فيلم “Marriage Story” أو “قصة زواج”، الذي أُنتِجَ في عام 2019، يروي “قصة طلاق” جميلة وعميقة. إنه فيلم رائع ومذهل ومؤثر، يجمع بين الفيلم الإيراني الرائع “A Separation”، والفيلم الأوسكاري الجميل “Kramer vs. Kramer” في البساطة والعمق في الطرح والتنفيذ.
يبدأ الفيلم بافتتاحية رقيقة لزوج وزوجة يصفان كل الأمور التي يحبانها في أحدهما الآخر. الزوجان يعيشان في نيويورك. الزوج “تشارلي باربر” هو مخرج مسرحي، والزوجة “نيكول باربر” هي ممثلة، ولديهما ابن في الثامنة ويدعى “هنري”.
في المشهد التالي، نرى الزوجين يجلسان في مكتب طبيب نفسي، وهما على وشك الطلاق! كيف لتلك الافتتاحية الرقيقة أن تتحول إلى هذه القسوة بهذه السرعة؟!
مثل الفيلمين السابقين، يدخلنا الكاتب والمخرج “نوا بومباك” في دوّامة من المشاعر والانفعالات والغضب مع شخصين يحاولان معرفة سبب غياب الحب من حياتهما بعد كل تلك الأعوام، والتي تقودنا إلى قضية طلاق وصراع لنيل حضانة الطفل “هنري”، والجدير بالذكر أنّ قصة الفيلم مستلهمة من تجربة شخصية خاضها “نوا بومباك” مع زوجته السابقة الممثلة “جينيفر جيسون لي”.
ما يجعل الفيلم أكثر روعة هو تركيزه على التفاصيل الصغيرة والدقيقة بين الزوجين، التي قد تقوي علاقتهما أو تنهيها، والفيلم يسير وفق بنية سرد كلاسيكية ومتوازنة، ويخصص معظم أحداث النصف الأول لـ “نيكول”، والنصف الثاني لـ “تشارلي”.
“نوا بومباك” بعبقريته في سرد القصة وبناء الشخصيات والإخراج استطاع أن يجعلنا متعاطفين مع “نيكول” و”تشارلي” بقدرٍ متساوٍ، ويصعب علينا أن نختار مع من نقف!! كبقية البشر، “نيكول” و”تشارلي” ليسا مثاليين ويقترفان الأخطاء، وكلاهما يتنافسان، وكلاهما يريد الفوز.
تعمّد “نوا بومباك” أن ينفّذ الفيلم بشكل بسيط وواقعي وبعيد عن البهرجة الفنية، كما في الأفلام الكلاسيكية التي تركّز على المضمون. الموسيقى التصويرية لـ “راندي نيومان” كانت جميلة ورقيقة، وتبدو وكأنها من الأفلام الكلاسيكية العريقة، وقد ذكّرتني كثيرًا بالموسيقات التصويرية المذهلة التي ألّفها الموسيقار الفرنسي “جورج دولوريه” لأفلامه القديمة.
بالنسلة لأداء الممثلين فقد كان مدهشًا جدًّا من الجميع، وعلى رأسهم “آدم درايفر” و”سكارليت جوهانسون”، اللذين قدّما أفضل أداء في مسيرتهما الفنية بشخصيَتَيْ “تشارلي باربر” و”نيكول باربر”، ولا أنسى البقية: “لورا ديرن” بشخصية المحامية “نورا فانشو”، و”راي ليوتا” بشخصية المحامي “جاي ماروتا”، و”ألان ألدا” بشخصية “بيرت سبيتز”، و”أزهي روبرتسون” بشخصية “هنري باربر”، و”ميريت ويفر” بشخصية “كاسي”.
فازت “لورا ديرن” بجائزة الأوسكار لأفضل ممثل مساعدة، وترشّح الفيلم لـ 5 جوائز أخرى، لأفضل فيلم وأفضل نص سينمائي أصلي وأفضل ممثل “آدم درايفر” وأفضل ممثلة “سكارليت جوهانسون” وأفضل موسيقى تصويرية.
من المؤسف أن الفيلم لم يصدر في سينمات العالم، لكونه من إنتاج منصة رقمية، فقد عُرِض لأول مرة في مهرجان فينيسيا السينمائي، ثم أكملَ جولته في عددٍ من المهرجانات السينمائية في مختلف دول العالم، محقّقًا أصداءً طيّبة لدى النقّاد والجمهور، وبعد ذلك في عُرِضَ بشكل محدود في السينمات الأمريكية من أجل التأهّل لجوائز الأوسكار، ثم قامت لاحقًا شركة كرايتيريون المختصة بالأفلام النخبوية بإصدار الفيلم على أسطوانات البلوراي.
الفيلم عبارة عن ملحمة سينمائية لصراعات عديدة، بين “نيويورك ولوس أنجلِس” و”المسرح والتلفزيون” والعائلة والأصدقاء” و”الممثلة والمخرج” و”التمثيل والواقعية” و”الزواج والطلاق”، وأخيرًا “الحب والحب”.