تجارب

“هو تشي مينه”.. الشاب الذي قاد مقاومة تحرير فيتنام

ديسمبر 24, 2024

“هو تشي مينه”.. الشاب الذي قاد مقاومة تحرير فيتنام

الكاتب: شادي إبراهيم

 

“هو تشي مينه” أحد أهم الأسماء البارزة في تأسيس حركة المقاومة في فيتنام ضد قوى الاستعمار الياباني والفرنسي خلال الحرب العالمية الثانية. كانت بدايته الحقيقية في الخارج وذلك عكس الكثير من القيادات التي استطاعت أن تقود حركات التحرر في وطنها من مسقط رأسها، ففي أثناء إقامته في فرنسا من عام 1917 إلى عام 1923، برز اسم “هو تشي مينه” كناشط سياسي. ففي يونيو 1919، قدم هو تشي مينه عريضة بعنوان “مطالب الشعب الأنامي” إلى مؤتمر فرساي للسلام، داعيًا إلى الحقوق المدنية وتقرير المصير للشعب الفيتنامي تحت الحكم الاستعماري الفرنسي. وعلى الرغم من عدم تلقي العريضة أي رد، إلا أنها جعلته صوتًا بارزًا بين المغتربين الفيتناميين الواعين سياسيًا. وخلال فترة بقائه في لندن بكى عندما سمع عن عمدة كورك الأيرلندي، الذي سجنه البريطانيون وتوفي بعد إضراب عن الطعام دام 74 يومًا. قال هو إن الحادث جعله يدرك أن الأوروبيين يمكن أن يختبروا أيضًا الهيمنة الاستعمارية وأن النضال من أجل الاستقلال لم يكن استثناءً فيتناميًا، وهو ما جعله يقتنع أن طريق التحرر والاستقلال هو طريق عالمي. 


قبل وصوله فرنسا التحق بالمدارس في اليابان، حيث عاش فان في المنفى، حتى طردتهم الحكومة اليابانية بعد أن حصلت على قرض من مؤسسة مصرفية فرنسية في عام 1908. وقد غادر تشي مينه إقليمه الأصلي في سن التاسعة عشرة، بعد أن عوقب والده، وهو رجل من كبار رجال الأعمال كان يعمل رئيسًا للمنطقة، بسبب إساءة استخدام السلطة، وتم طرده وسقط في الفقر المدقع. ومع ذلك، وعلى عكس غيره من الشباب القوميين، لم ينضم إلى الشباب الذين جندهم الثوري فان بوي تشاو.  ليعمل تشي مينه لاحقا على متن سفينة شحن فرنسي كطباخ ومضيف متأثرا بمقولة كونفوشيوس التاريخية الشهيرة “عبر البحار الأربعة، كل الرجال إخوة”، اختار هو تشي مينه العمل في البحر. 


عندما اندلعت الحرب العالمية الأولى عام 1914، كتب تشي مينه بطاقة بريدية إلى فان تشاو ترينه زعيم حركة التحديث الفيتنامية الذي كان يسكن في فرنسا وقد اعتمدت الحركة على الحكومة الفرنسية لإصلاح النظام الاستعماري بما يتماشى مع فلسفة التنوير ومبادئ ثورة 1789: 


” تنطلق النيران في الهواء وتغطي الجثث الأرض. تشارك خمس قوى عظمى في المعركة. تسع دول في حالة حرب … أعتقد أنه في غضون الأشهر الثلاثة أو الأربعة المقبلة، سيتغير مصير آسيا بشكل كبير. يا للأسف على أولئك الذين يقاتلون ويكافحون. علينا فقط أن نبقى هادئين”. 


كان ذلك إدراك واسع لمآلات الحرب العالمية الأولى على الشعوب الآسيوية، حيث رأى فيها فرصة للشعوب لتقود حركات تحررها من قوى الاستعمار العالمي.  وقد رأي أن الانتفاضتين التي خرجت عامي 1916 و1917 في وسط فيتنام وفي المقاطعة الشمالية “ثاي نجوين” لأكثر من شهر أنها إشارات هامة نحو التحرر وأنها قدمت لفرنسا دليل على أنها يجب أن تغير نظامها الاستعماري وتصلحه بالرغم من فشل الانتفاضتين. لكنه مع الوقت أخذ يختلف معه ويتبنى منهجا مغايرا تماما مما يؤكد على عمق الفرق بين المشاريع السياسية وآرائهم حيث كان فان تشاو  يقول “يتعين علينا إحداث ضجيج” (بمعنى “الثورة”)، فيما لم يكن الحزب الاشتراكي الفرنسي مهتمًا كثيرًا بالقضايا الاستعمارية، وكانت عملية الإصلاح بطيئة للغاية بالنسبة لتشي مينه حيث قال: “لا يمكننا الانتظار أكثر من ذلك”.


وفي ديسمبر 1920 انضم إلى الحزب الشيوعي الفرنسي، وهو حزب مستوحى من نجاح الثورة البلشفية في روسيا ومبادئ مناهضة الإمبريالية التي دعا إليها لينين. وانخرط في لجنة الشؤون الاستعمارية وبدأ في الترويج بنشاط للدعاية المناهضة للاستعمار من خلال الكثير من المنشورات، بما في ذلك تحرير مجلة “Le Paria”، وهي مجلة متخصصة في القضايا الاستعمارية. حضر تشي مينه العديد من الاجتماعات والفعاليات الاشتراكية، وتحدث ضد الاستعمار الفرنسي وحشد الدعم للشعوب المضطهدة. وكان مشاركًا بشكل نشط في جمع التبرعات لدعم الثورة الروسية خلال المجاعة الناجمة عن التدخل الأجنبي. كما كانت تجربته داخل الحزب الشيوعي الفرنسي تميل لتبني نهجا ثوريا وتبني أفكار اشتراكية، وهو ما جعله ينتقد الحزب الاشتراكي الفرنسي لافتقاره إلى التركيز على القضايا الاستعمارية، ودعا إلى موقف أكثر عدوانية ضد الإمبريالية. لكن مع تبني مواقف ثورية أخذ يضيق الحزب عليه ليقرر عام 1923 أن يغادر إلى موسكو ليواصل تعليمه الثوري وتنظيم القوميين الفيتناميين في الخارج. مع خبرة سياسية كبيرة اكتسبها خلال التحاقه بالحركة الاشتراكية في فرنسا. 


في 3 فبراير 1930، ترأس تشي مينه المؤتمر التأسيسي للحزب في جيولونج (هونج كونج). وافق المؤتمر على البرنامج السياسي الموجز والسياسة الموجزة والنظام الأساسي للحزب الذي صاغه تشي مينه. وألقى نداءً بمناسبة الحزب الشيوعي الفيتنامي (الذي أعيدت تسميته لاحقًا بالحزب الشيوعي في الهند الصينية، وحزب العمال الفيتنامي، والآن الحزب الشيوعي الفيتنامي). كان ذلك بمثابة نقطة تحول في تنظيم صفوف المقاومة الفيتنامية. وبعد عمل مكثف من التنظيم وخلال اشتعال الحرب العالمية الثانية قرر  تشي مينه العودة إلى فيتنام عام 1941 مستغلا الفرصة التي أخذت تتبلور إقليميا في آسيا ليؤسس بعدها “رابطة الاستقلال الفيتنامية” لتتولى القيادة الميدانية وتنظم صفوف المقاومة ضد القوى الاستعمارية اليابانية والفرنسية خلال الحرب العالمية الثانية.


ومع نهاية الحرب العالمية الثانية في سبتمبر 1945 قرر تشي مينه أن يشن حرب الاستقلال ضد القوات الفرنسية في 13 ديسمبر 1946، أي بعد نحو عام من نهاية الحرب العالمية الثانية. مستغلا بذلك ضعف القوات الفرنسية، واستطاع أن يحقق انتصارا كبيرا ومصيريا ضد القوات الفرنسية في مايو عام 1954 وذلك في معركة “ديان بيان فو” والتي كانت نقطة تحول في مسار الاستقلال في الشمال، وهي تعد واحدة من أطول المعارك الدموية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية حيث استمرت 57 يوما. كانت الخسائر كبيرة في صفوف القوات الفرنسية، ولم يعد سوى 3300 جندي من أصل 15 ألف جندي فرنسي في المعسكر بعد أن قتل العدد نفسه تقريبا وسقط أكثر من 10 آلاف بين أسير ومفقود، في المقابل قتل نحو 8 آلفا مقاوم فيتنامي وأصيب نحو 15 ألف. كانت المعركة مصيرية للقوات الفرنسية، حيث لم تكن الهزيمة حاسمة فقط في فيتنام، بل تسببت الهزيمة في انهاء الوجود الاستعماري الفرنسي في آسيا. 


وبعد تحرير الجزء الشمالي من فيتنام (1955)، وجه الرئيس تشي مينه مع اللجنة المركزية للحزب المقاومين لتنفيذ مهتين استراتيجيتين للثورة الفيتنامية وهما بناء الاشتراكية في الشمال؛ ومواصلة النضال من أجل تحرير الجنوب وإعادة توحيد البلاد، ليدخل بعدها في حرب مع حكومة الجنوب التي كانت تدعمها أمريكا، حيث قدم الدعم العسكري واللوجستي لمقاتلين في جنوب فيتنام  والمعروفين باسم “فيت كونغ” ودعم تكتيكات حرب العصابات التي ساهمت في استنزاف حكومة الجنوب والولايات المتحدة. 


عمل تشي مينه على الحصول على الدعم من الحلفاء الشيوعيين، وخاصة الصين والاتحاد السوفييتي، لتعزيز موقفه ضد التدخل الأمريكي في جنوب فيتنام، واستطاع أن يؤمن دعما للمجموعات المقاتلة في الجنوب بجانب بناء الدولة ومؤسساتها وشركاتها على النظام الاشتراكي. وكان لتلك الاستراتيجية المزدوجة دور كبير في تمهيد الطريق لتصعيد الصراع مع الولايات المتحدة، مما أدى إلى التدخل العسكري المباشر بدءًا من عام 1965. لتدخل فيتنام في صراع طويل قرابة عشر سنوات، والذي استمر حتى عام 1975، وبلغ ذروته بإعادة توحيد فيتنام تحت السيطرة الشيوعية بعد سقوط سايجون في الجنوب. ليكتب تشي مينه نهاية الاحتلال الفرنسي والياباني والأمريكي في حرب طويلة وممتدة أسس بعدها دولة فيتنام التي نعرفها اليوم. 


شارك

مقالات ذات صلة