وُلدَ الكاتب المناهض للعبودية “فريدريك دوغلاس”، عبداً في “ماريلاند” عام 1817، كان قد كتب في كتابه الشهير “عبوديتي وحريتي”:العبودية منظومة مبنية على خلق مستويات عميقة من الخوف!
كان دوغلاس يسير دوماً عكس التيار!
علَّمَ نفسه القراءة والكتابة، رغم خطر العقوبة المشدد!
وحين جُلِدَ عقاباً على سلوكه المتمرد، هربَ إلى الولايات الشمالية في امريكا،
في سن العشرين دون أي أموال أو علاقات!
ولكنه سرعان ما صار قيادياً في حركة مناهضة العبودية، يجوب الولايات الشمالية، سارداً على الجماهير عن شرور العبودية.
أراد منه مناهضو العبودية أن يظلَّ في دائرة محاضراته، ليكرر نفس الحكايات مراراً وتكراراً، ولكنه أراد لنفسه أكثر من ذلك، فتمرَّدَ مرَّةً أخرى، وأسس جريدته الخاصة المناهضة للعبودية، وهو تصرف غير مسبوق من عبدٍ سابق!
وحققت الجريدة نجاحاً ساحقاً!
أحياناً على المرء أن يخطو خُطوةً أبعد، لأن الخطوة الوحيدة المتاحة، أو التي يبدو أنها كذلك، في الغالب لا تُؤدي إلى نتائج مرجُوَّة!
كان أمام دوغلاس أمران لا ثالث لهما،
أن يتحمل عذاب الجلد كل مرَّة، أو أن يهرب، فاختار أن يهرب!
لقد رأى أن المجهول الذي فيه حرية ومغامرة، أفضل من العبودية المبنية على السلامة إن هو أطاع!
وبالمناسبة العبودية هي العبودية، ليس لها اسم آخر، ومهما كان طول الحبل الذي يُربطُ به المرء!
المرءُ إما أن يكون حُراً أو يكون عبداً، لا يوجد منطقة وسطى!
الحياة في الغالب لمن يجرؤ فقط، ولمن يستطيع المواجهة، ولمن يرفض أن يكون في عنقه سلسلة ولو كانت من ذهب، ولكنها جرأة متعقلة، وإلا صار الأمر تهوراً، وجرأة منبثقة من قيمة عليا ومبدأ، وإلا صار الأمر انحلالاً!
بلال بن رباح تخلَّد في التاريخ لأنه،
ثار على منظومة العبودية التي أرستها الجاهلية،
العبدُ ملكٌ لسيده، هكذا كانت تقول شريعتهم،
ليس له أن يختار ديناً، ولا رأياً، ولا حتى عاطفة بخلاف ما يأمر به السيد!
أما بلال فكان له مع كل هذا شأن آخر،
كانت أعلى أيامه في سلَّم الحرية حين رُبطَ على رمال مكة الملتهبة،
ووضعت الصخرة على صدره!
كان موثقاً في الظاهر طليقاً في حقيقة الأمر، لقد هزَّ منظومة العبودية كلها!
سعد بن أبي وقاص تخلَّد في التاريخ لأنه أخذ موقفاً مغايراً لما تعرفه مكة،
بل لما تعرفه العربُ جميعاً!
العقيدة أهم من العائلة! هذا كان عنوان ثورته،
وحين أقسمت أمه أن تقف في الشمس،
فلا تأكل ولا تشرب حتى يرجع عن دينه،
قال لها: يا أماه، لو كانت لك مئة نفس، خرجتْ نفساً نفساً ما تركتُ هذا الدين!
صهيب الرومي تخلَّد في التاريخ لأنه قلبَ مفهوم المُلكية!
المال صنو الروح، هذا ما تقوله العرب،
ولكنه عندما خرج مهاجراً يريدُ المدينة، لحقت به قريش تحاول إرجاعه،
فلما عجزتْ ساومته على ماله،
كيف تأتينا صعلوكاً لا مال لكَ وتريدُ أن تُغادرنا ثرياً؟!
هذا ما قالوه له!
ولكنه دلَّهم على موضع ماله، فأخذوه، ومضى هو إلى حيث حبيبه،
وفي المدينة تلقاه النبيُّ صلى الله عليه وسلم بابتسامته العذبة،
وكان جبريلُ قد أطلعه على ما كان بين صهيبٍ وقريش،
فقال له: ربح البيعُ أبا يحيى!
البشريَّةُ في كلِّ عصرٍ ما تنفكُّ تضعُ قوالب جديدة من العبودية، وتصبُّ النَّاسَ فيها، وحدهم الذين يخرجون من هذا القالب يُصبحون أحراراً فعلاً!
لم تعد العبوديَّة على شكلِ أغلال وسلاسل، وإنما صار لها أشكال شتَّى!
عبودية هذا العصر في المفاهيم والنُّظم التي تُشبه آلة كبيرة، والدُّول والأفراد فيها على شكلِ قطع صغيرة مُشغِّلة لهذه الآلة!
يحسبُ الجميع أنهم أحرار لأنهم أقنعوهم أنَّ من لا مكان له في هذه الآلة فهو عاطل عن العمل، ولا قيمة له!
بينما في الحقيقة نحن لسنا إلا براغي صغيرة، في قطعٍ أكبر، تجمَّعتْ في آلة كبيرة هو هذا النِّظام العالميّ السائد اليوم!