فنون

قصةُ حبٍ هالِك على أنغام كونشيرتو البيانو لـ “رخمانينوف”

يناير 18, 2025

قصةُ حبٍ هالِك على أنغام كونشيرتو البيانو لـ “رخمانينوف”

“ديفيد لين” الفائز بجائزة الأوسكار مرتين لأفضل إخراج، هو من أقوى صناع الأفلام في تاريخ السينما حسب آراء النقاد والجماهير، كما أن المخرج الشهير “ستيفن سبيلبيرغ” يعتبره أستاذًا ومُلهِمًا، وأنا شخصيًّا أعترف أنه مخرج متميز، وقد أعجبتني معظم أفلامه الأولى التي أنتجها وأخرجها في وطنه بريطانيا، لكن أفلامه التي أنتجها وأخرجها في أمريكا لا تستهويني برغم قوتها وضخامتها مثل، وخاصّةً أفلامه الأربعة الأخيرة:-

‏Lawrence of Arabia / Doctor Zhivago / Ryan’s Daughter /A Passage To India


لعل السبب هو أن “ديفيد لين” لديه أسلوب معيّن في أفلامه بجعلها تفصيلية وطويلة، وغالبًا ما أشعر بالملل من بطء الأحداث والإسهاب في المَشاهِد، وأنا لست متحاملًا على الأفلام الطويلة، ولكن المسألة في النهاية تعتمد على طبيعة الفيلم والنص والإخراج، وأيضًا ذائقة الشخص.

الفيلم البريطاني “Brief Encounter” أو “لقاء عابر”، الذي أُنتِجَ في عام 1945، هو من أفلام “ديفيد لين” الأولى، قبل الشهرة العالمية، والتي كانت مختلفة تمامًا عن أفلامه الملحمية اللاحقة التي بدأها بتحفته الفنية العظيمة “The Bridge on The River Kwai” في عام 1957.


فيلمه الكلاسيكي هذا أعتبره واحدًا من أفضل الأفلام الرومانسية على الإطلاق، وهو مقتبس بتصرّف من مسرحية “طبيعة صامتة” للكاتب الشهير “نويل كوارد”، وتدور الأحداث في بريطانيا قبل الحرب العالمية الثانية مع “لورا جيسن”، وهي امرأة متزوجة ولديها طفلين، والتي تخرج من مقهى في محطة القطار لتعود إلى منزلها، لكنها تشعر بوجود ذرّة غبار في إحدى عينيها، فتعود إلى المقهى وتطلب المساعدة، ويتقدم لمساعدتها الطبيب “أليك هارفي”، الذي هو أيضًا متزوج ولديه طفلين، ومن هذه اللحظة يحدث ما لم يكن في الحسبان، حيث يقعان في الحب.


“لورا” تعيش حياة مثالية مع زوجها الطيب والمُحب “فريد”، ولذلك هي تشعر بتأنيب الضمير والاستياء والخجل الشديد من نفسها، وفي أحد الليالي تجلس أمام زوجها المنهمك بحل الكلمات المتقاطعة في الصحيفة، وتتخيل أنها تعترف له عن حقيقة ما جرى لها.

هذا الاعتراف الذاتي من “لورا” الذي تعود من خلاله بمَشاهِد الفلاش باك إلى ذكريات الأسابيع الماضية مع الطبيب “أليك” هو سر جمال الفيلم، لأنها تخاطبنا فيه بصوتها كراوية للأحداث طوال الوقت، على أنغام “كونشيرتو البيانو الثانية” للموسيقار الكلاسيكي الروسي “رخمانينوف”.

النص السينمائي الذي كتبه كلٌ من “ديفيد لين” و”رونالد نيم” و”أنتوني هافلوك ألان” كان رهيبًا بأحداثه وحواراته التي تعلَق في الذاكرة، ولا أنسى الأداء المدهش من “سيليا جونسون” بشخصية “لورا جيسن”، وكذلك بقية الممثلين الذين قدّموا أداءً متميّزًا، بمن فيهم: “تريفور هاورد” بشخصية الطبيب “أليك هارفي”، و”سيريل ريموند” بشخصية “فريد جيسن”، و”ستانلي هولووي” بشخصية “ألبرت غودبي”، و”جويس كاري” بشخصية “ميرتل باغوت”.

 

ترشّح الفيلم لـ 3 جوائز أوسكار، لأفضل إخراج وأفضل نص سينمائي وأفضل ممثلة “سيليا جونسون”. طريقة تنفيذ الفيلم كانت مبتكرة وجميلة، بالنظر إلى أنه تم إنتاجه قبل ما يقارب 80 عامًا، وبميزانية محدودة لا تتجاوز 210 آلاف دولار، فالسلاسة البصرية في تقديم مَشاهِد الفلاش باك بالمونتاج المتقن وهيكل السرد والتداخل بين صوت الراوية والحدث الحي كانت شيئًا فريدًا ونقطة تحوّل سينمائية آنذاك.

 

شارك

مقالات ذات صلة