آراء

طبطبة وبشريات لكم يا مؤمني آخر الزمان!

يناير 21, 2025

طبطبة وبشريات لكم يا مؤمني آخر الزمان!

مقالاتي السابقة ونقاشاتي على وسائل التواصل الاجتماعي كانت تعجّ بأحداث آخر الزمان التي ربما أثارت الجزع في نفوس الكثيرين. ولذلك قررت كتابة مقال “طبطبة” طمأنة لكم من وحي نبيّنا ﷺ، فقد أوصانا بأن نبشّر ولا ننفّر، فحملني ذلك على كتابة هذا المقال قبل استكمال البقية. فالقصد من كتاباتي ومقالاتي ليس التنفير أو التهويل، بل التوعية في زمنٍ قُبض فيه نور العلم وانتشرت فيه ظلمات الفتن والجهل، والهدف أيضًا التبشير بما هو آتٍ لأهل الإيمان اقتداءً بقوله ﷺ: “بَشِّروا وَلا تُنفِّروا، ويَسِّروا وَلا تُعسِّروا”. فنحن الفئة من أمّة محمد التي اجتمعت فيها ابتلاءات وفتن كلّ الأقوام السابقة التي أهلكها الله بسببها وربّما أكثر. فترى اللواط والشذوذ والخروج عن خلقة الله والطبيعة البشرية، وترى الكيل في الميزان واستباحة الأعراض والأموال والأنفس، والقتل والحروب والظلم ومنع العلم وتزوير الحقيقة والكذب…الخ.
ولهذا خصّنا الله سبحانه وتعالى دون سائر الأمم بشفاعة نبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم، فقد ورد عن أبي موسى رضي الله عنه أنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أمتي هذه أمة مرحومة، ليس عليها عذاب في الآخرة، عذابها في الدنيا الفتن، والزلازل، والقتل” – رواه الحاكم وغيره.

تفضيل الرّسول لمؤمني آخر الزمان

تعظيم قدر الصحابة عند رسول الله ﷺ ومكانتهم في الإسلام أمر قد استقرّ في عقول ونفوس المسلمين منذ البعثة، ولكن ما قد يغفل عنه الكثيرون هي حقيقة أنّ هناك مؤمنين ذكرهم وأقرن فضلهم بفضل صحابته، وخصّهم برحمات من الله عزّ وجلّ دون غيرهم من على ما سيتحملونه إن كانوا أهلاً لحمل رسالته سبحانه وتعالى.
وقد ورد عنه ﷺ الكثير من الأحاديث في مؤمني آخر الزمان، نسأل المولى عزّ وجلّ أن يجعلنا منهم، فقد روى ابن حبان وأبو داود والترمذي وغيرهم –وصححه الألباني- عن أبي ثعلبة الخشني –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله ﷺ: “إن من ورائكم أيام الصبر، الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهم مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله، وزادني غيره قال: يا رسول الله، أجر خمسين منهم؟ قال أجر خمسين منكم.” اللافت في هذا الحديث هو مقارنة الرّسول ﷺ مؤمني آخر الزمان بصحابته الذين خصّهم بمكانة وفضل عظيم، وهذا يدلّ على مكانة كلّ من اتقى الله ومشى على صراطه المستقيم، وابتعد عن الفتن في أيام كهذه، فما بالكم من رابط في ثغره الذي اختاره الله له إسنادًا لمرابطي عسقلان؟ وبموازاة ذلك، هناك حديثٌ آخر رواه الترمذي –وصححه الألباني- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: “مَثَلُ أمتي مَثَلُ المطر، لا يدرى أوله خير أم آخره” -قال ابن حجر: وهو حديث حسن له طرق قد يرتقي بها إلى الصحة-. وعلى هذا الحديث أستذكر قوله صلّى الله عليه وسلّم أنّ الإسلام يبدأ غريبًا ويعود غريبًا؛ والغربة هي القاسم المشترك بين هاتين الفئتين اللتان عظّم نبيّنا عليه الصلاة والإسلام قدرهما عند الله في أوّل الإسلام وآخره، ووصفهما بالغيث الذي يعيد للإسلام خضرته. ومما أحتجُ به أيضا في هذا الصدد، ما رواه أحمد والدارمي والطبراني من حديث أبي جمعة قال: قال أبو عبيدة: “يا رسول الله: أأحد خير منا أسلمنا معك وجاهدنا معك؟ قال: قوم يكونون من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني.” -إسناده حسن وقد صححه الحاكم.
 وكما أسلفت الذكر في مقالاتي السابقة، وعلى صفحاتي في وسائل التواصل، فإنّنا في فتنة تغربل الناس إلى فسطاطين: فسطاط إيمانٍ لا كفر أو نفاق فيه، وفسطاط كفر لا إيمان فيه، فعلينا أن نعدّ العدّة بتطهير أرواحنا والعودة إلى الله بصدقٍ، وجعل بيت المقدس هي البوصلة والميزان الذي نكيل عليه الأحداث والفتن ما استطعنا، فبيت المقدس وبلاد الشام هما مفتاح الساعة، أعين العالم بطوائفها كلّها عليهن، ففيها سيظهر المسيخ الدجال وفيها يقتله المسيح عيسى بن مريم عليه السلام، ومنها تبدأ الخلافة الإسلامية الراشدة من جديد.

عمار بيت المقدس

ورد حديث عن خير الخلق ﷺ يكشف فيه الخطّ الزمني للأمة من خلال بيت المقدس، التي هي مفتاح الساعة؛ عن معاذ بن جبل  رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ: “عمران بيت المقدس خراب يثرب، وخراب يثرب خروج الملحمة، وخروج الملحمة فتح قسطنطينية، وفتح قسطنطينية خروج الدجال.” -رواه أبو داود-. وفيه أخبرنا رسولنا الكريم أنّ عمران بيت المقدس سيأتي في آخر الزمان لكن بعد خرابها أوّلاً، وهذا ما نمرّ به منذ النكبة وقيام دولة الإسرائيل، وربّما بدأ قبلها والله تعالى أعلم. وقد اجتهد الكثير من علماء الحديث بتفسير هذا الحديث عن طريق إسقاطه على أزمنتهم وأحداثها التي عاصروها، لكنّ معظم العلماء استدلّوا بحديث آخر للدلالة على أنّ عمران بيت المقدس هو نزول الخلافة فيه؛ فعن عبد الله بن حَوَالة الأزدي، قال: {إذا رأيت الخلافة قد نزلت أرض المقدسة فقد دنت الزلازل والبلابل والساعة يومئذ أقرب من الناس من يدي هذه من رأسك.} -صححه الألباني في صحيح أبي داود- (والبلابل: الهموم والأمور العظام).

إذًا فأبشروا والله تعالى أعلم قد تكونون تلك الفئة من أمّة محمد التي تعاصر زوال هذا الكيان الغاصب عن أرض فلسطين الطاهرة، وتشهدون عمران بيت المقدس بخلافة المهديّ الذي سيملأ الأرض خيرًا لقوله صلّى الله عليه وسلّم؛ عن أبي سعيد الخدري أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: يخرج في آخر أمتي المهدي، يسقيه الله الغيث، وتُخرجُ الأرض نباتها، ويعطى المال صحاحًا، وتخرج الماشية، وتعظم الأمة، يعيش سبعًا أو ثمانيًا (سنين).” – رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي، وقال عنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة: هذا سند صحيح رجاله ثقات.

عودة الخلافة وزوال الظلم

عمران بيت المقدس يعني قيام الخلافة الإسلامية وعاصمتها القدس الشريف، وانتشار الإسلام في الأرض حتّى تصير الغلبة له، وفي هذه الفترة أيضًا يسلم الروم وتعود الحياة دون تكنولوجيا كما أسلفت الذكر بأدلّة من السنّة والواقع في مقالات سابقة، -وذلك والله تعالى أعلم-. عودة الخلافة الإسلامية على منهاج النبوّة في آخر الزمان أمر أكّد حدوثه رسولنا الكريم صلّى الله عليه وسلّم في حديثه الذي يمكننا وضعه جنبًا إلى جنب مع حديث عمار بيت المقدس كخطّ زمنيّ يساعدنا في رؤية وفهم سير الأحداث بوضوح وموقعنا التقريبي منها، ألا وهو حديث الخلافة الراشدة؛ فقد روى الإمام أحمد عن النعمان بن بشير رضي الله عنه، قال: كنا جلوساً في المسجد فجاء أبو ثعلبة الخشني فقال: يا بشير بن سعد أتحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمراء، فقال حذيفة: أنا أحفظ خطبته. فجلس أبو ثعلبة. فقال حذيفة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكًا عاضًا فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكًا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت.” -صححه الألباني في السلسلة الصحيحة، وحسنه الأرناؤوط.

 إن نظرنا للحديث فالظاهر والله أعلم أنّنا في الملك الجبريّ الظالم، ويدل على ذلك أيضًا ما رواه الطبراني عن حاصل الصدفي عن النبي ﷺ قال: “سيكون بعدي خلفاء، ومن بعد الخلفاء أمراء، ومن بعد الأمراء ملوك، ومن بعد الملوك جبابرة، ثم يخرج رجل من أهل بيتي، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جورًا، ثم يؤمر بعده القحطاني. فوالذي بعثني بالحق ما هو بدونه.” فقيل أن المهدي يخرج بعد الجبابرة، فخلافته هي الخلافة الأخرى التي تكون على منهاج النبوة، لكن الحديث ضعفه الألباني في السلسلة.  أمّا مما ذكر من الأحاديث الصحاح عن المهدي في السنة النبوية: عن أبي سعيد الخدري، قال رسول الله ﷺ، “المهدي منّي، أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطًا وعدلاً، كما ملئت جورًا وظلمًا، يملك سبع سنين.” -رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وأحمد، وصححه الألباني.

الغلبة للإسلام وانتشاره

قال الشاعر: “نعيب زماننا والعيب فينا” ويقول سبحانه وتعالى في كنابه: {عسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرُ لكم} وأنا أقول لكم: يا أهل آخر الزمان، اختارنا الله لهذه الفترة وخصّنا برحمات عظيمة منه إن كنّا أهلاً لحمل الرسالة، فاستغلّوا هذا الأمر ولا تنظروا إلى ما نحن فيه أنّه شؤم، أو تكرهوا ما نحن فيه من ابتلاء وفتن طالتنا ونحن في بيوتنا التي لم تعد آمنة، بل اقبلوا كرامات الله لنا واسعوا بما أمر وكونوا أهلاً لحمل راية الإسلام، فبأي حال نحن مكتوب علينا أنّ نمرّ بهذه الأهوال والفتن، فلنمرّ بها كما يحبّ الله ويرضى كي ننال هذا الفضل العظيم.
 فانظروا، ها هو ياسمين الشام قد عاد حرًا يغنّي للصباحات بعبقه، وها هو زيتون فلسطين لم ينحني بعد حتّى رأينا العالم بكبره يرضخ لبنود غزّة بحجمها الصغير وبحصارها الذي طال. نحن الفئة من الأمة التي تواجه خياران لا ثالث لهما؛ إما أنّها تركب موج الطوفان مع الصالحين ليبقوا في رباط إلى يوم الدين مع أهل الرباط في الشام، وإمّا أنّها مع الغثاء والقذر حيث المنافقين الذين فضّلوا متاع الحياة الفانية فرسوا على شواطئ الدنيا الدنيّة تاركين مجد الطوفان العارم، فأين اخترت أن تكون؟

شارك

مقالات ذات صلة