فنون

محاكاة عميقة للواقع الإعلامي والسياسي في العالم: Network

ديسمبر 28, 2024

محاكاة عميقة للواقع الإعلامي والسياسي في العالم: Network

فيلم “Network” أو “الشبكة” هو من إنتاج عام 1976، للمخرج “سيدني لوميت”، وبالرغم من مرور نحو نصف قرن على الفيلم، إلّا أنّه لم يفقد بريقه، وكأنه يتحدث عن واقعنا الحالي بصراحته الشديدة وجرأتة فيما يخص التأثير الإعلامي على السياسة والعالم، وبالتحديد تأثير التلفزيون، فقد كان فيلمًا رائعًا حقًّا، وهو يحتل اليوم مركزًا متقدّمًا في قائمة أفضل 250 فيلمًا في موقع imdb حسب تصويت الجمهور.


“بادي تشايفْسْكي” كتب واحدًا من أقوى النصوص السينمائية على الإطلاق بمحاكاته الساخرة للواقع، وطرح قصةٍ بقالب من الدراما والكوميديا السوداء، وتلامس المجتمع بكونها مليئة بالأفكار والتنبّؤات المستقبلية والإسقاطات السياسية والحوارات الرنّانة والشخصيات المثيرة للاهتمام، وقد نال عنه جائزة الأوسكار لأفضل نص سينمائي أصلي.


تدور أحداث الفيلم حول المذيع المضطرب “هاوَرد بيل” الذي يعمل في شبكة تلفزيونية شهيرة، وبعد انخفاض نسِب المشاهدة لبرنامجه، يتم إنذاره بالفصل من عمله، فيقوم خلال وجوده على الهواء مباشرة بإخبار المشاهدين في البرنامج بقرار فصله، وأنه سينتحر أمامهم، ويسبّب ذلك اضطرابًا كبيرًا لكبار المسئولين الشبكة.


يتراجع “هاوَرد بيل” عن قرار الانتحار إذا تمّ السماح له بتقديم حلقته الأخيرة، التي يطلق فيها العنان لنفسه بالتحدث بحرّية عن أمور الحياة ومشاكلها، وتلك الحلقة تبهر الجمهور وترفع نسِب المشاهدة، فتستغله الشبكة بعد استعادة شعبيته لخدمة مخططاتها الخبيثة.


رئيس قسم الأخبار “ماكس شوماخر” يرفض استغلال “هاوَرد بيل”، فيتم طرده من الشبكة واستبداله بالمنتجة الشرسة “ديانا كريستينْسِن”، التي لا تمتلك أيّة ذرة من المشاعر والإنسانية، ولا يهمها شيء سوى “الشبكة” والتلفزيون والمشاهدات، وتتعقد الأمور حين تنخرط في علاقة غرامية مع “ماكس شوماخر”، الذي طُرِد بسببها، ومن أجلها ينفصل عن زوجته المخلصة والمُحِبّة “لويز”، ومن هنا تصبح الأحداث جنونية بمعنى الكلمة.


“بيتر فينْتش” الذي أدّى شخصية المذيع “هاوَرد بيل” توفّي بسكتة قلبية بعد انتهاء تصوير الفيلم بفترة وجيزة، وقد ترشّح وفاز بجائزة الأوسكار لأفضل ممثل وهو في قبره، وتُعتَبر تلك أول جائزة أوسكار في التاريخ تُمنَح لممثل بعد وفاته.


“فاي دوناوي” أيضًا فازت بجائزة الأوسكار لأفضل ممثلة عن أدائها لشخصية المنتجة “ديانا كريستينْسِن”، وكذلك فازت “بِياتْريس ستريْت” بجائزة أفضل ممثلة مساعدة عن أدائها لشخصية “لويز شوماخر”، ولغاية اليوم هي صاحبة أقصر أداء تمثيلي يفوز بالأوسكار، حيث أنّ المدة الزمنية لظهورها في الفيلم لم تتجاوز 5 دقائق فقط.


“وليام هولدن” ترشّح لجائزة أفضل ممثل عن أدائه المبهر لشخصية رئيس قسم الأخبار “ماكس شوماخر”، و”نيد بيتي” ترشّح لجائزة أفضل مساعد عن أدائه لشخصية الرئيس التنفيذي “آرثر جينْسِن”. ترشّح الفيلم أيضًا لـ 4 جوائز أوسكار أخرى، لأفضل فيلم وأفضل إخراج لـ “سيدني لوميت” وأفضل تصوير وأفضل مونتاج.


بالإضافة إلى النجوم الخمسة، الذين فاز ثلاثةٌ منهم بالأوسكار وترشّح إثنان، شارك في التمثيل أيضًا “روبرت دوفال” بشخصية نائب الرئيس التنفيذي للشبكة “فرانك هاكيت”، و”ويسْلي آدي” بشخصية “نيلسون تْشاني”.


العبارة الشهيرة من خطاب “هاوَرْد بيل”: “أنا غاضب جدًّا، ولن أحتمل ذلك بعد الآن” لا تزال عالقة في الأذهان، وقد تم تصنيفها من معهد الفيلم الأمريكي كواحدة من أفضل عبارات الأفلام في تاريخ السينما، حتى إنّها كُتِبَت على المنتجات التجارية، كالأكواب والملابس وغيرها، ولا تزال رائجة في السوق الأمريكي.


مُشاهدة الفيلم في وقتنا الحاضر تعطيه قوة أكبر ونظرة أدق على الوضع الإعلامي والسياسي والأخلاقي الذي نعيشه حاليًّا، والتنبُؤات التي طرحها الفيلم كانت محض خيالٍ ساخر آنذاك، ولكنها واقعٌ مخيف اليوم، وكما قال “هاوَرد بيل”: “إنْ أردتم الحقيقة، توجّهوا إلى ربّكم، إلى معلّيمكم، توجّهوا إلى أنفسكم. لن تحصلوا على أيّة حقيقة منّا”.


بالرغم من فوز الفيلم بـ 4 جوائز رئيسية في حفل الأوسكار، إلّا أنّه لم يفز بجائزة أفضل فيلم وجائزة أفضل إخراج، فقد كانتا من نصيب فيلم الملاكمة “Rocky”، وقد اعترف المخرج “سيدني لوميت” لاحقًا أنّه شعر بالغضب والاستياء الشديد لعدم فوز فيلمه، والجدير بالذكر أنّ “سيدني لوميت” ترشّح لجائزة الأوسكار خمس مرّات دون فوز على امتداد مسيرته الفنية، حتى تم تكريمه في عام 2005 بجائزة الأوسكار الفخرية عن مجمل أعماله، وقد توفّي في عام 2011 عن عمر 86 عامًا.


شارك

مقالات ذات صلة