الثاني من فبراير. هي يعني لك هذا اليوم شيئًا؟ قد يكون يوم ميلادك أو ذكرى تخرّجك أو زواجك، وقد يكون يومًا عاديًّا وعابرًا في حياة أي شخص في العالم، ولكنه بالتأكيد يومٌ عصيبٌ ومشؤومٌ بالنسبة لشخصٍ ما في مكانٍ ما.
بناءً على أسطورة قديمة متوارثة منذ عام 1887، اعتاد سكّان بلدة صغيرة بولاية بنسلفانيا في أمريكا على إقامة مهرجان سنوي يدعى “يوم جرذ الأرض”، في الثاني من فبراير من كل عام، حيث يجتمعون في إحدى المنتزهات لمراقبة حيوانٍ يُطلَق عليه اسم “فِل”، ومن خلاله يستدلّون على حالة الطقس، ومعرفة ما إذا كان فصل الربيع سيأتي مبكّرًا أم أنّ فصل الشتاء سيطول.
بالرغم من التقدّم التكنولوجي في تحديد أحوال الطقس على مرّ الأعوام، إلّا أنّ سكّان تلك البلدة لا يزالون يعتمدون على حيوان جرذ الأرض في ذلك، وبحسب الاعتقاد السائد يتم إخراج الحيوان من جحره أمام الحضور، فإذا خرج وشاهدَ ظلّه، فإن البلدة أمامها ستة أسابيع أخرى من الشتاء البارد، أما إذا لم يشاهِد الحيوان ظلّه فذلك يعني أنّ فصل الربيع سيأتي بشكل أبكر من المعتاد في ذلك العام.
فيلم “Groundhog Day” أو “يوم جرذ الأرض” الذي أُنتِجَ في عام 1993 يبني قصته معتمدًا على تلك الأسطورة القديمة، بقالب من الدراما والكوميديا والرومانسية والفنتازيا، والتي تدور حول رجلٍ يجد نفسه يعيش نفس اليوم مرارًا وتكرارًا، وهو الشخص الوحيد في العالم الذي يعرف أنّ هذا الأمر يحدث له.
ذلك الرجل يُدعى “فِل كونور” وهو مقدّم برنامج أحوال الطقس لمحطة تلفزيونية، ويتم تكليفه بالذهاب إلى تلك البلدة بولاية بنسلفانيا مع المنتجة “ريتا” والمصوّر التلفزيوني “لاري” لتغطية فعاليات ذلك المهرجان الذي يقام في الثاني من فبراير من كل عام.
هذه المهمّة تزعج “فِل كونور” وتثير قلقه بسبب ظروف الطقس التي حالت دون قيامه بتسليم التقرير إلى محطة التلفزيون، فيضطر للبقاء في البلدة ويقضي الليلة هناك، وحين يستيقظ في الصباح الباكر يجد “فِل كونور” أنّ يوم الثاني من فبراير قد عاد مجدّدًا، وكذلك أحداث اليوم عادت نفسها كما كانت في اليوم السابق، كحركة الناس والسيارات وغيرها من الأمور.
“فِل كونور” صار يعيش هذا اليوم المتكرّر يوميًّا، كما لو أنّه في في دائرة مغلقة، وبعد مروره بحالات من الفزع والغضب والتمرّد واليأس، يحاول قتل نفسه للتخلّص من تلك اللعنة، ولكنّه يعود مجدّدًا ليعيش ذلك اليوم مرارًا وتكرارًا، فيبدأ بالقيام بشيء مختلف عن طبيعته، ويرضخ للأمر الواقع ويتعايش معه، ويتعلّم أن يكون إنسانًا أفضل.
الفيلم بقصّته الغريبة والمبتكرة والعبقرية، لم ينجح بالشكل المطلوب حين عُرِض لأول مرة قبل أكثر من 30 عامًا، بالرغم من أنّه حقّق إيرادات جيّدة في شبّاك التذاكر، إلّا أنّه لم يكن من الأفلام المتميزة في عام 1993، ولم يترشّح لأيّة جائزة أوسكار أو غولدن غلوب، ولكنه مع مرور الأعوام أصبحت له شعبية رهيبة بتصدّره قوائم النقّاد والمشاهدين، وأنا شخصيًّا أعتبره واحدًا من أعظم الأفلام الكوميديّة العائلية على الإطلاق.
أخرج الفيلم “هارولد رامِس”، وقد قام أيضًا بكتابة النص السينمائي مع زميله الكاتب “داني روبن”، والنص صار مُلهِمًا لصنّاع الأفلام على مرّ الأعوام، حيث استخدموا حبكته الرئيسية حول اليوم الذي يتكرّر في أفلامهم، وأبرزها فيلم “Edge of Tomorrow” وأيضًا فيلم “50 First Dates”. الفيلم من بطولة “بيل موري” بشخصية “فِل كونور”، وقد أبدع في أدائها، و”أندي ماكْدُوِيل” بشخصية المنتجة “ريتا”، و”كريس إليوت” بشخصية المصور التلفزيوني “لاري”، وبالرغم من استبعاد الفيلم من الجوائز السينمائية الأمريكية، إلّا أنّه كان محظوظًا بفوزه بجائزة بافتا لأفضل نص سينمائي أصلي، التي تعادل الأوسكار في بريطانيا.
كان هناك الكثير من التوتّر في موقع التصوير بين المخرج “هارولد رامِس” والممثل “بيل موري”، حيث أنّ “بيل موري” يريد للفيلم أن يكون أكثر عمقًا وفلسفيّةً، بينما “هارولد رامِس” يريده أن يكون كوميديًّا، ومع ذلك استمرّا بالعمل معًا في الفيلم بكل احترافية رغم خلافهما، ولكنّهما ظلّا متخاصِمَين لأعوام طويلة بعد انتهاء التصوير، حتى تصالحا أخيرًا قبل وفاة “هارولد رامِس” بفترة قصيرة.
الفيلم كوميديّ في المقام الأول، إلّا أنّه يحمل رسالة مهمة ويستخدم الكوميديا في إيصالها بشكلٍ عفوي وجميل، باستكشاف شخصية “فِل كونور” الفريدة، وهو يحاول التعايش مع أصعب وضع قد يعيشه الإنسان في الحياة، ومهما طال الزمن سوف يأتي الغد، سواءً كان الثاني من فبراير أو أي يوم آخر، وكل ما يمكننا فعله حيال ذلك هو أن نكون أشخاصًا أفضل ممّا نحن عليه الآن، وبالفعل نحن نستطيع فعل ذلك.