Blog

يموتون ويحيا يحيى، وعصاه تلقف ما يأفكون!

يناير 25, 2025

يموتون ويحيا يحيى، وعصاه تلقف ما يأفكون!

لن أنسى تلك الرسالة التي وصلتني من ملحد ألحد بعد أن ولد مسلمًا: “أريد كتيبات الأدعية التي في الصورة” وكانت الصورة المرفقة تلك التي انتشرت لمقتنيات أبا إبراهيم وقت استشهاده. هذا الشخص الذي أرسل لي الصورة، أمضينا ١٣ عامًا أنا ومقرّبين له، محاولين هدايته للإسلام مرّة أخرى، حتّى اقتنعت أنّ الله لا يهدي من أحببنا، لكنّه يختار الهداية لمن يشاء ووقتما يشاء، فتركته لله مع غصّة كبيرة في قلبي! وشاءت الأقدار أن يذهب هذا الشخص للإلحاد نفسًا واحدةً، ويعود للإسلام أربعة أنفس: هو وزوجته وأطفاله الاثنين! هذه هي غزة وهذا هو يحيى الذي عاش باستشهاده وأحيا أممًا كانت تحيا ميتة في ظلمات هذا الزمن.

 

العصا، علا بها موسى على فرعون لمّا علا، وعلا بها يحيى على أبناء التيه لمّا علوا! فها هي، عصا يحيى حيّة مثله، تفلق بحر العالم إلى فلقين، إمّا أنت حقٌّ مع أهل الحقّ، وأمّا أنت باطلٌ مع أهل الباطل. وها هي تلقف ما يأفكون، وتلتهم كالنيران ما ينشرون من وهم وباطل على أنّه حقّ! عصا يحيى حيّة تسعى، قلبت السحر على الساحر وحوّلت أضخم وأقوى سلاح دفعت تلك الجماعة المليارات لتطويره واستخدامه ضدّنا، إلى سلاحٍ وجّهناه نحوهم وبات بأيدينا بحول الله وقدرته، فدمّرناهم به تدميرا وفزنا به بجولة الحرب هذه وبجدارة! انقلب السحر على الساحر، فزدناهم بدل الخسارة خسارتين؛ خسارة مليارات الدولارات التي أنفقوها لبناء ماكينتهم الإعلامية وسرديّتهم الكاذبة، وخسارتهم لتضامن شعوب العالم وانحرافه عن البوصلة الحقيقية. أشعل يحيى، والعم خالد أبو نبهان (أبو ضياء) وغيرهم من أحياء غزة الباقين، نبراسًا أنار ظلمات هذا العالم الذي أعتموه ليضيع ويتوه ويسهل التحكّم به. فقد حطّموا بنضالهم الصادق ترسانة إعلامية ضخمة، ودمّروا باستشهادهم ما سعوا إلى بناءه من أكاذيب وغسل للأدمغة، فأبى أبا إبراهيم إلّا أن يسطّر التاريخ باسمه! وكلّ هذا الضجيج الإعلاميّ والدوليّ، وتحطيم لأوثان الغرب التي عملوا على نحتها ونصبها لعقود وقرون، وكلّ هذه الزلازل الثقافية والدبلوماسية والشعبية التي فككت تحالفات قديمة، وكلّ هذه الطاقة العالمية الجديدة، كلّها ولدت في رأس لاجيء فلسطيني تربّى على حليب وكالات الغوث وخبز الأفران في المخيمات، آمن بحقّ الحرّية، وبنصر الله، وصدق الله ما عاهده، ولم يخذله الله فنال ما تمنّى من شهادة بطولية وأثر خالد إلى يوم الدين.

 

كم أشفق عليهم أبناء القتلة، كلّما حاولوا تسخير جنود الأرض، وكلّ ما أوتوا من إمكانيات وأموال، لإسكات الحقّ والترويج للباطل، جاء الحقّ وأحرق باطلهم ببساطة مشهد صمودٍ وإيمان، أو بمشهد استشهاد بطوليّ ظنّوا أنّه انتصار لهم ليفاجئوا بأنّهم هزموا أنفسهم بأيديهم! النضال بالدم والتضحية بالنفس لا يتساوى مع النضال الإعلامي، لكنّ النضال الإعلاميّ كان جبهة مهمة في هذه الحرب، واعتكافكم لهذا الثغر أكسبنا هذه الجولة إعلاميًا، مما أضعفهم في جميع الجوانب الأخرى حتّى جثوا على الركب أمام طاولة المفاوضات. وعلى ذكر طاولة المفاوضات والحرب الإعلامية؛ ألم تتأمّلوا تفاصيل مشهد التسليم التي اعتنوا بها بدقّة شديدة؟ طاولة المفاوضات التي نصبت في منتصف الساحة، خلفها كرسيّين يمثلان هنيّة وأبا إبراهيم رحمهم الله توكيدًا على أنّهم باقون بيننا، وأنّ شروطهم هي التي ستغلب في المفاوضات لا غيرها، وعلمان فلسطينيان توكيدًا على أنّها فلسطين وفلسطين فقط، ولا وجود لإسرائيل في قاموسنا. وفي الناحية الأخرى من الطاولة لا وجود لكرسيين آخرين للمتفاوضين، رمزيّةً للنصر، وأنّ لا كراسيّ لمن سيجثون على الرّكب ويرضخون لشروط المقاومة!

 

فالإعلام ما أقوى الإعلام! ريّا وسكينة ظهرت براءتهم بعد قرن من الزمان بعد أن كانتا ضحيتان لتشويه الاحتلال الإنجليزي لحقيقة قصّتهما البطولية. أمضوا حياتهما كمناضلتين ضدّ الاحتلال الإنجليزيّ مع شريكيهما عبدالعال وحسب الله. كانوا يقومون باستدراج الجنود الإنجليز وقتلهم. والشاهد في القصّة أنّ من تبنّى القصة المشوهة وبنى عليها بإبداع هي السينما المصرية وليست الإنجليزية، أي الإعلام العربي، فأنتجوا عليها الأفلام والروايات والمسلسلات! فحربنا الآن لم تعد مع المحتلّ فقط، بل مع المحتلّين المتصهينين العرب الذين يمشون بيننا، من قنوات إخبارية وحكومات وسلطات. ولعلّ أنسب مثال على ذلك هو ما تقوم به السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وما قامت به بجنين الصامدة تمهيدًا لدخول العدوّ إليها بحجة حماية أمن الوطن الذي باعوه!

 

هذه المقالة ليست فقط كلمات رنّانة عن بطل من أبطالنا، وإنّما دعوة لكم يا من عكفتم على ثغوركم إعلاميًا طوال عام وثلاثة أشهر، أنّها لم تنته بعد، وأنّ جهودنا يجب أن تضاعف الآن أكثر من قبل! فكما قلت، هذه جولة من جولاتها، أتمنّى أن تمون الجولة قبل الأخيرة، وأن تكون الأخيرة دون خسارة ولا دماء. ويا من صمدتم على المقاطعة، استمرّوا، فهي تحرير لنفوسكم من عبودية المادة وحبّ الشهوات وليس فقط إسنادًا لإخواننا في غزة! ويا من سهرتم الليالي بدموع مقلكم وأيديكم المرفوعة إلى ربّ السماء، لم ننتهِ بعد! غزّة الآن بحاجة إلى إعمارها، وليس فقط إعمارها الحرفيّ، بل إعمار النفوس فيها! غير أنّ توأمتها في الصمود والنضال والمقاومة جنين قد اندلعت فيها النيران بعد أن توقفت في غزة، وهذا عام قد يكون صعبًا عليها وعلى الضفة. لم ننتهِ بعد يا من اختار طريق الله، فأعيدوا تسوية الصفوف، وعودوا لثغوركم وامكثوا فيها والتقطوا عصاه وكأنّه بيننا!


شارك

مقالات ذات صلة