Blog

هذا زمن القسّام..

يناير 25, 2025

هذا زمن القسّام..

رغم قسوة هذه الحقبة الزمنية وشدة فتنها وتدافع أحداثها وانقلاب أحوالها وتقلّب قلوب أهلها٬ ورغم أنهر الدماء التي جرت بها وما تزال٬ وأهوال ظلمها وظلماتها تلك التي بعضها فوق بعض٬ إلا أنه من رحمات الله ومما تهون به مصائب الدنيا علينا٬ هو وجود ثلّة مؤمنة صابرة ثابتة في زماننا كرجال القسام وقادته٬ فكيف لا يكون ذلك وهم أصحاب إيمان صلب ظاهر لا ينكسر٬ ويقين راسخ بنصر الله عز نظيره٬ وجسارة وبطولة حيّرت القريب والبعيد٬ وقهرت العدو ومن والاه غيظاً وكمداً. 

 

هذا زمن القسّام وبه نفاخر٬ زمن الأساطير والملاحم والفرسان الكواسر.. قرأنا الكثير عن سير فرسان العرب وبطولاتهم وصولاتهم وجولاتهم المبهرة٬ لكن فروسية مقاتلي القسام وإخوانهم نراها اليوم بأم أعيننا ويراها العالم٬ وكل قصائد مدح البطولة والفداء التي رسمها شعراؤنا العرب العظام، سواء في الجاهلية أو الإسلام٬ لا تكفي في مديح ظِلّ هؤلاء الرجال وصنيعهم٬ الذين غدوا كسيوفٌ في يد القدر٬ تضرب أعناق الظالمين وتقصم ظهورهم٬ بل كأنهم عاصفة من نار لا تهدأ حتى تنزل بساح عدوهم.. (فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين).

 

حدثونا يا سادة٬ كيف يكون القادة في طليعة صفوف الجند٬ يحملون كفهم على راحتهم٬ يتفقدون الثغور ويقفون على بعد أمتار من دبابات العدو ومجنزراته التي أحاكوا لها الكمائن٬ بكل عزّة وشموخ وافتخار٬ كشيخ الحروب وكهلها وفتاها أبي إبراهيم السنوار٬ رحمه الله وأعلى درجاته في عليين.. كم يعتصر القلب حزناً والعين دمعاً ودماً على رحيلك يا سيّدي٬ فأنت الذي لا يطول عدوك منك ضعفٌ ولا يُسَاوِركَ أمام الموت خَوَرٌ أو خوفٌ. 

 

هممُك يا سيّدي لا تعرف الاستكانة، وعزيمتُك أشدُّ من الصخر المغروس في باطن هذه الأرض المروية بدماء الأولين والآخرين. جُبِلتَ بين أزقة حارات المخيم الضيقة وبين جدران الزنازين التي أخذتها نصيبها من زهرة شبابك٬ على تحدي المستحيل٬ حتى روّضته وجعلته مطواعاً كعصاك التي ضربت بها الطوفان على من عاداك.

 

لم ترضَ يوماً بالقليل٬ وكانت كل خطوة خطوتها بصمتك وبساطة حضورك وزهدك تكتب فصلاً جديداً في سِفر البطولة والتضحية والفداء.. وما تراجع قلبك يوماً أمام الأمواج عاتية٬ ولا ضعفت همّتك في زنازين عدوك الذي عرفته وحفظته عن ظهر قلب حتى أوجعته وأدميت وجه.. وكنتَ الأنبلَ في فعلك٬ والأصدقَ في إخلاصك، والأصبر على الآلام في قتال عدونا وعدوك.


وقفت متلحفاً ببردتك وجعبتك وسلاحك٬ وهتفت بين صحبك: للحرّيّة الحمراء بابٌ٬ وأبو إبراهيم هو من يدقّهُ٬ بعصاه التي يتكئ عليها وبيده المضرّجة بالدماء.. وكان حالك عند رحيلك بعد اثخانك في عدوك كحال سيدنا مصعب بن عمير رحمه الله يوم أُحد٬ إذ يقول صحبه فيه “لم نجد ما نكفنه به سوى بردة إن غُطّي رأسه بها بدت رجلاه، وإن غُطيت رجلاه بدا رأسه”.


هذا هو قائد الطوفان وابن القسام ومدرستها وفكرتها٬ سَارَ بقديمه هو ورفاقه نحو قلب العاصفة ليؤسسوا لنا مجداً لا ينكسر، وليكتبوا بأفعالهم التي أعجزت العالم٬ وبدمائهم وبطولاتهم الأسطورية٬ تاريخ جديد لشعبٍ يحمل في ضلوعه حلماً بالحرية يُسَطَّر بالدماء ودروب الشهداء في رفح وجباليا وبيت حانون وخانيونس وجنين وطولكرم ونابلس والقدس.


هذا زمن القسّام الذي توعد الاحتلال بسحقه فسحق نفسه٬ وكلما حاول اجتثاث الشهداء من خيرة قادته وأبنائه نبت له من هو أصلب عوداً وأشد بأساً وتنكيلاً. هذا زمن القسّام الذي يحفر رجاله في باطن نفقاً لجلب الشمس منه لأطفالنا الذين يستحقون الحياة “خاوة” عن الاحتلال والعالم٬ كما قال أبو إبراهيم يوماً. هذا هو زمن القسّام٬ الذي يخترق قلب عدوه وعقله ويصيبه بالعمى والجنون٬ ليناور ويثخن ويأسر ما شاء الله له أن يكون٬ ويخرج بعد 471 يوماً من تحت رماد الحرب الطاحنة والتي صافح بها الموت ألف مرة حياً٬ بل أجملَ وأعظمَ حيّ.


يا سادة٬ دم هؤلاء الشهداء والقادة الذين بايعوا الله ورسوله على الجهاد ما دام فيهم عرق ينبض٬ هو حجة من الله علينا٬ وهو سبيلنا الذي نهتدي به نحو النصر٬ ومن شدة صِدق فعلهم وبلاغة رسالتهم ورسوخ إيمانهم بالله٬ نستمد اليقين العميق الذي يجري فينا مجرى الدم٬ بأن هذا الاحتلال زائل لا محالة٬ بل إن زواله أقرب مما نظن أو نتخيل.


فالحمدلله على نعمة القسّام أولياء الله وجند محمد وأحبابه٬ وسلامٌ على القسام وأهله٬ سلامٌ على نعالهم التي تغبّرت في سبيل الله٬ سلامٌ على كل زقاق مشوا فيه وكل أرض وطؤوها وكل بحر نزلوا فيه للإثخان بعدونا٬ سلامٌ على كل غيمة فوقهم وكل شجرة ظللتهم وكل باطن نفق حملهم.. سلامٌ على أجسادهم النحيلة وأمعائهم الخاوية٬ سلامٌ على قلوبهم العامرة بالإيمان واليقين بالله ووعده بالنصر الحتمي٬ سلامٌ على أحبابهم وعوائلهم وأصحابهم وشيوخهم وكبارهم وصغارهم٬ سلامٌ على قادتهم وشهدائهم وأسراهم ومرضاهم وجرحاهم٬ سلامٌ على كل سلاح غنموه وحملوه٬ وكل راية رفعوها٬ وكل معركة خاضوها في سبيل الله.. منّا ألف سلام.

شارك

مقالات ذات صلة