آراء

شبر وقبضة: اعدلوا هو أقرب للتقوى

يناير 7, 2025

شبر وقبضة: اعدلوا هو أقرب للتقوى

أعرفُ الغضب جيّدًا وطال أنّ حرّكني، فتجاهلتُ في طريقه غالبُ الإدراك الذي وجب أن يحرّك هو، وأعرفُ الثأر جيّدًا، جذوةً ممتدّةً لم تهدأ بعد، أبقيها في ركنٍ بداخل نفسي، متّقدةً ولو ستحرقني معها، قبل أن تشتعل حيث وجب لها الاشتعال، أطفأ الكثير منها ما خبرته مع من نتبادل الثأر كلٌّ في مظلمته، وربّما أعاد توجيه طاقتها شيءٌ مما فات على البلاد وعلينا (لعلّها شراكةُ الضحايا حين يلتقون “الهويّة الجماعيّة/المشتركة” ولعلّها أعمق، إذ لم تختبر بعد كما يجب، إذ يمكن للضحايا تجاوز خلافاتهم السابقة حين يواجهون تهديدًا أو ألمًا مشتركًا يجعلهم يتبادلون التعاطف وربما التكاتف لمواجهة هذا التهديد، لكن: هل ينهي هذا عداوتهم، أم يقفزُ عليها ولو مؤقتًا إلى حين؟


أقدّر الغضب الذي يستر العقل وطالما وقعتُ أسيرًا له. ولأنّه هو ما أوحلني فيما أُعيّرُ به الآن؛ أُشفِقُ على الذين يسوقهم، فيقدّمون ثاراتهم القديمة -حقيقيّها ومّخلّقها- على الانحياز والاعتقاد الذي يدّعونه، فيهدمون حيث أرادوا البناء، وينسفون الرواية التي أقاموا وجودهم ومظلمتهم عليها من حيث أرادوا الانتصار لها، وهم  -أشخاصًا وتيّارًا- طالما ذكّرونا بـ “لا يجرمنّكم شنآن قوم على ألا تعدلوا….”، لكنّهم كما سبقونا فيه، لا يفوّتون فرصةً لاستعادته.


ولعلّ أهمّ ما وقع فيه البعضُ -بعيدًا عن المغرضين ولقطاء الأجهزة- أنّهم خلطوا بين الشهادة وموقفهم من الشاهد، وكان بيدهم الفصل ولو توقيتًا بينهما، كي لا يتحوّل الغضب أو الكراهية أو العداء للشاهد (وهو حقّ الكلّ تجاه الكلّ بعيدًا عن وجاهته أو أساسه)، إلى نسف للشهادة ذاتها (وهو ما اعتبره غالبهم شراكةً في الجريمة حين صدرت من الشاهد وغيره تجاههم)، ولعلّ نتيجتها الوحيدة هي ترسيخ الجريمة بحقّ الضحايا، وهي مستمرّةٌ ما زالت ولعلّها تتصاعد في موجة مسعورة الآن.


ولستُ ناصحًا يفيض بحكمته على الجماهير، إذ لا حكمة ولا جماهير، وكلٌّ حرٌّ في موقفه ورأيه، وجيهًا كان أو محض هراء، لكنّ الأجدى للقضيّة التي تدّعي أنّها قضيتك، أن تأخذ ما يدعم موقفك، ضغطًا للمحشورين قسرًا في المعتقل دون احتمالٍ للنجاة قريب أو بعيد، وتكملُ به معركتك، استنادًا عليها من مصدرٍ قد يكون وحيدٌ في بعض الحالات التي غيّبت تمامًا لسنين، ويُحظر حتى ذكر أسماءهم علنًا.


وإن كانوا صادقين في هجومهم، لأعلنوا مواقفهم مما تورّطوا فيه قبل مذبحة رابعة وبعدها، تثبيتًا، أو مراجعةً، أو اعتذارًا، أو إصرارًا، لكن احتكار المظلوميّة والاستعلاء بها وقاحة، ومظنّةُ النسيان لدى الآخرين مما لديهم حماقة والاستناد عليها لخلق مظالم حديثة جريمة، والاختبار قائمٌ مازال، تمامًا كما كان، ولكلّ موقعه، بعيدًا عمّن يجاوره، إذ يعرفُ الرجال بالحقّ لا العكس.


وأخيرًا: ما بدأ واستمرّ لأسبوعين حتى الآن، لن يبقى بالضرورة مستمرًّا إلى ما لا نهاية، سواء لقسوتها على النفس التي أقعدتني، أو أثرها على ذوي الضحايا (وهو ما يجعلني أعيد النظر في كلّ شهادة مرّات ومرّات قبل نشرها) أو حتى تحسّبًا لـ لحظةٍ أرضخُ فيها لطوفان الكراهية والعداء والهجوم والتهديد الذي انفتح عليّ منذ بدأت النشر، أو أحيّدُ أنا وشهاداتي على أي صورة، لذا لعلّ الالتفات للشهادات-ولو بعد التحقّق منها- أولى وأجدى، والانطلاق منها لتوثيق الشهادات بشأن الجرائم المرتكبة بحق الكلّ خلف الجدران التي تعلو كل يوم وتبتلع كلّ ساعة حيوات وأرواح الآلاف.


أمّا الجمهور، في غالب تعريفاته، فلا يعوّلُ عليه، ولا يصحّ أن يكون معيار فعل، ولو كان المقصود بذات الفعل، فليس الشاهد “شاويش مسرح” تغذّي غناءاته القبيحة نقوط المعازيم .


شارك

مقالات ذات صلة