من يقرأ أدب السجون يجد أن السجون السورية هي الأقسى والأشد. ولو أنك سألت سجناء غوانتنامو عن عذابهم في السجن، لوجدت أنهم يقولون صراحةً إن معاناتهم ليست شيئاً مقارنةً بعذابات السجون السورية!
الجنون الذي يحدث في هذه السجون هدفه بث الرعب في نفوس الناس، وليس حبس حريتهم فحسب. هذا ما يدفع السجّان إلى ارتكاب ما لا يتخيله العقل الآدمي من انتهاكات. يتحوّل السجن في هذا السياق إلى أداة ترهيب ترعب الناس وتخيفهم من السعي نحو الحرية. يُقدّر عدد المعتقلين في سجن صيدنايا، والذي انتشرت مقاطعه مؤخراً، بأكثر من ٣٠ ألف معتقل. عاش هؤلاء تحت كل أصناف التعذيب، والكثير منهم تعرض للإعدام. ومن قرأ عن سجن تدمر عرف أن صيدنايا ليس الأسوأ، فأي مأساة عاشها أهل سوريا!
إن أسوأ ما يمكن أن يتعرض له الإنسان في حياته هو أن يُسلب حقه في الحياة الكريمة، وأن يُحرم من الأمل في غدٍ أفضل. وهذا هو بالضبط ما عاشه عشرات الآلاف من المعتقلين في سجون سوريا. هؤلاء لم يواجهوا فقط القسوة الجسدية، بل تم إجبارهم على تحمّل أسوأ أشكال الإذلال النفسي، ولكن شاء الله أن يأتي اليوم الذي تقر فيه أعينهم بالحرية.
وبينما كان العالم صامتاً تجاه هذه الانتهاكات الفظيعة، ظل المعتقلون في الداخل يعيشون في حالة من العزلة التامة، فلا يُسمح لهم بالتواصل مع أي شخص خارج جدران السجن. ولا ينتهي مسلسل التعذيب عند حدود الجسد، بل يمتد ليطال الأمل في النفوس. يضطر المعتقل إلى العيش تحت تهديد دائم بالقتل أو التشويه، ويتم تنفيذ الإعدامات بطرق مهينة، في أماكن سرية لا تُكشف إلا بعد فترات طويلة، حيث يُدفن القتلى في قبور جماعية.
ولا تقتصر المعاناة على المعتقلين فقط، بل تمتد لتشمل عائلاتهم، والتي تعيش في حالة من القلق والترقب المستمر، لا تعلم إن كان قريبها سيعود أم لا. قد لا يعرف بعضهم أن من فقدوه في الأيام الأولى للاعتقال قد يكون قضى نحبه في ظروف مروعة، ويظل الأمل في معرفة مصيرهم لغزاً يكتنفه الغموض!
إن العالم الذي يدّعي أنه يدافع عن حقوق الإنسان، تعمّد أن يغض الطرف عن هذه الجرائم، رغم الأدلة المتكاثرة والصور والفيديوهات التي تم تسريبها من داخل السجون. ورغم هذه الجرائم، تجد من يدافع عن النظام، فأي قلبٍ يحمل هؤلاء؟ وأي دينٍ دفعهم لتبرير هذا الإجرام؟
ستبقى مأساة المعتقلين السوريين شهادة حيّة على عمق الظلم الذي تعيشه سوريا منذ عشرات سنوات. هؤلاء هم رمز للمقاومة، فقد علمونا أن الكرامة فوق كل شيء مهما كان الثمن. وعندما يأتي يوم العدالة، يُرفع الستار عن جحيم السجون، ويُحاسب كل من ساهم في هذه الجرائم.
(أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ) – سورة البلد