و”90 90″، و”ميجا إف إم”، وغيرها، بجانب شركات الإنتاج الفني والإعلانات “سينرجي”، و”ميديا هب”، و”pod”، وتطبيق “Watch it”، وشركتي التسويق الرياضي “برزنتيشن”، و“استادات“.
مسؤولية تشكيل شركة المتحدة وإعلام التعبئة وخلق صف من صحفيي الجرائد والأبواق صدرت إملاءات محددة، في توقيتات تأمر بها المخابرات العامة وتعيد ترديدها. هذه الآلة العمياء تأتيها الأوامر فتنقضُّ على المعارضين والصحفيين ذوي الشأن بحملات تحريضية تهدد سلامتهم الشخصية.
عُرفت هذه الممارسات غير القانونية اصطلاحا بلجان وإعلام ”السامسونج“، ويُنسب كثيرُ منها لأحمد شعبان. تغيرت في هذه المجاهل وجوهٌ كثيرة جميعها من أبناء وبنات الجهاز، في معظمها لم تكن مهمة ومع الوقت أصبحت مسخرة للجمهور المستهدف. هي الآن مجرد تفريغ لطاقة الشتم والسب اللاذع في الجمهورية الجديدة، على صفحاتها ولجانها و”إعلامييها“ الجادين والهازلين.
محمود السيسي
الهمس المحظور
شيء غريب جدا أن يتجرأ موقع ك ”القاهرة ٢٤“ المصري وتنقِل عنه ”روسيا اليوم“ باعتباره ”أسرارا كبيرة وخطيرة تُكشف عن نجل الرئيس المصري الضابط في المخابرات“. وعين الحقيقة أنها لا أسرار ولا كبيرة ولا خطيرة. هي محاولة لإعادة تقديم السيد محمود السيسي في صيغة أقل إرعابا. السؤال هو لماذا أصلا صدر السيد محود السيسي هذه الصورة المرعبة عن نفسه؟
في بداية بحثي وعلى الرغم من الجهد المبذول في إخفاء سيرة محمود السيسي إلا من بعض المواقع ومنصات التواصل المغرضة – وهنا أنا أقصد الكلمة بالمعنى الحرفي – أعني غير المنصفة أو غير الموضوعية فلا يمكن الاعتداد بها كمصدر- وجدت قرائن واستدلالات تبدو بعيدة وغير مترابطة للغاية. ركبت القطع الناقصة بصعوبة بالغة. وأزعجتني المبالغة في الإخفاء لموظف في جهة أتفهم خصوصيتها؛ لكنه موظف في الدولة نهاية المطاف.
ويكيبيديا لم تكن أبدا مصدرا يُرتكن إليه ؛ لكن صفحة محمود السيسي مثيرة لأكثر من عامل. أولا هناك صفحتان باسم محمود السيسي؛ إحداهما هزيلة المعلومات جدا، وتبدو كصفحة أنشئت ثم اختفى من بدأها وأزيلت معلوماتها. بقليل من الأدوات بدى لي أنها عُدلت مرتين وفي المرتين أزيلت منها معلومات لم تكن مهمة. على الأرجح الثانية كتبت كي لا تنبت صفحة من الفراغ بيد آخرين. الصفحة الثانية على الأرجح لم يُنتبه لها بعد وأظن أنها أيضا مُفتعلة لتضارب ترتيب محمود السيسي كأكبر أبناء السيسي، على خلاف ما ورد في ”روسيا اليوم“. فيها معلومة وحيدة شخصية ليس من اللياقة أن نتعرض لها لكن ما يهمنا فيها فقط أن رئيس المخابرات العامة وهيئة الرقابة الإدارية السابق هو نسيب أو حمو السيد محمود السيسي. أمر آخر لفت نظري عزز داخلي الشك أنها صفحة محررة بمعرفة القوات المعنوية أو الإعلام الحربي أن من بين بيانات المربع اليسار الذي عادة ما يضم البيانات الأولية في خانة الحياة العملية سُطرت الهوية السياسية أو الحزبية: أمامها كُتب: مستقل. لكن اللافت حقا في هذه الصفحة الخاوية من المعلومات نسبيا هي قائمة المصادر، ضمت تقارير تعتبر دالة بالنسبة لحالة الغموض التي يفرضها محمود السيسي عن نفسه، إذ ضمت خمسةَ مصادر أولها تقرير ”روسيا اليوم“ الذي تعرضْت له آنفا. لكن الطريف أن من بين المصادر نسخة من المصري اليوم – محرر بعد اسم الصحيفة: ”محمود السيسي نسخة محفوظة ١٤-١٢-٢٠٢٠.
بين المسطور في المواقع الخارجية على صفحة ويكيبيديا رابط لموقع القاهرة تحت رئاسة تحرير محمود المملوك. المقال نشر بتاريخ ٣٠ يونيو ٢٠٢٠. كتبه الأستاذ تامر إبراهيم وعنوان قوي ”“مقدم“ أم ”عميد“ ”ضابط“ أو ”وكيل“ محمود السيسي وأوجه الحقيقة الغائبة“. ديباجة طويلة عما تكبد محمود السيسي من الشائعات (التي لا يجرؤ عليها أحد أصلا“ والأعباء (التي لا نعرف عنها الكثير إلا بالهمز واللمز والنميمة).
انبرت صحيفة القاهرة في وضع غلاف من السوليفان على كل كلمة ليمرر المقال وكأنه مقال محمل بالأسئلة والشائعات والنقد وهي تدافع باستماتة عن السيد محمود السيسي ، ليضع موقع ”القاهرة“ النقاط على الحروف ”وانتهينا“! الواقع أنها كانت أسوأ دعاية لنمط شخصية رجل مثل محمود السيسي. خلطة سيئة جدا وضعته تحت دائرة ضوء مريع وعززت كل الموضوعات التي لا يريدها أن تثار وأطرت لكل منها رواية مفتعلة ولا أسوأ من ذلك!
محمود السيسي وإبراهيم العرجاني
روسيا اليوم تبنت روايةً عن همس جدلي عن محمود السيسي في الفترة بين عامي ٢٠١٩ و ٢٠٢٠ حين رُقّي من رتبة مقدم لعميد وشغل منصب وكيل جهاز المخابرات المصرية؛ إذ إنه تخرج من الدفعة ٩٧ حربية في عام ٢٠٠٣ و خدم في سلاح المقذوفات في سيناء – أسمي خدمته هذه (سيناء1) في عهد مبارك. وكون علاقات جيدة بشيوخ القبائل.. عادت روسيا اليوم وغيرها عن اشتباك لمحمود السيسي مع ملف المخابرات الخارجية د، ثم نقل مجددا بداية عام الإخوان المسلمين ٢٠١٢ من ملف النشاط الخارجي إلى ملف المخابرات العامة؛ تحديدا مقاومة الإرهاب في سيناء (سيناء ٢) وقتما كان عبد الفتاح السيسي مديرا للاستخبارات الحربية، فمن المحتمل جدا أن يكون السيسي الابن أو الأب أو كلاهما بين الضباط الثلاثة الذين حضروا اجتماع أبو سالم – البريكي – العرجاني، خصوصا أن المخابرات الحربية حينئذ كانت على وفاق مع المخابرات العامة برئاسة اللواء مراد موافي ككتلة من ضمن ما عصي على محمد مرسي وجماعته. أقول لربما وهو شك قد يرقى قرينة قد أدلل عليها مستقبلا.
توقفْتُ عند ماهية نشاط محمود السيسي في سيناء. أعدت قراءة ما كتبْتُ في إدارة المؤسسة العسكرية لملف سيناء، وهو الجزء الثالث من ثلاثة أجزاء. كما عدت لملف العرجاني لأبحث عن اجتماع بعينه في الجزء الثالث سبق وقلت إنه الأخطر؛ لم أنجح فيه في التحقق من هوية ضباط ثلاثة حضروا اجتماعا بين الضابط الإسرائيلي ”أبو سالم“ وإبراهيم عويضة البريكي وأحد أفراد عائلة إبراهيم العرجاني وقد يكون هو نفسه . كتبت حرفيا أن الضباط الثلاثة الحضور من المخابرات العسكرية في سبتمبر ٢٠١٢ تضاربت هوياتهم ولم يستقر في ضميري الاعتماد على ما وجدته من مصادر مستقلة بسبب هذا التضارب. مازلت غير قادرة على الجزم. لكني سأعمل بفرضية أن رجلا من الثلاثة كان محمود السيسي ولنرى إلى أين تأخذني هذه الفرضية بالاستدلال.
في ١٨ يناير ٢٠١٨. اهتمت نيويورك تايمز بحركة تغييرات في بطانة عبد الفتاح السيسي اللصيقة. كتب الصحفي ديكلان وولش: ”قبل ثلاثة أسابيع من اليوم كان لعبد الفتاح السيسي ثلاثةُ مستشارين قريبين منه جدا: رئيس الأركان، رئيس المخابرات ومدير مكتبه. بقى منهم اليوم الخميس ١٨ يناير رجلٌ واحدُ فقط. اليوم أطاح السيسي برئيس المخابرات العميد خالد فوزي ورئيس الأركان“.
لم تُذكر أسبابٌ؛ لكنه وضع عباس كامل محل خالد فوزي وهذا ليس مستغربا لثقته فيه لسنوات في مناصب السيسي المختلفة وترقياته المتتابعة. ساعتها كان عبد الفتاح السيسي مقدما على خطوة مهمة؛ أن يشرعن وجوده بعد فترة ما بعد ٣٠ يونيو. سبق إعلانَه الرسمي للترشح زيارةٌ مهمةٌ لنائب الرئيس الأمريكي مايك بنس للمنطقة. عدة مرشحين منافسين للسيسي آنذاك اشتكوا من التضييق والضغط عليهم للانسحاب وملاحقتهم قانونيا وتهديدهم بقضايا فساد وتزوير إن لم ينسحبوا.
الأهم أن ذِكْرًا واحدا فقط في مقال نيويورك تايمز آنذاك جاء لمحمود السيسي؛ كونَه طرفا مستقبليا فاعلا إذ عمل تحت جناح المخابرات خصوصا بعدما ”نسب إلى عناصر نظامية ” فيما عرف ب ”مجزرة رفح“ وهو ما أشرت له في مقال سابق بعنوان: اصطلاحا فيديو ”التصفية“ أو ما يسمى ”تسريب سيناء“ في مقالات سابقة، كما سبب عددٌ من التسريبات لمحادثات ”منسوبة“ لأهم المقربين من عبد الفتاح السيسي في ذلك الوقت حرجا له إن ثبت المنسوب، فكان محمود السيسي أقرب الأولياء بحكم بنوته لأبيه.
هل يحاول السيسي كأسبقه حسني مبارك إعداد ابنه الأكبر لتوريثه الحكم؟
في التقرير الأفريقي وهو من أهم المنشورات الدورية ذات المصداقية التي أطلع عليها باستمرار، تقرير مهم جدا صدر في ١٦ ديسمبر من عام ٢٠٢٠ طرح سؤالا مباشرا ليس في نعومة تقارير الأوروبيين ولا فجاجة الأمريكان.. العنوان: هل يحاول الرئيس المصري كسابقه حسني مبارك إعداد ابنه الأكبر لتوريثه الحكم؟ التقرير ممتاز وأسلوب تحريره مباشر جدا في بدايته ويرد على عدد من أسئلة مقالي. لكن التقرير الأفريقي بدأ بالتعجب من حجم الخوف لمجرد سؤال محرريه أي طرف أو مصادري مصر لتقاريرهم البحثية عن محمود السيسي، حتى مع وعدهم أن أسماءهم ستجهل في التقرير. مجرد ذكر الاسم كان كفيلا بصفق الباب في وجوههم. حتى هذا التطمين مع هذا الاسم بالذات لم يكن كافيا!
التقرير الأفريقي يرى أن اعتماد عبد الفتاح السيسي على ابنٍ من دمه (حرفيا) لتأمينه وتأكيد سطوته. استشهدت بمصادر أخرى من خارج مصر حاولت إماطة اللثام كما أفعل عن محمود السيسي.
محمود السيسي انتخابات ٢٠١٤
تنقل محمود السيسي بسرعة بقفزات نوعية، بداية من تأمين التحرير في ذروة ٢٥ يناير ٢٠١١ بحسب القليل مما نشر بشأنه، بشخصية غير حقيقته. رآه المصريون مرة واحدة في حفل تنصيب والده بعد التفويض الثاني وإعلانه رئيسا. بعدها بدأت رحلة صعود محمود السيسي من رتبة رائد إلى عميد (ثلاث رتب خلال أربع سنوات)، ثم وكيل لجهاز المخابرات العامة، فبدأ التنافس ف ٢٠١٤ في الخفاء بينه وعباس كامل الساعد الأيمن لعبد الفتاح السيسي ولفترة طويلة.
في ٢٠١٤ أيضا كان لمحمود السيسي دورٌ واضحُ ومهمٌ في الحياة السياسية ضمن ١٤ ضابطا وسياسيين جدد لصياغة قائمة ”في حب مصر“ التي خاضت حروباً مبدئيةً بين عامي ٢٠١٥ و ٢٠٢٠ مع تكتل ٢٥-٣٠ في البرلمان على ملف قضايا تيران وصنافير والسد الإثيوبي والحبس الاحتياطي والموازنة العامة والاستدانة من الخارج والتعديلات الدستورية وسأعود إليها منفردة وعشرات المعارك التي انتهى كثير منها لصالح الأغلبية التي هُندست بإحكام على يد قائمة ”في حب مصر“ تحت جناح المخابرات العامة.
ما يعرفه قليلون ربما حتى من النواب من غير الصف المعارض أن تكتلات أخرى كانت مسبوكة من موازين قوى السلطة في البرلمان؛ إذ كان ”مستقبل وطن“ يؤمنه ويحميه في المجلس جهازُ الأمن الوطني بتحالفاته، بينما تنسيقيةُ شباب الأحزاب والسياسيين كانت أيضا للمخابرات العامة لكنها بوابةُ لتربيةِ عناصر يُدفع بأوجهٍ متحمسة أقل سنا بهدف تربية كوادر مستقبلية. مجموعة حماة الوطن كانت تستظل بالمخابرات الحربية وسعت بنوابها للسيطرة من حيث العدد وحتى الإدارة، ويمكن القول أنهم نجحوا في مأربهم لحد بعيد.
معركة تيران وصنافير
الفارق بين التاسع من أبريل ٢٠١٦ و ١٦ يناير ٢٠١٧ علّق كفاءة عبد الفتاح السيسي فمابالك بابنه محمود في إدارة اختبارات مفصلية كالتي سأوردها. كانت مرحلة دقيقة كالتي نعيشها الآن، إما العبور أو السقوط بلا أمجاد.
فجر التاسع من أبريل أعلنت الحكومة المصرية -رئيس الوزراء- وليس عبد الفتاح السيسي “إرجاع”جزيرتي تيران وصنافير للسعودية. هكذا! بلا إسهاب.
فتح السيسي أبوابا لا قبل له بها. انتفض الشارع والبرلمان والقضاء. وقبض على عشرات المحامين والمواطنين من كل صوب، قبض على كل حامل لعلم مصر في تظاهرات قادتها النخب وصحفيون وسياسيون بارزون. سُيّرت تظاهرات مضادة تحمل أعلام السعودية! كانت هذه الفكرة النميسة التي تفتقت عنها العقلية الأمنية. ناهيك طبعا عن التعامل الوحشي مع حاملي الأعلام المصرية وحبس المحامين والصحفيين وكل من رفض الانصياع لإعلام سامسونج والحبس العشوائي والشتم ليلا نهارا في الخونة محرضي الشعب ذوي الأجندات المتمسكين بجزيرتين ”لا راحُم ولا جُم“ في مدخل خليج العقبة في سيناء! الرد الأمني كان مزيدا من التنكيل ثم قاموا بفعل لا سابقة له حط من شأنهم تماما.
اقتحم الأمن نقابة الصحفيين وقبض على عدد منهم كما اقتُحمت منازل عدد من الصحفيين وحُبسوا على ذمة قضايا مفبركة.
جاء رد نقابة الصحفيين وازنا وحاسما وضمنت أن يراه كل مصري درسا من دروس النقابة القديمة. ردت ببيان مشفوع بقرار حجب صورة وزير الداخلية من الصحف واستبدلوها بتعتيم صورته (نيجاتيف). واعتصم الصحفيون بالنقابة. وطلبوا بين عدد من الطلبات إقالة وزير الداخلية وتقديم رئاسة الجمهورية اعتذارا للصحفيين. كان موقفا جللا مع سلطة كهذه ترى نفسها آلهة والجميع أقزاما.
انبرت كفة الأمن والمخابرات والرئاسة تحت توجيه البروباجندا الدعائية والتضليل الإعلامي في تمييع ما جرى، صوروه بأنها وديعة عادت لأهلها، أن السعودية طلبتها سنة١٩٥٠، طلبوا من جمال عبد الناصر في رقدته النجدة فخرج لهم في خطاب يقطع بانها مصرية، أخرجوا متحدثين وراءهم إعلاميون ومؤرخون وخبراء عسكريون فرطوا في ضمائرهم فخرجت لهم مستندات من مصر ومن الخارج.
رُفعت قضايا وترافع فيها خير خبراء مصر في القانون. ( هرّبتُ أنا شخصيا وزميلٌ لي نسخة فريدة من الأطلس العسكري المصري ليد الأستاذ خالد علي في مرافعاته أمام الإدارية العليا) تقطع بمصرية الجزيرتين. حتى قالوا إن الجزيرتين تقعان في مدخل خليج العقبة ومينائي إيلات والعقبة في الأراضي المحتلة والأردن.
انبرى تيار ٢٥-٣٠ في البرلمان في حرب ضروس مع تكتلات الأمن الوطني والمخابرات والمخابرات الحربية ضد قرار السيسي وبطانته ولمع نجم وشخوص التيار وانحسرت أضواء السلطة والأمن ومشعوذي التحريض والفضائية في القنوات البائسة، وتحول الأمر لتلاسنات وإقامة الحجج وخرج الأمر من المجلس لقنوات لم يكن لشعبان ومحمود السيسي كلمة فيها ولا سطوة، قنوات الخارج. نُشر في الجريدة الرسمية رقم ٣٣ بتاريخ ١٧ أغسطس ٢٠١٧، ويحمل رقم ٦٠٧ لسنة ٢٠١٦ .”موافقة“ عبد الفتاح السيسي على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية التي تقضي بنقل ملكية جزيرتي تيران وصنافير الاستراتيجيتين إلى السعودية.“ اعتقد السيسي أن ما كل ما وقع ”يومين ويعدوا“ ولربما اعتقد محمود السيسي ذلك أيضا. لكنهم جميعا كانوا واهمين.
جاء يومٌ تنفس شرفاء مصر فيه الصعداء. إذ حكم القاضي المرحوم أحمد الشاذلي، نائب رئيس مجلس الدولة في السادس عشر من يناير ٢٠١٧ بأن “سيادة مصر على جزيرتي تيران وصنافير مقطوعٌ بها“. خسر السيسي وبطانته المعركة الأصلية للجزيرتين للأبد، حتى حين نفذ الاتفاق لاحقا لم ينفذ علنا. خسر المعركة، وخسرها محمود السيسي بقوة، بقوة مقطوعٌ بها.
معركة التعديلات الدستورية ٢٠١٩
في تقريرين كليهما بتاريخ الثاني من أغسطس ٢٠١٩ بعنوانين بارزين، تبارت رويترز والجزيرة في الدفع باسم محمود السيسي كمهندس لمعركة التعديلات الدستورية التي أتاحت لأبيه الاستمرار في الرئاسة بما يناقض الدستور بل وينافي وعوده هو ذاته والتفويضات اللانهائية التي حصل بها على ضمانات من المصريين على بياض. عنوان رويترز كان: تقرير خاص- ”هكذا شدد السيسي قبضته على الحكم في مصر“. أما الجزيرة فجاء أكثر حدة ومباشرة: ”محمود السيسي.. نجل الرئيس وقائد كتيبة تعديل الدستور“. سمت الجزيرة وعددت ثلاثة لا رابع لهم من حلقة الثقة الأقرب من عبد الفتاح السيسي: محمود السيسي ورئيس المخابرات عباس كامل ومحمد أبو شُقّة مستشاره القانوني بدأوا يعدون العدة بالفعل لتخطيط التعديلات الدستورية منذ أشهر قبل إعلانها تقريبا مباشرة بعد توليه الحكم في دورة رئاسية ثانية في أبريل ٢٠١٨.
ملف شائك جدا أسس لاستقطاب قوي داخل مجلس النواب؛ فصف المعارضين للتعديلات رأس حربتهم تيار ٢٥-٣٠ وقف للتعديلات باعتبارها تأسيسا لبقاء عبد الفتاح السيسي لفترة قد تمدد بلا رقابة وتمدد مساحة سيطرته على السلطات الأخرى في الدولة، بينما التيارات الموالية وفقا بيانات صحف عربية وعالمية بحسب تقارير اطلعت عليها من بينها التايمز البريطانية فإن العميد محمود السيسي أشرف على لجنة ”غير رسمية“ تراقب تعديل الدستور. عنوان هذا التقرير كان ”السيسي يجند أبناءه لمساعدته على البقاء في الحكم حتى ٣٠٣٠“ وأشار لأدوار أبنائه الثلاثة الذكور محمود ومصطفى وحسن واستبعد فقط آية السيسي من التأثير.
اللافت كان اهتمام الصحف الإسرائيلية بدور محمود السيسي تحديدا في معركة التعديلات الدستورية. هآرتس كونها متابعة دقيقة لكل شاردة في مصر طرحت السؤال مباشرة؛ لماذا سحب السيسي ابنه خارج دائرة الضوء؟ التاريخ كان الخامس والعشرين من نوفمبر ٢٠١٩. هذا التوقيت جاء بعد اتخاذ قرار عبد الفتاح السيسي (في الظاهر أو حقيقة) بإبعاد محمود عن المشهد وإرساله لروسيا في مهمة طويلة.
مظاهرات محمد علي ٢٠١٩
في عام ٢٠١٩ حالة من الفوضى والاستبعاد والتغريبات والتبادل في عام ٢٠١٩ صدّرت الاسمين محمود السيسي وأحمد شعبان إلى الواجهة، خصوصا بعد تأليب المقاول محمد علي للرأي العام على السيسي وبطانته، وبرغم خصومته الشخصية واعترافه بأنه جزء من هذا النظام إلا أن الإغلاق الكلي للمجال العام آنذاك ولّد إعجابا بالندرة وحشد فعلا لمظاهرات راح ضحيتها كثيرون للأسف وتسببت في إخفاء وسجن كثيرين . درس قاس لم يتعلمه لا السيسي ولا المشتغلين معه؛ الكبت يولد للانفجار.
المقابلة التلفزيونية الحصرية لمحمد علي
قبل حواري التلفزيوني الحصري مع الممثل والمقاول محمد علي، أتى على ذكر محمود السيسي أكثر من مرة في تغريداته ومقاطعه المصورة محملا إياه كثيرا مما يشتكي منه المواطنون سواء في الأداء الاقتصادي، السياسات المالية أو في الفساد المتأصل في المؤسسة العسكرية. وعلى الرغم من اختفاء محمد علي لفترة طويلة بعد المقابلة، إلا أنه في مقطوعاته المصورة في ٢٠١٩ بين الفينة والأخرة كان يتحدث بجرأة عن محمود السيسي باعتباره العقل المدبر والشريك الصامت لمعظم خطوات عبد الفتاح السيسي على الصعيدين المخابراتي والإعلامي. على الرغم من ذلك تفادى محمد علي ذكر محمود السيسي قطعيا في الحوار، كان حذرا جدا.
احتجاز رشا قنديل أكتوبر٢٠٢٠ واستجوابها
من هو رقم ٢؟
احتُجزتُ وخضعتُ للاستجواب عن مكان محمد علي لساعات عند عودتي لمصر في رحلة اعتيادية أكتوبر عام ٢٠٢٠ بعد الحوار تقريبا بعام واحد، لأن حواري مع محمد علي كان غير معروف المكان (وهو بالبداهة ليس محل ما يختبيء)!
كان سؤالٌ واحدٌ فقط ما يوجه لي وحوله تلميحات كثيرة تخص شخوصا لم أسمع بهم البتة يطرحها طوال الساعات ضباطٌ رسميون، ثم يخرجون ويحل محلهم ضباط المخابرات. وإشارات كثيرة لمحل عملي وهكذا. الكيان الضخم السري الذي أوفد من المخابرات أضاعوا ساعات من وقتهم لسؤالي بلا طائل كان عن مكان المقاول محمد علي وهو طبعا مكان مغاير تماما لمحل المقابلة التي سُجلت. غادرت مكان الاستجواب وفي دماغي أسئلة كثيرة، قررت في الصباح المؤسسة التي أعمل بها أنها لن تكشف عن الواقعة، وبصراحة لم أجد لها مسوغا إلا في مقالي اليوم.
الطريف في الأمر أنني لم أمض ساعات الاستجواب الطويلة إلا بسبب همهمات بين الضباط الميري ”الأمن العام“ و ”المخابرات“ الذين كانوا تقريبا يسألون نفس الأسئلة إلا لأن رقم (٢) كما يهمسون وخائفين ” ما ينفعش يصحوا سيادته في الوقت ده!!“. الرابط بين هذه الواقعة وهذا المقال نقطة منطقية واحدة: من هو هذا الرقم (٢) ”اللي خايفين يصحوا سيادته“؟!
محمود السيسي و“الإبعاد“ إلى روسيا
عبد الفتاح السيسي تلقى النصائح باستبعاد ابنه بعض الوقت بسبب سقطات متتالية معظمها له علاقة بملف الإعلام الذي كان محمود يعتقد أنه مسكوك ومنتهي وليس به احتمالية للخطأ طالما في مسؤولية أ أحمد شعبان. فلتان السيطرة على الإعلام منذ محاكمات تيران وصنافير والجلبة الإعلامية والقانونية الضخمة انتهاء بحكم مقطوع بمصرية الجزيرتين وبزوغ فجر ٢٥-٣٠ في البرلمان ونجاح محمد علي في الحشد للشارع ٢٠١٩، كلها كانت ملفات يفترض أن محمود السيسي يمسك بزمامها جيدا، وكلها فلتت من يديه. كان لا بد من إبعاده، لا بد. صدر قرار بانتدابه ملحقا عسكريا في روسيا.
العربي الجديد كان الجهة الوحيدة التي اعتمدت على مصادر لم تسمها في أن محمود السيسي لم ينفذ القرار. لم يمتثل للانتداب كملحق عسكري في روسيا. لم تذكر أي جهة صحفية أو دبلوماسية أو حتى تقارير استخباراتية أن القرار لم ينفذ، ولذلك تفسير لا علاقة له بالصحافة، بل له علاقة بالحرب الباردة في الشرق الأوسط؛ واليكم التفسير:
حتى في هذه، كان للسيسي مقصدٌ آخرُ من إبعاد ابنه إلى روسيا، لا علاقة له بما تَبارَى في تفسيره كثيرٌ من الزملاء. كتب البعض تحقيقات أظنها ممتازة عن مصادر لا شك عندي في صدقها. ارتكب محمود السيسي من الأخطاء خصوصا في ملف الإعلام الذي حاطه بآليات تغييب الوعي وترهيب المتواطئين أكثر من المتَلقين خطايا وليس أخطاء. لكن هذه التحقيقات لم تكن مكتملة.
فوق الجهد الرائع الذي قدموه زملائي في تحقيقاتهم فاتتهم تفصيلة رفيعة جدا؛ قراءة نمط تفكير عبد الفتاح السيسي ومراقبة قراراته. المدقق في أنماط السلوك يرى في أي تصرف للرجل مصلحة أو منفعة. أكاد أجزم أن عبد الفتاح السيسي أراد مد جسور كيدية بموسكو تزن علاقته المطردة بواشنطن، والتلويح بأن أكثر رجاله قربا منه -ابنه- سره الحقيقي والأقرب على الإطلاق في دائرة حكمه سيكون ملحقا عسكريا في موسكو.
إذاعة صوت أمريكا المقربة من الجمهور العربي في الولايات المتحدة أكدت في تقرير بتاريخ الثاني من أكتوبر ٢٠١٩ أن محمود السيسي كان في طريقه إلى روسيا بالفعل.
وقد تكون العربي الجديد أيضا غير مخطئة! فروسيا لاعب قديم غير موثوق، وناديه عادة لا يقبل لاعبيه مجانا. بالفعل قد تكون روسيا استقبلت محمود السيسي بترحاب ضيق العين.
وكما توقعتُ تماماً وفي وقت تُختبر فيه علاقةُ مصر بواشنطن وتلعب روسيا لعبتها المفضلة؛ وقعت القاهرة في المحظور، واْضطُرّت لمواجهة غضب واشنطن؛ إذ جاء ثمن استقبال محمود السيسي بالتزامن مع ”خلاف“ القاهرة وواشنطن على نية مصر شراء سرب من الطائرات الحربية الروسية. وهو أيضا خطأ يتكرر لعبد الفتاح السيسي، التذاكي السياسي واللعب على المتناقضات الخطأ في الوقت الخطأ.
أكثر من ذلك حدث في واشنطن، أُعلن عن تحذير (تخيلوا) تحذير سبق وصول محمود السيسي إلى موسكو لو وصل فعلا. التحذير وُجه في أبريل من نفس العام من مسؤول رفيع بالخارجية الأمريكية ب“عقوبات“ على مصر إذا أقدمت بالفعل على صفقة بملياري دولار (٢ مليار) لشراء أكثر من عشرين طائرة مقاتلة روسية من طراز SU-35 كان على الأرجح سيتمه محمود السيسي كملحق عسكري بين البلدين. لكن الواقع يقول إن المقامرة كانت بين المنحة العسكرية الأمريكية من جانب وواردات مصر التقليدية من مقاتلات سوخوي ٣٥ أو التعرض للعقوبات الأمريكية.
وبصرف النظر عن المنحة، فالولايات المتحدة قدمت مليارات الدولارات من المعونات الاقتصادية والعسكرية لمصر وباعت لمصر شبكة متكاملة من العتاد العسكري كمقاتلات F16 وغيرها من الصواريخ والأنظمة الدفاعية.
قضية جوليو ريجيني
جريدة الجارديان البريطانية تناقلت التلاسنات الإيطالية والوعود اللانهائية المصرية الرسمية باستمرار التحقيقات ثم باستنكار مصري لتحديد إيطاليا أسماء خمسة عناصر أمنية قالت إنهم متورطون في قتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني.
بينما نشرت مصر في بيان للداخلية بتاريخ ٢٥ مارس ٢٠١٦ ”قالت وزارة الداخلية في بيان لها إن قوات الأمن قتلت 5 أشخاص متهمين بتكوين تشكيل عصابي تخصص في سرقة الأجانب بالإكراه، وأنه تم التوصل الى أنهم متورطين في قتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني.
وأضافت أنه بعد مقتل أفراد التشكيل العصابي، تم تفتيش أماكن ترددهم، وتبين أن أحد المتهمين احتفظ بمقتنيات ريجيني لدى شقيقته بالقليوبية، وقدمت وزراة الداخلية الشكر للفريق الأمني الإيطالي على تعاونه الوثيق ودوره الإيجابى وتواصله الدائم مع الفريق الأمني المصري خلال مراحل البحث والتحري وجمع المعلومات التى كان يقوم بها خلال الفترات الماضية حول قضية مقتل الطالب الإيطالي “جوليو ريجيني” ما كان له بالغ الآثر فى التوصل لهذه النتائج، مما يعني الاستعداد لإسدال الستار على القضية.“
بينما ألمح التقرير الأفريقي استنادا إلى رصد المرات التي تحدثت فيها صحافة أو مراكز بحثية عن محمود السيسي، من بينها دورية أسبوعية بعنوان Léspresso عنونت في يوليو ٢٠١٦:”تسريبات ريجيني: دور محمود نجل السيسي ضابط المخابرات“، وكتبت في متن الموضوع ”يشغل أبناء الدكتاتور مناصب رئيسية في خدمات وأجهزة الدولة. وربما لعبوا دورًا في قضية ريجيني، كما يبدو من بعض التقارير المرسلة إلى منصتنا المحمية“.
تتابعت المقالات وصولا إلى سلسلة متشابكة من المصالح والعلاقات العائلية لا أريد الخوض فيها على الرغم من كونها محورا لبحث ثان. لكن فقرة بعينها جعلتني أشك في المحررين وأبحث أكثر تقول: ”ومن الصعب ألا نعتقد أن نجل السيسي لم يكن على علم بتحركات ريجيني حتى قبل اختفائه. لكن حتى الآن لم يذكر أحد ذلك على الإطلاق. بعض التقارير المجهولة التي وصلت عبر RegeniLeaks، المنصة المحمية التي أنشأتها “l’Espresso” للبحث عن الحقيقة والعدالة للباحث الإيطالي، أفادت بتفاصيل مثيرة للقلق حول هذا الموضوع. ونظرًا لحساسية الأمر، لا تزال هذه المقالات قيد الفحص من قبل هيئة التحرير.“ كان هذا ٢٠١٦.
في يونيو ٢٠٢٠ أعرب رئيس الوزراء الإيطالي عن توجسه من التباطؤ المصري في إظهار التعاون مع إيطاليا بهذا الشأن. أحد الباحثين المصريين في العلوم السياسية في حديثه مع التقرير الأفريقي قال عن مسافة محمود السيسي من قضية ريجيني تحديدا منطقا مقبولا بحكم منصبه الحساس في المخابرات العامة؛ قال: ”على الأقل كان على دراية باختفاء ريجيني، حتى لو لم يعط الأوامر بذلك“.
عشرات التطورات والاتهامات آخرها كان قبل شهر واحد وبالطبع كانت كلها تطورات مربكة ومركبة، لاتزال إيطاليا تصر على استدعاء عبد الفتاح السيسي شاهدا وتعتبر أن رُتَباً عُليا تورطت أو كانت على دراية بما حدث للباحث ريجيني، بينما تصر القاهرة على أنها لم تكن طرفا. جامعات وجهات حقوقية لا تزال تتذكر الباحث جوليو وتتمنى لروحه السلام. ولم يثبت أي طرف تورط محمود السيسي قطعيا ارتباطه بقتل ريجيني.
طائرة زامبيا
طريقة عمل اللجان الإعلامية أو كما يحلو للصحفيين تسميتها ”الميليشيات الإلكترونية“ بنشاط محموم على قلة المعلومات في البداية في حادث تلك الطائرة في أغسطس من عام ٢٠٢٣ هو ما جعل البحث والاستقصاء الصحفي يترك ما بيده وتفرغنا جميعا حرفيا نقلب في هذه القصة بحثا عن أي علاقة للسلطة في مصر أرعبت هذه اللجان بهذه الطريقة لتخرج كلها بكثافة ”من على رأسه بطحة“ وهي بالمناسبة أحد أفضل مزايا غباء اللجان الإلكترونية، تفتن على المصيبة فتلتف نظر الصحفيين إليها! بارعون هم في ذلك!
قصر النظر والحداثة في الجهاز الجديد أفضى بهم لكارثة أكبر من كارثة ريجيني، هذه المرة التزموا الصمت التام. هكذا هم إما عشوائية مدمرة، أو صمت مدمر، لا حرفة ولا خبرة. جاء إعلان زامبيا عن احتجاز ٦ مصريين كانوا على متن الطائرة ليهتك حاجز الصمت تماما. جرأ الصحفيين على الاستدلال بل على الاتهام من الصحفيين الأكثر شبابا وحديثي العهد بصياغة خبر بهذا الحجم. ما أكد حدسي كان الاستمرار في الصمت المطبق من الجهاز (المخابرات العامة) و من الخارجية حتى بعد الإعلان الرسمي الزامبي باحتجاز ٦ مصريين وإشارة إلى عمل غير قانوني. الصمت هذه المرة أخطأ ميعاده، فثبّت الرواية الزامبية أكثر. صور مصرية قديمة نشرت على صفحة وزارة الخارجية تظهر فيها نفس الطائرة، كان أضعف رد وعلى استحياء وإن لم يشي بصراع الأجهزة فقد كشف تخبطا غير هين وغياب كامل لقرار يُرد به على هذه المصيبة.
بقليل من الأدوات، ثبت أن الطائرة كانت تُستخدم فقط لنقل رتب (الداخلية) الرفيعة لحضور اجتماعات دولية، وعادة يكون هذا غطاء جيد لسفر عنصر مخابرات أو اثنين لتغطية الرحلة لكتابة تقرير للجهاز أو لتأدية مهمة استخباراتية أصلا فتكون الطائرة غطاءً آمنا. عدة مصادر أمنية رصدت أن إبراهيم العرجاني سبق وتحرك على متن نفس الطائرة في رحلة لليبيا للقاء سياسيين وعشائر ليبية.
مسارعة اتحاد قبائل سيناء ونفيهم القاطع لحادث الطائرة أصلا وشى بصحة وجود العرجاني على متن تلك الطائرة بالذات. الغريب أن مالك الطائرة رفض تتبعها وإدراج أرقامها في أبراج المراقبة وتعليمات أخرى من شركة المتحدة للإعلام بالأمر نفسه وهو ما صعب الطرق أمامنا في الصحافة في تتبع الطائرة ومعرفة وجهتها لكننا تتبعناها بالفعل. حتى وقع أمر ما؛ بيان لوكالة الأنباء المصرية الشرق الأوسط لمصدر ”مجهول“، وهذه سابقة فريدة جدا من نوعها للوكالة الرصينة حتى بعد وضعها رهينة للإعلام المهيمن تخالف الرواية في زامبيا. كان البيان يوم ٢٩ أغسطس ٢٠٢٣ ونصه كالتالي ”أكد مصدر مطلع لوكالة أنباء الشرق الأوسط أن السلطات المصرية تنسق مع نظيرتها الزامبية بشأن التحقيقات مع المصريين المحتجزين بدولة زامبيا، وتتابع بشكل مستمر تطورات الإجراءات القانونية تجاههم. كما أكد المصدر أن الجهات المعنية تتابع عن كثب سلامة سير إجراءات التحقيق معهم وفقاً لقواعد القانون الدولي“.
صدور النبأ الضعيف من وكالة أنباء الشرق الأوسط هو حيلة قديمة كي لا يذاع لا في قنوات المخابرات ولا الأمن (قنوات المتحدة) ولا يصدر من الرئاسة ولا الخارجية ولا حتى مجلس الوزراء وهذا حتى بروتوكوليا مهين للدولة المقابلة زامبيا ويعد صبيانيا ناهيك عن صلفه الخالي من الحنكة الدبلوماسية.
ناسون باندا من مكتب مكافحة المخدرات قال على التفزيون الزامبي صوتا وصورة ”إن الطائرة جاءت من مصر إلى زامبيا وإن بيانات الطائرة تظهر أنها كانت عائدة إلى مصر مرة ثانية“، زامبيا أعلنت عن ضبط ١٢٧ كيلوجرام من ”الذهب غير الخام“ ”مشكوك في أصوله“ وأسلحة نارية و١٢٦ ذخيرة نارية و٥.٧ مليارات دولار لدى هبوط الطائرة في لوساكا، وقد مثل خمسة مصريين وستة زامبيين متواطئين أمام محكمة في زامبيا.
بسبب التعتيم الإعلامي المطلق وتفاهة الإعلام المصري الموالي حتى دون حرفية مستهزئا بمشاهديه، اضطر الجمهور المصري الاعتماد على نفس المصادر التي يستميت إعلام السامسونج أن يقتل رغبة الناس فيه. بالصمت والتضييق وحجب المعلومات وغياب تام للشفافية والكذب المنهجي كانت النتيجة أن جرأ مصادر الإعلام التي صرف ملايين الجنيهات ليغطي عليها وخرج من كل معاركه أمامها بلا أي مكاسب.
نسبت قنوات ومواقع محسوبة على تيارات الإسلام السياسي لمحمود السيسي واللواء عباس كامل أنهما زارا شركة متورطة في غسل الأموال في فرانكفورت في ألمانيا وأن شركة swift holding قابلا الشريك الأساسي Michael finite بالتزامن مع الكشف عن تهريب عملة صعبة وسبائك من الذهب بكميات كبيرة من مصر إلى زامبيا وعلى متنها ”مجموعة من المصريين المقربين من دوائر صنع القرار“ تعمل الشركة في الظاهر كشركة لسمسرة العقارات وعلى طريق عمليات البيع والشراء للعقارات يتم غسل الأموال ويصعب تتبعه.
قضية منينديز وإدانة وائل حنا
قصة الذهب والرشوة تتكرر ثانية لتترك الأولى في طائرة زامبيا بخيوط كثيرة قد تتشابه في بعض القرائن فترقى لاستدلالات.
حلقات قصة السيناتور روبرت منينديز لم تنته إلا في التاسع والعشرين من يناير هذا العام بعد أن ثُبّت الحكم على السيناتور الديمقراطي السابق عن ولاية نيو جيرسي روبرت منينديز بالسجن ١١ عاما بعد إدانته بتهم تلقي الرِّشى والفساد وعمالته لدولة أجنبية هي مصر.
تلقى منينديز أموالا وسيارة مرسيدس وسبائك ذهبية في مقابل مساعدة ٣ من رجال الأعمال ودوائر سيادية من المسؤولين المصريين في تغيير قرارات في جهات رسمية أمريكية توافق مصالح جهات سيادية مصرية. قد يراها البعض ”شطارة دبلوماسية“ لكن هؤلاء البعض بحاجة لقراءة قصة الفساد كاملة، فضلا عن أنهم يقبلون مبدأ الرشوة والارتشاء لتلبية مصالح يفترض أنها حقوقٌ لمصر لا تؤخذ بالرٍّشوة.
المدعي العام دفع في لائحة الاتهام التي أُخذ بها في الحكم ضد منينديز بأن السيناتور السابق ضغط على وزارة الزراعة الأمريكية بشأن احتكار أحد المتهمين المدانين وهو مصري واسمه وائل حنا توريد اللحوم المختومة بوشم ”الحلال“ من كل أنحاء العالم إلى مصر كما حكم على وائل حنا بثمان سنوات سجنا، ورجل الأعمال المصري الذي قدم المسؤولين السياديين المصريين إلى منينديز قبل وأثناء تولي الأخير عضوية لجنة الشئون الخارجية بالكونجرس الأمريكي حيث أثر بالرشى على المجلس في قرارات تتعلق بمصر.
كتبْتُ عن وائل حنا صاحب الثروة المريبة التي بدأت بتأسيس شركته بقرار سيادي في الولايات المتحدة وكيفية صعوده ومدته في ٢٠١٧، والسلطات السيادية المسؤولة عن هذا الفساد في تحقيقي مفتوح المصادر مشفوعا بالأدلة عن أحد المدانين فيه وهو وائل حنا محتكر لتصدير اللحوم الحلال في مصر وجهات ”ما“ سيادية استفادت بذلك من ”الحلقة الضيقة“ حول عبد الفتاح السيسي والمخابرات العامة.
صراع الأجنحة
مقال “إعلام البغال” مارس ٢٠٢١ كان الثامن ضمن سلسلة مقالات كتبها أستاذ الإعلام الدكتور أيمن منصور ندا الذي هاجم بجسارة ولفترة طويلة إعلام العقيد أحمد شعبان ورفض الانصياع للتهديد بل واستنفاذ سمعته وصحته ومجاله الحيوي في قضية وحملة إعلامية وشخصية كانت أن تقضي على الرجل. سلسلة ”إعلام البغال“ برغم قسوة محتواها وردود الفعل الوحشية عليها وعلى كاتبها الأكاديمي المرموق من مذيعين وصحافيين ومسؤولين في المؤسسة الإعلامية التي يتبع معظمها للمخابرات العامة. كل ذلك اتخذ نمطا مخيفا حين وصل هجومه إلى العميد محمود السيسي. اللافت في هذه القصة أنه ذاع كثيرا أن مرموقين مثل الدكتور ندا وعذرا على ما سأكتب من فظاظة وربما ظلم كبير لاعتزازي بالأكاديمي الدكتور لأنه خاض معركة حقيقية أيا كانت نيته، واستبسل للحبس والتنكيل في الجمهورية الجديدة شديدةِ القمع – أقول إنه ذاع أن الدكتور ندا حُسب على اللواء محسن عبد النبي، مدير مكتب الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي تولى ملف الإعلام حاليا حسب ما فهمت من تلاسنات الأيام الفائتة. وقال أكثر من وجه للتحليل في قنوات إقليمية إن الأكاديمي الوازن كان ضحية صراع أجنحة وأجهزة، مع اللواء عباس كامل مدير المخابرات العامة السابق.
فهل محمود السيسي مَحْظُورُ الذِكْر فعلا؟
ملفات استخباراتية يكتبها باحثون ودبلوماسيون واستشاريون أفارقة في دورية خاصة لأفريقيا أو Africa Confidential ورد ذكر محمود السيسي فيها ثلاث مرات بالتراتب التاريخي:
خاتمة
بقي أن أكتب أن محمود ليس الابن الوحيد الذي يقربه عبد الفتاح السيسي من دائرته الضيقة، فهناك مصطفى عبد الفتاح السيسي وهو أيضا المتحكم المطلق في جهاز الرقابة الإدارية، و حسن عبد الفتاح السيسي الذي ضمه والده بعد ٢٠١٩ وهو منسق مدني لا أحد يفهم دوره لا في رئاسة الجمهورية ولا في المخابرات العامة لكنه أصبح من الدائرة الضيقة ذاتها التي يقودها محمود عبد الفتاح السيسي. لا يعكس ذلك بالضرورة ترتيبا بين حاشيته وموظفيه الكبار في المؤسسة العسكرية أو حتى المخابرات العامة أو الحربية، ما يحدث بالفعل هو انعدام كلي للأمن كليا عند هذا الرجل – كليا.. إلا من أبنائه.
خلاصة الأمر، لا يصح ولا مقبول أن يكون هناك في مصر من نخاف حتى ذكر اسمه، لا يفرض ذلك لا وقارا ولا احتراما ولا حتى رهبة. الخوف الشديد يولد شعورا مستحقا بالكراهية والخوف وانعدام الثقة، الذي مهما طال وامتد.. سيأتي يوم.. وينكسر.