سياسة
لا يمكن قراءةُ التحيُّن أو حتى التحفُّزِ بين المخابرات العسكرية ورئيسها فيما بعد عبد الفتاح السيسي وإبراهيم العرجاني – المطارد الحبيس المغدور في صفقات المخابرات – دون سماع أولى خطوات إبراهيم وباب السجن الثقيل الصدئ يُصفُق وراءه بلا أمجاد. كانت عينه على الثأر. خرج إبراهيم (بعفو رئاسي في يوليو ٢٠١٠) وأظن أن الأمر كان قد قُضي في عقل العرجاني، هو بانتظار فرصة – أي فرص للخروج من الجب، بانتظار لحظة سانحة، وستأتي مع السيسي
ذراعٌ لا يمكن ليُّه
في يونيو من العام الفائت ٢٠٢٤ اقتفت فاينانشيال تايمز أثر خطورات العرجاني مثلما أفعل الآن، سمته ”الوسيط“ ولهذه التسمية دلالة، فأنت لن تكون وسيطا دون صفقة. فما الصفقات التي توسط فيها إبراهيم العرجاني؟ علاقات العرجاني بالنخب الأمنية والعسكرية في مصر- إن لم يكن قد أعدّ لها في السجن – لما كان في حياته رأى النور أبدا. أكم من صفقات عُقدت في المحابس.
بعد عشر سنوات من هذه الصفقة، أصبح العرجاني اليوم ”وسيطا“ ناجزا، وعرابا لسيناء. حتى لو سقطت هذه السلطة أو غضبت عليه. كتبتُ عن العرجاني العراب ، وقائد الميليشيا. اليوم أكتب عن الوسيط، وأسأل أيُّ ذراع يؤلمه ويلوونه؟ على الأرجح، لم يعد باستطاعة هذه السلطة في انهيارها وتخبطها العنيف البادي في توحشها أي ورقة أو ”مَلْكَةٍ“ لإبراهيم العرجاني، بل العكس هو الصحيح. فهو ليس حسن راتب، ولا موظفا على درجة رئيس مخابرات ولا أحد قادة الأمن الوطني ولا المؤسسة العسكرية. إبراهيم العرجاني زعيم ميليشيا خُلقت لحماية ”النظام“، والنظام برغم كل ضجيجه غايةٌ في الهشاشة.
هل ورط العرجاني عمدا السيسي وإسرائيل؟
مقابلة لافتة جدا لعبد الفتاح السيسي بداية ٢٠١٩ لقناة سي بي إس الأمريكية، والتي أعلم عنها جيدا كوني كنت صحفية ومذيعة أولى في بي بي سي في هذا التوقيت وأعهد كيف كانت بطانة السيسي تختار من يستضيفه وتستبعد تماما من يخشاه ويخشى أسئلته. كما رأيت كم الضغط على القناة الأمريكية والذي ناقشْتُه شخصيا على الهواء مباشرة تعقيبا على محاولات السفارة المصرية واستماتتها ألا يذاعَ الحواُر، وكيف أن القناة الأمريكية أصرت وأذاعته بالفعل، لكني اليوم بعد دراسة مكثفة، أقرأ أن العرجاني ورط السيسي وإسرائيل في تصريحات كهذه.
في المقابلة كشف عبد الفتاح السيسي ”تنسيقَ“ أو سمه ”تعاونَ“ الجيش المصري مع إسرائيل في العمليات العسكرية ضد ”تنظيم ولاية سيناء“. العاقل يرى أن هذه التصريحات حمالة أوجه لا يمكن أن يُستبعد من أحدها أو بعضها إبراهيم العرجاني:
١) قد تكون لتوريط إسرائيل في المسؤولية الجنائية عن أعداد المدنيين السيناوية القتلى خارج القانون على يد الأمن والجيش التي رصدتها المنظمات الحقوقية الدولية.
٢) قد يكون السيسي ذاتُه متورطا في هذه التصريحات لتبرير نفس العدد الضخم للقتلى وتفجير المنازل الذي لم يتوقف؛ بالتبرير بأنه يحارب نفس العدو الذي تحاربه الولايات المتحدة ”تنظيم الدولة الإسلامية“ وهي ذاتها ارتكبت من الانتهاكات الدموية ما يكفيها لتكون مجرمة حرب هي الآخرى وهذا قطعيا صحيح.
٣) أن يكون ”طرفٌ ما“ أدنى من أن يعترف به السيسي ندا أو حليفا (أبناء القبائل) فيرفع أمام الرأي العام الغربي مستوى التنسيق كما يراه هو بين دولتين وقعتا اتفاقا قديما وبينهما تنسيق أمني قديم مصر وإسرائيل.
قناة سي بي إس نفسها قالت إن السفير المصري في واشنطن اتصل بالقناة وطلب بعد التسجيل فعلا عدم بث المقابلة، وقوبل الطلب بالرفض. لست أدري في الواقع مالذي تحسست منه المخابرات المصرية أو الخارجية، وقد قال السيسي في الحوار وبأريحية باسمة وبشوشة كالعادة كلَّ ما يتبناه الآن علنا وبوضوح؛ ”العلاقات بين مصر وإسرائيل هي الأمتن منذ بدئها بين البلدين، وأن هناك تعاونا بينهما في مجالات شتى“ ثم أكمل نفيه ”القاطع“ لوجود أي معتقلين سياسيين في مصر.
العرجاني وإسرائيل – الشبح
بين قبائل سيناء، خاصةً في رفح والعريش قرابةُ نسبٍ وأولاد عمومة مع رفح الفلسطينية وهو جزء لا يمكن طمسه من الثقافة والشخصية المصرية. من أراد طمسه والردم عليه كانت أنظمة مصرية متعاقبة حاولت أيضا طمس السلوم والواحات وأقصى جنوب مصر. في ٢٠١٢ بعد عام المجلس العسكري بكل إخفاقاته، سُلم ملف شبه الجزيرة من المخابرات العامة إلى المخابرات العسكرية. ولم يمهل الوقت السيسي -رئيس المخابرات العسكرية- فقد نُفذ هجوم في أغسطس ٢٠١٢ على نقطة تفتيش بمركز حدودي في رفح المصرية وقتل في الهجوم ١٦ جنديا وعددًٌ من المهاجمين. كانت لحظة مواتية جدا لأن يعلن وزير الدفاع محمد حسين طنطاوي وقتها ”فرض السيطرة الأمنية الكاملة على سيناء“ وأن تبدأ حملة من المخابرات العسكرية عمليتها الكبرى لتحييد الإخوان المسلمين في عام حكمهم عن سيناء وتطويق المنطقة تمهيدا لتفريغها لاحقا في إطار ”خطة كبرى“ نرى الآن مآربها واضحة.
ما يعنينا هنا تفصيلةٌ ما، انتبهت لها على القنوات الرسمية وصفحات وزارة الدفاع- إقرؤا معي- “قتلوا ١٦ من الجنود المصريين وأصابوا سبعة بعد تبادل لإطلاق النار، ثم استولوا على مدرعتين واتجهوا بهما إلى الأراضي الإسرائيلية عبر معبر كرم أبو سالم“. نقلت وسائل الاعلام التي لم يكن لمحمد مرسي سيطرة عليها بأي حال نقلا عن وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية عن “مسؤول أمني رفيع“ أن الهجوم نفذه متشددون تسللوا من غزة عبر الأنفاق، لكن الحكومة الفلسطينية في القطاع (حماس) نفت ذلك قطعيا. وبالمنطق (لماذا تهاجم حماس نقطة تفتيش مصرية؟) من له مصلحة؟ حتى إن حماس كانت قد أعلنت أن مصر ستمد قطاع غزة بالوقود لتشغيل الكهرباء ونشر ذلك في صحيفة الأهرام أونلاين لأهل القطاع.
أترك لكم المعطيات والسؤال.
”أبو سالم“ ”البريكي“ ”منيزل“ الاجتماع الأخطر
في سبتمبر ٢٠١٢ عُقد الاجتماع الأخطر لتنسيق (ما) بين ما يبدو أنه ضباط في الموساد والمخابرات العسكرية المصرية ووسطاء من بينهم أحد أفراد عائلة العرجاني في سيناء.
على ما يبدو أرسل العرجاني شخص يدعى سلامة العرجاني؛ قد يكون أحد أفراد العائلة نائبا عنه ( أو لربما حضر إبراهيم نفسه باسم سلامة للتمويه) ليتوسط لتنسيق بين مصر وإسرائيل دون محادثات رسمية.
حضر هذا الاجتماع شديد الغموض: الضابط الإسرائيلي أبو سالم، وثلاثة ضباط من المخابرات العسكرية المصرية، وإبراهيم عويضة البريكي، و منيزل بريكات. هذا الاجتماع عُقد تحت جناح المخابرات العسكرية برئاسة عبد الفتاح السيسي. بعد الاجتماع وقعت عدة حوادث مثيرة:
بينما اليوم السابع نقلت بيان ”أنصار بيت المقدس“ كما جاء ”……وأضاف البيان: “تمكن المجاهدون فى جماعة أنصار بيت المقدس من القبض على الجاسوس الرئيسى فى هذه العملية، وهو المدعو (منيزل محمد سليمان سلامة) المسئول عن تجنيد باقى الجواسيس والمسئول عن مراقبة الشهيد، كما نحسبه وبالتحقيق معه توصل الإخوة إلى تفاصيل العملية كاملة وهى كالآتى: وضع الموساد الإسرائيلى هدف اغتيال الشهيد، كما نحسبه، إبراهيم عويضة منذ فترة لنشاطه فى عمليات جهادية كبيرة ضد اليهود، والقيام بنفسه بعمليات قتل فيها عدد من اليهود، فقرر الموساد العمل على تصفيته لاستحالة وصولهم إليه حياً واعتقاله. تم استخدام ثلاثة جواسيس مصريين لمراقبة الشهيد (كما نحسبه) وهم: منيزل محمد سليمان سلامة وسلامة محمد سلامة العويضة وسليمان سلامة حمدان………….وسلامة محمد سلامة العويضة، هرب إلى داخل الكيان الصهيونى مكللاً بالعار والخزى منتظراً القصاص العدل.“
الشبح – ”إدارة التوحش“
خلال سجنه نُقل تنظيم ”الدولة الإسلامية“ من ”الجهاد“ إلى الكينونة المرعبة التي رأيناها في العراق والشام (داعش) وفي“ تنظيم ولاية سيناء“ في مصر. من المهم أن نقرأ كيف تطورت المراحل العملية لتنظيم لم تكن له الصلادة المؤدلجة كتنظيم القاعدة. تنظيم ”الدولة الإسلامية“ في أوج سطوته على الموصل بالعراق والرقة في سورية وشمال سيناء في مصر سعى ونجح لبضع سنوات في تشكيل دويلتين بالفعل في الأُولَيْيْن وحاول ولو وجيزا في الأخيرة. خسر تماما ”داعش“ التي هي دولة الخلافة في العراق والشام ٢٠١٧ وهُزم ودُحر ”تنظيم ولاية سيناء“ في مصر ٢٠٢٢ على يد المؤسسة العسكرية وأبناء القبائل.
لما كتب أبو بكر الناجي ملزمة ”إدارة التوحش“، شرح ”الناجي“ وهو اسم حركي استراتيجية تنظيم قاعدة ”الجهاد“ من:
2) العدو البعيد: الجهاد عالميا ضد المصالح الغربية على أرضه خصوصا الولايات المتحدة ”رأس الأفعى“؛ تفجير سفارتي الولايات المتحدة في كينيا ونيروبي والبارجة ”يو إس إس كول“ ١٩٩٨، ثم برجي التجارة والبنتاجون ٩/١١، وكل عمليات التنظيم في العالم.
3) جاءت إدارة التوحش, التي وضع خطتها أبو بكر الناجي، بالعودة لأي فراغ سيادي في أي منطقة في أي دولة أو فقدان لمساحة يعاني سكانها من التهميش أو بينهم وبين ”الدولة احتراب“ ويشمل ذلك كل أذرعها الرسمية. ينطوي ذلك المفهوم انطباقا حرفيا على شبه جزيرة سيناء؛ فراغ، سيطرة أمنية ضعيفة بسبب الاتفاقية بين مصر وإسرائيل، مستوى تسليحي ضعيف بسبب الاتفاقية نفسها، الجهوزية في المنطقة أمنيةٌ بالأساس عدا حرس الحدود والاستخبارات العسكرية، مظالمُ أصيلةٌ من الاستبعاد والتهميش والتعنيف والتعدي والاستئساد.
من أخطر ما أسست له ”نظرية التوحش“ كانت الهندسة لعمليات ”الذئاب المنفردة“ وهنا نقف. نقف كثيرا. ونفكر. أي هوى في هذه النظرة يلاقي يافعين يائسين مطاردين أبناء مطاردين. من أي أرض ينبت الإرهاب؟ وكيف ينمو؟ وكيف جابه قائد الميليشيا، العراب، الشبح إبراهيم العرجاني تنظيما مسلحا يجيد إدارة التوحش ويتفوق في التجنيد؟ كيف تمكن العرجاني من تجنيد عدد غير هين من أبناء القبائل وقال المسؤولون وقت تمشيط سيناء إنه اتخذ منها حاضنة شعبية؟
”المجموعة ١٠٣“
هي المجموعة الأهم والأخطر التي تشكلت وخرج من نبتها ميليشيا ”فرسان الهيثم“ التي يتكئ النظام الحالي لحمايته لو انقلبت مصر رأسا على عقب وحتى قبل أي يحدث. السيسي كأي رأس لأي نظام عسكري أو بوليسي يرتبط وجوده ببطانته، ويضمن ولاءها باستمرار التمييز والتسيد لكنه دائما أبدا يخشى جيشه، كما خشي ناصر عبد الحكيم عامر، ومبارك من أبو غزالة. السيسي صنع أو تبنى جيشا رديفا لحمايته ونظامه (وقد اضطر لتبديل وجوه كانت غالبة من نظامه مخابراته وقياداته العليا ووجوه وازنة في الأمن الوطني الأسابيع الأخيرة ٢٠٢٤-٢٠٢٥ بشكل مريب).
فرسان الهيثم
استُنسخ فصيل/ ميليشيا ”فرسان الهيثم رسميا ”وهي ميليشيا كانت عاملة بالفعل ومسلحة “. لابد من قياس إمكانات هذه القوة العسكرية بقوة سلاح القبائل وأبنائها منذ ٢٠١٥، إذ كان بحوزتهم آنذاك ٦٠٠ قطعة سلاح خفيفة إلى متوسطة المدى، أكثر من ٥٠ سيارة رباعية الدفع بعضها مصفح تحمل مدافع رشاشة. بث مسلحو القبائل استعراضا عسكريا بعد اتجاه الدولة والمخابرات العسكرية لصالحهم في شبه الجزيرة، خاصة بعد اعتلاء السيسي الحكم. في مواقع إعلامية مقربة من الدولة، سمح الجيش تدريجيا بتشكيل مجموعات مسلحة موالية له من ٢٠١٧، إلا أن التحول النوعي ٢٠٢٠“.
يرى باحثون أن هذه الرواية إن صحت هي صورة مستنسخة من نموذج ”الصحوات“ في العراق خصوصا أن نماذج الحكم التي مرت على العراق أذاقت الصحوات الأمرين واتهمتها عند كل زاوية بتوفير قواعد شعبية ومفارخ لقوات داعش.
الرواية الأخرى وهي في رأيي الصائبة أن التسليح والتدريب تم (في مقار الجيش في العريش وبئر العبد) داخل مقار تسليح وتدريب القوات المسلحة، وأن العرجاني تصنّع التلهف على الاصطفاف مع المخابرات العسكرية والدولة ”منصاعا“ ولا ينقص رجاله أيٌ من هذه المهارات، ولا حتى التسليح. كانت عينه على ”التنسيق العملياتي“، على معسكرات التدريب، على مكامن دعم الدفاع الجوي والمدفعي، وأن يكون ضمن ”معسكرات القتال“ الرسمية. كي يدخُلَ غرف العمليات المظلمة، أن يَنْفُذَ إلى حيث لم ينفذ أحد ”لغاية يوم يقرر فيه هو مع من سيَصًفَّ حقيقة ويأخذ ثأره“.
بعد الاستعراض العسكري لميليشيا الترابين بقيادة العرجاني تحديدا ٢٤ يونيو ٢٠٢٣، خرجت مواقع القبائل المسلحة تتحدث عن فصيل ”فرسان الهيثم“ باعتبارهم قوة الصفوة. وهم مميزون كما هو الحال في العسكرية العقائدية كقوات الصاعقة أو العمليات الخاصة (وهو ما ينتفي في هذه الحالة لأنهم من خارج الجيش النظامي) لأنها شارة تميز الفرق الخاصة الرسمية فقط.
اللافت أن مقاطع الاستعراضات العسكرية المصورة لفرسان الهيثم المسلحة انتشرت ثم أزيل معظمها، وكانت قد أظهرت شخصا غير معروف يُعتقد أنه من الرتب العليا في المخابرات العسكرية، بينما رددت بعض المواقع الموالية لقبيلة الترابين أن ”فرسان الهيثم“ هم (أبناء) إبراهيم العرجاني قد يكون حرفيا أو ضمنيا. وثّق زملاء في جماعات حقوقية ، من بينها وحدةُ التوثيق في مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان لموقع ”الحرة“ في يونيو ٢٠٢٣ أن المجموعة هم ”القوات الخاصة“ للفصائل المقاتلة في صف المؤسسة العسكرية، هذا يعني أن الزي تقريبا موحد بين القوات الخاصة القتالية وبين ميليشيا ”فرسان الهيثم“. إن صح هذا فهو خطأ عسكري وإشارة شديدة الخطورة.
”المناديب“
نقلت منظمة هيومان رايتس ووتش في ٣٠ أغسطس ٢٠٢٢ أن من بين المجموعة الخاصة من يسميهم بعض الأهالي في سيناء ”المناديب“ وعلى خلاف رأي هيومان رايتس واتش أظنها كلمة يقصد بها أنهم مندوبو التجنيد لليافعين إلى صف الشباب الأكبر في مجموعة ”فرسان الهيثم“. هكذا بالضبط تُشكّل الميليشيا التي تمضي في التوسع والمترسة. فأين الجيش وواحداته العاملة من هذا الحشد والتجنيد؟ هل الأمور فعلا تحت السيطرة؟
أعمال هندسية مجهولة
تحدثت أكثر من جهة رقابة حقوقية في سيناء نفسها أو من المراقبين عن كثب عما سمته توثيقا في فبراير الفائت ٢٠٢٤ لأعمال هندسية ”مجهولة“ شرقي سيناء في ظل ”وجود عسكري“ مكثف. من بين هذه المجموعات الحقوقية مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، التي نشرت على حساباتها وصفحاتها صباح الاثنين ١٢ فبراير ٢٠٢٤ عددا مما قالت إنه سياراتٌ مصفحة رباعية الدفع تقل ”ضابطين تابعين للمخابرات الحربية“ وأخرى تحمل ”عناصر قبلية“ تابعة لميليشيا ”فرسان الهيثم“ بالقرب من منطقة ”قوز أبو رعد“ جنوب مدينة رفح بعدد كبير من الجرافات والمقاولين المحليين، ومقاطعُ الفيديو التي نشرتها المؤسسة تظهر عمليات تمهيد للتربة، ورفعَاً لأنقاض البيوت المخلاة بالكامل في المنطقة، وتخزينَ قوالب إسمنتية ضخمة ما يشي بأعمال هندسية كبرى بين قرية الماسورة غربا ونقطة – انتبهوا – ”على الحدود الدولية“ جنوب معبر رفح، بينما ينحصر حدها الجنوبي بين قرية جوز أبو رعد ونقطة على – انتبهوا أيضا – ”الحدود الدولية“ جنوب معبر كرم أبو سالم بين مصر وإسرائيل (الأراضي الفلسطينية المحتلة.)
”قوافل العزة“
نُشرت مقاطع كثيرة على صفحات ”اتحاد قبائل سيناء“ والحسابات والصفحات الموالية لإبراهيم العرجاني والترابين ولأبناء القبائل التي تتفاخر بمشاركتها في الحرب على ”تنظيم ولاية سيناء“ من بينها نشيد بمرور الوقت تقريبا توحد وأصبح تحية تؤدى في ملتقيات الترابين شبه الرسمية خصوصا في مواقع تدريب اليافعين على أعمال القتال. قد تبدو نقطة تفصيلية تافهة، ولكن بعين الخبير، لا تمر. هكذا بدأت معظم التنظيمات المسلحة التي تخطط لنفسها وجودا وحضورا منفصلا عن مظلتها الأم. تبدأ اليوم مع الدولة أو أي كيان، وغدا تمر عليه. هاكم نشيد ”قوافي العزة“ عن ”فرسان الهيثم“ ، ولكم ما ترون!
سيادة الدولة
”فقدان المؤسسة العسكرية المصرية السيطرة على الأمور في شبه الجزيرة“ كانت انتقادات من الصحفي الوازن روبرت فيسك، الدارس لعقود كل تغيير في الشرق الأوسط. فيسك كتب في مايو ٢٠١٧ مستكملا ما كتبه في ٢٠١٥ عن ميليشيا القبائل في مواجهة ”تنظيم ولاية سيناء“ أن المؤسسة العسكرية المصرية ذاهبة باتجاه سوريا والعراق باستخدام ميليشيات فتتت البلدين ومزقت حتى بعد قضائها على التنظيم بصورته الحرفية وهي فقط دفعت ما بقي منه إلى خلايا نائمة، لم يعد البلدان إلى حالهما السابق أبدا. أما دافيد شينكر وهو أيضا أحد الصحفيين الوازنين في الكتابة عن تجربة مصر في العشرية الأخيرة وقبل الأخيرة فاتفق مع فيسك لكنه أضاف انتقادا للاعتماد على القبائل ”رغم تلقي مصر مساندة من سلاح الجو الإسرائيلي بشكل متزايد لاستهداف الإرهابيين في سيناء“.
الجزاء – فيديو ”التصفية ٢٠١٧“
بُث على قنوات داعمة لتيار الإسلام السياسي شريطٌ سمي ب “تسريب سيناء” المصور نُسب لعناصر بالجيش المصري لما قيل إنه تصفية معتقلين في سيناء -بينهم طفل- على أيدي مجموعة من قوات الجيش المصري و ”المليشيات.“ وفقا لما عرضته تلك القناة ووفقا لما بثوه في الشريط ” وضعت العناصر المذكورة بعد تصفية المعتقلين السلاح إلى جانبهم وتصويرهم، قبل أن يسترجع السلاح الذي وضع بجانب الجثث بعد التصوير“.
المستقل الوحيد الذي حقق في الأمر بشكل موضوعي كان الموقف المصري في ٢٢ أبريل ٢٠١٧، وذيلوا منشورهم على فيسبوك مشفوعا بشهادات من أهالي سيناء الذين تعرفوا على موقع الفيديو ”المسرب“ المنسوب للجنود وعناصر الميليشيا ب“ المصادر والمزيد من التفاصيل بأول تعليق”.
بالمقابل وثقت الهيئة العامة للاستعلامات أكثر من هجوم “إرهابي” في مصر على صفحتها في في شهر أبريل من عام ٢٠١٧ دون أي ذكر أو تعقيب على هذا ”التسريب“. ثم في يوليو تبنت صفحات وحسابات الدولة و الهيئة العامة للاستعلامات” روايات مغايرة تماما لهجوم رفح الإرهابي وكمين البرث”، قفزت على الفيديو المسرب وتناولت بالاهتمام الهجوم الذي نفذه التنظيم على كمين البرث.
لا تنسوا أن أحد رفيقي العرجاني (سالم لافي) قُتل في هجوم على قرية البرث قبل حادث الهجوم على كمين البرث وضابط توجيه لافي أحمد المنسي بشهرين اثنين!
وجاء في المصادر الرسمية عن كمين البرث ومقتل الضابط أحمد المنسي: ”فى٧ يوليو٢٠١٧، تمكنت عناصر من القوات المسلحة من التصدى لهجومٍ إرهابي قامت به العناصر التكفيرية على إحدى نقاط التمركز بجنوب رفح فى شمال سيناء. وقد قامت القوات على الفور بالتصدي الحاسم لهذا الهجوم الإرهابى الغادر، مما أسفر عن مقتل أكثر من (40) ارهابى وتدمير عدد (6) عربة وتعرض قوات إحدى النقاط لإنفجار عربات مفخخة نتج عنها إستشهاد وإصابة عدد (26) فرد من أبطال القوات المسلحة، واستشهد في هذا الهجوم قائد الكتيبة 103 صاعقة العقيد أحمد المنسي“.
انتهت حتى الآن دراستي المتعمقة في عقل ونشاط ابن الترابين إبراهيم العرجاني. قائد الميليشيا والعراب والشبح.. أحد ولاة الأمر في هذا البلد.. الذئب الذي له ثأرٌ لن ينساه أبدًا.