ضيوف سطور

رسالة للشباب العربي: خذوا العبرة من فلسطين

ديسمبر 11, 2024

رسالة للشباب العربي: خذوا العبرة من فلسطين

تشكل الأحداث العاصفة والجرائم التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، على يد جيش الاحتلال والعصابات الصهيونية، رسالة بعدة مضامين للشباب العربي في الوطن العربي والعالم بأسره.

إذ لم تكن إسرائيل لتصل إلى هذه الدرجة من الوقاحة، والاستباحة، والإسفاف في ارتكاب ثلاث جرائم حرب كبرى بما فيها الإبادة الجماعية، والتطهير العرقي، والتجويع والعقوبات الجماعية، لولا ضعف ردود فعل المحيطين العربي والإسلامي، ولولا حالة العجز التي ميزت مواقف معظم الحكومات تجاه ممارسات إسرائيل المدعومة بشكل مطلق من الولايات المتحدة، وغالبية الحكومات الغربية.


إذ اكتشفت إسرائيل بسرعة، أنه لا وجود لما يسمى بالتضامن العربي، وأنها تستطيع أن تمعن في جرائمها، إلى حد تكرار نكبة عام 1948 دون رد فعل حقيقي وفعال، وسلوكها بتوسيع احتلالها للأراضي السورية بعد انهيار النظام هناك دليل آخر على ذلك.


والسؤال هنا، ما الذي سيفعله الشباب العربي، غير الشعور بالإحباط والاستياء، للقيام بدوره لدعم الشعب الفلسطيني، ليس فقط من منطلق التضامن الأخوي العروبي والإسلامي، بل من منطلق أن قضية الشعب الفلسطيني وما يتعرض له من عدوان، وتمييز عنصري وجرائم ضد الانسانية، غدت كما قال نيلسون مانديلا ، قضية العدالة الإنسانية الأولى في عصرنا.


هناك وسائل عديدة يستطيع الشباب العربي أن يلجأ لها للقيام بواجبه.


وأول الأمور ممارسة الضغط الشعبي على الجهات الرسمية لأخذ مواقف أكثر فاعلية، والغاء كل أشكال التطبيع مع الكيان الأكثر فاشية في العصر الحديث، وقطع العلاقات معه بما في ذلك تصعيد الضغط الشعبي، فكثير من الحكومات ترفض الانضواء في اتفاقيات التطبيع لخشيتها من رد فعل شعوبها.  


وثاني الوسائل تصعيد وتوسيع وتحسين تنظيم حركات المقاطعة ليس فقط لكل المنتجات الإسرائيلية، بل ولكل منتجات الشركات الداعمة لإسرائيل أو المتورطة في استثمارات فيها، وقد شهدنا انهياراً لعمل شركات عديدة مثل ستاربوكس، وكارفور في بلدان عربية عديدة، وهذا ما يجب البناء عليه.


أما ثالث تلك الوسائل فمرتبط بإدراك أن النتيجة النهائية لمعركة الشعب الفلسطيني في مواجهة الحركة الصهيونية تعتمد على صمود الشعب الفلسطيني وبقائه في وطنه فلسطين، وبالتالي فان كل دعم شعبي يمكن أن يقدم لإسناد هذا الصمود، صحياً، وتعليمياً، واقتصادياً، وثقافياً، سيحدث فرقاً ملموساً وجوهرياً.


أما رابع وأهم الوسائل فهو الانخراط على المستوى العالمي بالنشاط الاعلامي والعملي في استنهاض أوسع حركة عالمية لفرض المقاطعة والعقوبات وسحب الاستثمارات من منظومة الاحتلال والاستيطان الاستعماري الإسرائيلية.

وخامس الوسائل المطلوبة، هي المشاركة في معركة نشر السردية والرواية الفلسطينية والتصدي للدعاية والأكاذيب الإسرائيلية والتشويه الذي تمارسه وسائل إعلام غربية كثيرة للنضال الفلسطيني، بهدف نزع إنسانية الفلسطينيين وتبرير الجرائم التي ترتكب ضدهم.


وقد أثبتت الأحداث منذ السابع من أكتوبر مدى أهمية وسائل الاعلام الاجتماعي التي استخدمها الشباب في مواجهة انحياز وسائل الاعلام الرئيسية الغربية لإسرائيل وروايتها.


غير أن ما جرى في فلسطين من مذابح وجرائم، أدت لاستشهاد ما لا يقل عن 55 ألف فلسطيني حتى اللحظة، بمن في ذلك ما يزيد عن سبعة عشر ألف طفل، وجرح ما لا يقل عن 106 آلاف، ونسبة بتر في الأطراف هي الأعلى في العالم، بالإضافة إلى الدمار الوحشي للمساكن والمؤسسات الصحية والتعليمية والبنية التحتية وكل مقومات الحياة، يثير تساؤلات وتحديات أوسع بكثير من معاناة الشعب الفلسطيني، لتشمل المحيط العربي بكامله، وبشكل خاص جيل الشباب العربي، باعتباره من سيواجه تحديات المستقبل.


التحدي أو التساؤل الأول، ما هو حجم مناعة الدول العربية وقدرتها على التصدي للطامعين في بلدانها، وثرواتها، وشعوبها؟


وإذا كانت هذه الدول عاجزة عن مجرد إجبار إسرائيل على إدخال المساعدات الإنسانية والطبية لسكان قطاع غزة المحاصرين والمنكل بهم، فكيف ستستطيع التصدي للتطاولات العسكرية والاستخباراتية والسياسية الإسرائيلية؟ و قد رأينا نماذج لها في لبنان وسوريا.


ثانياً، ما هي الرؤية الاستراتيجية العربية لدول المنطقة التي تتمتع بثروات هائلة من مصادر الطاقة، والموقع الاستراتيجي والثروات الطبيعية للدفاع عن مصالحها في وجه الطامعين بها.

ثالثاُ، كيف تستطيع الدول العربية وأجيالها الشابة أن تحمي مصالح بلدانها، من الأطماع الإسرائيلية إن كانت تعتمد أساساً على علاقاتها مع الولايات المتحدة لحماية أنفسها، في حين أن الولايات المتحدة هي الحليف الأكبر لإسرائيل، ولا يمكن أن يتخيل أحد أنها ستفضل مصالح دول المنطقة على المصلحة الإسرائيلية، خصوصاً في ظل قوة وتأثير اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، وطبيعة الإدارة الأميركية القادمة بولاء معظم مسؤوليها لإسرائيل.


رابعاً، أي سياسة دولية يمكن إتباعها من منطلق يفهم أن ما يحرك دول العالم هو المصالح وليس المبادئ أو القيم أو الأيديولوجيات؟ واذا كان العالم يتجه نحو بناء تكتلات اقتصادية وسياسية قادرة على المنافسة، فما الذي ينتظر العالم العربي في ظل استمرار حالة الشرذمة والانقسامات ليس على النطاق العربي فحسب، بل وفي بعض الأحيان على نطاق كل بلد لنفسه.


وفي عصر يصبح فيه العالم قرية واحدة، وتمتد أيادي تدخل الدول بطموحاتها وجشعها إلى الدول الأخرى، دون تقيد بعرف أو قانون، هل يستطيع أي بلد، مهما بلغت قدراته،  أن ينجوا بنفسه، دون التعاون مع الآخرين، ودون أن يبدي اهتماماً بما يجري لجيرانه وما يتعرضون له من مخاطر.


واذا كان هناك عبرة، ودرس أساسي يمكن للفلسطينيين أن يشاركوا الشباب العربي فيه، فهو أنه “ما حك جلدك مثل ظفرك” وأن الاعتماد على الآخرين دون تقوية النفس وصفة للفشل، فكل عمل ورؤية واستراتيجية يجب أن تبدأ بالاعتماد على النفس، وتنظيم النفس.


أما العبرة الثانية فهو أننا نعيش في عالم لا يحترم الضعفاء، وأن ما قتل في غزة، قبل الفلسطينيين، هو ما يسمى القانون الدولي، والقانون الانساني الدولي ومواثيق حقوق الانسان. وعلى من يريد حماية مصالحه ومصالح شعبه، بناء قوة يستطيع الدفاع بها عن نفسه في وجه أطماع الآخرين.


وتبقى العبرة الثالثة والأهم، لا تأملوا خيراً بإسرائيل أو العلاقات معها، فهي تسعى لبناء امبريالية إسرائيلية مسيطرة على المنطقة العربية بكاملها، عسكرياً واقتصادياً واستخباراتياً، وسياسياً، ولن تقتصر أطماعهم على فلسطين التي يرون فيها جسر العبور للسيطرة على العالم العربي بأسره، ولتدمير أي قوة موازية لهم في المنطقة سواء كانت عربية أم غير عربية. ولتتعلم  الأجيال الشابة من التجربة الفلسطينية، إذ تعلقت القيادة الرسمية الفلسطينية لسنوات بوهمين، وهم الحل الوسط مع الحركة الصهيونية، ووهم أن الولايات المتحدة يمكن أن تكون وسيطاً. وقد دمرت إسرائيل بدباباتها وقصفت بطائراتها هذين الوهمين على رمال غزة وجبال الضفة الغربية، وثبت قطعاً أنه ليس أمام الفلسطينيين سوى الوحدة على برنامج وطني كفاحي مقاوم لإنقاذ مستقبلهم وحياة أطفالهم.


شارك

مقالات ذات صلة