مدونات
الكاتبة: رند صفوان
عائلة الأسد: رمزية الطغيان
لم تكن هذه العائلة سوى تجسيدٍ للدموية، للقبضة التي لا تفتح إلا لتلقيح سمّها في أجساد الأبرياء على مدار عقود.
لقد جعلت عائلة الأسد الوطن ساحةً للحقد، حولت مدنه إلى مقابر جماعية وبيوته إلى أنقاض وشوارعه إلى ساحات شقاء، هذه العائلة التي لم تترك وسيلة للظلم إلا واستخدمتها.
لقد جعلت الخوف قانوناً والإهانة نظاماً والدماء لغة التخاطب الوحيدة بينها وبين الناس.
كل صوت نادی بالحرية قُطِع، وكل يد ارتفعت بالحق قُصِفَت، وكل قلب دق بالأمل أُطفِئ في ظلام الزنازين.
لم يكن الأمر مجرّد قمع سياسي بل مشروع إبادة ممنهجة تستهدف اقتلاع الكرامة من جذورها، لقد حوّلت عائلة الأسد الوطن إلى سجن كبير، أغلقت أبوابه على الأبرياء وكان شعارهم “الأسد أو نحرق البلد”، ولم يتردّدوا لحظة في جعل الشعار واقعاً مريراً.
أتباع الطاغية: خدم الجريمة
حين كان نظام الأسد يسحق سوريا وأهلها بالحديد والنار، قصفاً واعتقالاً واغتصاباً وتشريداً، وجدنا من الناس عبيداً من نافحوا عن هذه العائلة بكل ما أوتوا من قوة ونصّبوا الأسد صنماً يعبدونه من دون الله.
هم ليسوا سوى بقايا أرواح متعفنة ارتضت لنفسها أن تكون أدوات للذل والإجرام، كانوا الأبواق التي هلّلت للقتل والعيون التي أعمت نفسها عن رؤية الفظائع والأيدي التي امتدت لتصفّق لكل جريمة مهما عظمت.
إنهم الوجه الآخر للجريمة، الوجه الذي أقنع نفسه أن الولاء للطاغية ضمان للأمان، وأن التضحية بالحق ثمن للبقاء، لكنهم في الحقيقة ضحايا أنفسهم قبل أن يكونوا ضحايا الطغيان، فقد فقدوا كرامتهم وتخلوا عن إنسانيتهم ليصبحوا جزءاً من آلة القتل والقهر، عبيداً لسيدٍ لا يرى فيهم إلا أدواتٍ تُستخدم وتُلقى وهم فعلياً من أطالوا عُمرَ آلِ الأسد في الحكم.
لماذا التعلّق بالطغاة؟
التعلق بالظالمين هو انعكاس لخللٍ داخلي، لعجزٍ عن الوقوف مع الحق وخوفٍ من فقدان مصالح دنيوية زائلة.
إنهم يُبررون مواقفهم بشعارات زائفة ويتذرّعون بالخوف من “الفوضى”، لكنهم يتناسون أن كل قطرة دم أُريقت وكل بيتٍ هُدِّم وكل امرأةٍ أُهينَت، كانت بإرادة هذا الطاغية الذي صنع أكبر فوضى عرفها التاريخ الحديث.
لكن ألم يقرؤوا القرآن؟ ألم تمر أعينهم على الآيات التي وصف الله فيها أمثالهم بدقة؟
قال تعالى:
“كَمَثَلِ ٱلشَّيْطَٰنِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَٰنِ ٱكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّى بَرِىٓءٌۭ مِّنكَ إِنِّىٓ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَٰلَمِينَ” (الحشر: 16).
هكذا هو حال الطغاة ومن ناصرهم: يدفعونهم للهاوية، ثم يتركونهم لمصيرهم، متبرئين من أفعالهم
أين الأسد الآن؟ وأين وعود القوة والاستقرار التي صدقوها؟
أتى السقوط، تبرأ منهم الطاغية كما يتبرأ الشيطان من أتباعه.
ظنوا أنهم بحمايتهم له سيخلدون، لكنهم اليوم جرذانٌ في الظل، لا اسم لهم ولا مكانة، أصواتهم التي كانت تهلل للطغاة أصبحت عواءً في الفراغ، لقد انهار الصنم الذي عبدوه وبقوا بلا رب، محاطين بالخزي والعار
الثورة السورية حدث فارق لا يتكرّر كثيراً في مسار الأجيال، من ناصرها فاز ومن خذلها أسقطه التاريخ في مزبلته!
الحرية التي لم يستحقوها
لقد دفع الأحرار الثمن الأغلى في سبيل تحطيم قيود الطغيان وتحرير الوطن من الاستبداد.
هم من واجهوا الظلم بصدور عارية وهم من صبروا على القتل والتشريد ودفعوا دماءهم وأرواحهم ثمناً لحرية قد ينالها الجميع، حتى أولئك الذين كانوا أدوات في يد الطاغية
هؤلاء الذين صفقوا للجلاد وساهموا في تعميق الجراح سيحصلون على الحرية التي صنعناها بدمائنا، لكنهم لن ينالوا الكرامة، لأن الكرامة ليست هبة تُمنح، بل موقف يُتخذ ومسار حياة يُختار.
لقد اختاروا طريق الذل، فكيف لهم أن يتذوقوا طعم الكرامة التي صنعها الأحرار بآلامهم؟ سيعيشون أحراراً بفضلنا، لكن أرواحهم ستظل سجينة خيانتهم.
العيش المشترك: سوريا للجميع
رغم الألم والجراح التي زرعها الطغيان بين أبناء الوطن، تبقى سوريا وطناً يتّسع للجميع
سوريا ليست ملكاً لعائلة ولا حزباً ولا طائفة، بل هي لكل من يؤمن بحق العيش المشترك والعدالة والمساواة
لقد علّمتنا الثورة أن الظلم لا يُواجه بالظلم وأن الحل الوحيد لبناء وطن مستقر هو أن نتشارك في إعماره، كلٌ على أساس مواطنته لا على أساس عرقه أو طائفته
في سوريا التي نحلم بها، لن يكون هناك طاغية يفرض سلطته على الناس ولن يكون هناك مكان لعبودية أو خضوع
ستكون وطناً حراً لكل من يؤمن بالحرية، وطناً عادلاً لكل من يسعى للعدالة.
الخاتمة: الشعوب هي الأوطان
إن أخطر ما يمكن أن تقع فيه الشعوب هو أن تربط مصيرها بشخص أو عائلة أو زعيم، فتختزل الوطن كله في صورة فرد فانٍ!
فالله وحده الباقي حين تفنى كل قوة
يقول الله تعالى: “كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو ٱلْجَلَٰلِ وَٱلْإِكْرَامِ” (الرحمن: 26-27).
الأوطان أعظم وأبقى من أي شخص والقادة في مناصبهم إنما هم خدم للشعوب، لا أسياد عليهم.
التطبيل للطغاة هو أول طريق الهلاك، حيث يتحول الوطن إلى مزرعة تُسخر لخدمة الحاكم بدل أن يكون الحاكم في خدمة الوطن.
إن مستقبل الشعوب يصنعه وعيها وحين تتحرر العقول من عبادة الأشخاص، تصبح الأوطان حرة ويحيا الجميع في ظل العدالة والمساواة.
لا تطبّلوا لأحد، ولا ترفعوا شخصاً فوق الوطن!