لماذا ينام شبابنا في رمضان بينما كان أجدادهم يسطرون البطولات والملاحم؟
من المؤسف أن كثيرًا من شباب العرب اليوم يعتبرون رمضان شهر الكسل والخمول، متناسين أنه كان عبر التاريخ زمن البطولات والملاحم العظيمة، فبينما ينشغل البعض بالسهر واللهو ومشاهدة توافه المسلسلات والبرامج التلفزيونية، كان أسلافهم يكتبون في هذا الشهر أروع صفحات المجد، يخوضون معارك فاصلة، ويحققون انتصارات غيرت مجرى التاريخ ، فرمضان لم يكن أبدًا شهر الركود، بل كان ميدانًا لاختبار العزائم، حيث انتصر المسلمون في بدر، وفتحوا مكة، ودحروا جيوش الفرس والروم، وهزموا المغول في عين جالوت، وحتى في العصر الحديث، سجلوا نصر العاشر من رمضان. فكيف تحوّل رمضان من شهر للإنجاز إلى شهر للكسل؟ ولماذا لم يعد شبابنا يدركون قيمته الحقيقية؟ إنه تساؤل يستوجب التأمل، فالأمم التي تفقد وعيها بتاريخها تفقد قدرتها على صناعة مستقبلها.
بالعودة الى التاريخ نجد أنه في السابع عشر من رمضان عام 2هـ، وقعت غزوة بدر الكبرى، أول مواجهة عسكرية فاصلة بين المسلمين وقريش، حيث خرج المسلمون بعددهم القليل وسلاحهم المتواضع ليواجهوا جبروت قريش، فكان النصر الإلهي الذي فرق بين الحق والباطل، كما وصفه ابن كثير، فلم يكن النصر فيها بالعدة والعدد، بل بالإيمان والعقيدة، حيث هزمت الفئة القليلة فئة كثيرة بإذن الله، ليكون ذلك إيذانًا بميلاد قوة إسلامية لا تُقهر، أسست لحضارة غيرت مجرى التاريخ. ولم تمضِ سوى ست سنوات حتى عاد المسلمون فاتحين إلى مكة في العشرين من رمضان عام 8هـ، لا يرفعون السيوف إلا تطهيرًا، ولا يدخلونها إلا متواضعين لله، فكان الفتح الأعظم الذي تجلّت فيه أسمى معاني العفو والتسامح، حين قال النبي ﷺ لقريش: “اذهبوا فأنتم الطلقاء”، مشهد جعل مكة تفتح قلبها للإسلام قبل أن تفتح أبوابها لرسول السلام.
وفي رمضان عام 15هـ، علت صيحات “الله أكبر” في سهل القادسية، حيث قاد سعد بن أبي وقاص جيش المسلمين إلى نصر ساحق، طوى صفحة الإمبراطورية الفارسية وفتح أبواب المشرق أمام الفتح الإسلامي، ولم يكن رمضان بعيدًا عن أرض الأندلس، ففي عام 479هـ، التقى يوسف بن تاشفين مع قوات الإسبان في معركة الزلاقة الشهيرة الملحمية، حيث كان هذا الانتصار سببًا في تأجيل سقوط الأندلس لقرون. وبعد قرون، حين كانت الأمة في أوج المحنة، جاءت عين جالوت في الخامس والعشرين من رمضان عام 658هـ، ليقف سيف الدين قطز في وجه التتار الذين اجتاحوا العالم الإسلامي كالسيل الجارف، فكانت ملحمته إيذانًا بانتصار قلب موازين القوى العالمية آنذاك، وأثبت أن رمضان ليس شهر الركود بل شهر الانتصارات الكبرى، حيث تحولت هزائم الأمة إلى وقفات عز وانتصارات تبقى محفورة في ذاكرة الزمن.
وفي العصر الحديث، حين ظنّ العالم أن إرادة الأمة قد خمدت، جاء العاشر من رمضان عام 1393هـ ليشهد عبور الجيش المصري قناة السويس وتحطيم خط بارليف، في ملحمة جسّدت كيف يكون رمضان شهر العزيمة والصمود، حيث اختلطت دماء الشهداء بنفحات الشهر المبارك، وشهد العالم أن الروح القتالية لا تنطفئ حين يكون الإيمان حيًّا.
بعد أن استعرضنا صفحات المجد، يتبين لنا بوضوح أن هذا الشهر لم يكن يومًا شهر كسل أو خمول، بل كان دائمًا شهر العمل والجهاد والإنجاز، ولقد آن الأوان لشبابنا شباب العرب والمسلمين أن يدركوا أن رمضان ليس شهر النوم حتى العصر والتعلل بالإرهاق، بل هو فرصة لاختبار الإرادة، وإحياء روح النصر والعزيمة، ومن يظن أن الصيام يضعف الإنتاج أو يعطل الجهد، فليراجع تاريخ أمته، حيث حقق الأجداد أروع البطولات في أشد الظروف مشقة.
فليكن رمضان فرصة لإعادة بناء الذات، واستنهاض الهمم، وإثبات أن شباب اليوم قادرون على صنع الأمجاد كما صنعها أسلافهم، فالمستقبل لا يُبنى إلا بسواعد قوية وإرادة لا تلين.