آراء

ما الذي ينقص العرب ليرسموا ملامح سيادة حقيقية؟

فبراير 23, 2025

ما الذي ينقص العرب ليرسموا ملامح سيادة حقيقية؟

السياسة ليست مجرد لعبة نفوذ، بل هي فن توظيف الأوراق المتاحة لتحقيق المصالح الكبرى ، في عالم مضطرب حيث تتغير التحالفات وتتصاعد الأزمات، ونجد أنه لا يمكن للعرب أن يكونوا مجرد متفرجين على طاولة القرارات الدولية، وهم يمتلكون من الأوراق ما يجعلهم قوة مؤثرة، لا مجرد تابعٍين للمتغيرات ومنفذين للأجندات . فالقمة الاخوية غير الرسمية التي دعا إليها ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، بحضور قادة الخليج والملك الأردني والرئيس المصري، جاءت في لحظة نتمنى منها أن تستفيق القيادات العربية وأن يدركوا حجم القوة الكامنة لديهم، وأن فرصتهم على فرض واقعٍ جديد على الساحة الدولية في أيديهم.


فالدول العربية لديها ملفات قادرة على قلب الموازين في المشهد الدولي، من النفوذ الاقتصادي الذي يشكل ركيزة أساسية في استقرار الأسواق العالمية، إلى الموقع الجيوسياسي الذي يربط الشرق بالغرب، ومن الملفات الأمنية التي تؤثر في الاستقرار الإقليمي إلى القضايا السياسية التي لم تعد واشنطن وأوروبا قادرتين على تجاهلها. ومع ذلك، لطالما تعاملت القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، مع العالم العربي من منطلق الافتراضات، حيث يُنظر إلى العرب على أنهم مفعولٌ بهم، لا فاعلون، وأن خلافاتهم الداخلية تجعلهم غير قادرين على تشكيل جبهة موحدة تُحدث فرقًا في المعادلات الدولية.


لكن ماذا لو تغيّر هذا الافتراض؟ ماذا لو أدرك القادة العرب أن وحدتهم ليست مجرد شعار سياسي، بل ضرورة استراتيجية تعزز مكانتهم وتجعلهم في موقف أقوى؟ الحقيقة البارزة هنا هو أن التوحد والتركيز على مصالح الشعوب ليس فقط واجبًا وطنيًا، بل هو مفتاح القوة الحقيقية لتلك القيادات العربية. فحين يشعر المواطن العربي أن قادته يعملون لأجله، لا لمصالح خارجية أو تحالفات مشروطة، سيكون هو الدرع الحصين والظهير الحقيقي لأنظمته، فلا حاجة للقيادات العربية حينها لمغازلة الغرب ولا استجداء الدعم من قوى خارجية إذا كان الداخل متماسكًا، والشعوب تشعر بأن أنظمتها تمثلها وتحمي حقوقها.


لقد أظهرت التجارب أن الأنظمة التي ترتكز على رضا شعوبها وتحقيق مصالحها هي الأكثر استقرارًا والأكثر قدرة على مواجهة التحديات الخارجية، فالغرب لا يتعامل مع أي دولة إلا من منطلق المصالح، وليس هناك تحالفات دائمة إلا إذا كان الطرف الآخر قويًا ومستقلًا، أما الأنظمة التي ترهن قراراتها بالخارج، وتراهن على رضا القوى الدولية، فإنها تبقى عرضة للضغوط والابتزاز السياسي.

نعم نعترف نحن كشعوب عربية محبة لأوطانها ان هناك بعض التحفظات على توجهات بعض الأنظمة والإدارات العربية ، و بالرغم من ذلك يبقى الأمل في أن تكون هذه القمة وغيرها خطوة نحو بناء موقف عربي أكثر تماسكًا، لا مجرد لقاء عابر ، فالتاريخ يثبت أن الأمم التي تفرط بأوراق قوتها تصبح ساحةً وعرضة للآخرين، بينما تلك التي توحد صفوفها وتحسن إدارة ملفاتها تصبح قوة لا يُستهان بها ، وإذا أراد القادة العرب أن يضمنوا بقاء دولهم قوية ومؤثرة، فعليهم أن يدركوا أن مفتاح ذلك ليس في تقديم التنازلات للغرب، بل في كسب ثقة الشعوب. فالشعوب هي الحصن الحقيقي، وحين يكون المواطن العربي شريكًا في القرار، يشعر بالانتماء الحقيقي، ويصبح المدافع الأول عن استقرار بلده.


ويبقى دائما التفاؤل سيد الموقف، والدعوة للوحدة ضرورة، ليس من أجل الأنظمة فقط، بل من أجل الإنسان العربي، الذي يستحق مستقبلاً تُصان فيه كرامته، وتُحترم فيه إرادته، بعيدًا عن الحسابات الضيقة والمصالح الآنية.

شارك

مقالات ذات صلة