لطالما كان ملك بريطانيا “هنري الثامن” شخصًا مثيرًا للجدل في صفحات التاريخ، وقد أُنتِجت الكثير من الأفلام والمسلسلات حول حياته وفترة حكمه، مثل:-
”Anne of The Thousand Days” / “The Other Boleyn”Girl / “The Tudors”
في القرن السادس عشر، كان الملك “هنري الثامن” يريد أن يطلق زوجته الملكة “كاثرين” ليتزوج عشيقته “آن بولين” من أجل إنجاب وريث ذكر للعرش، حيث أن زوجته لم تنجب ذكورًا.
حسب القانون الديني والملكي، لا يُسمح للملك بالطلاق مهما كان السبب، لكونه رئيس الكنيسة، فيقوم بشراء موافقة البابا في الفاتيكان، وكذلك مجلس البرلمان والسياسيين في بريطانيا، ليوافقوا على الطلاق كي يستطيع الزواج من عشيقته. بالطبع يوافق الجميع رغمًا عن أنوفهم.
المستشار ووزير العدل “توماس مور” هو الشخص الوحيد الذي لم يوافق ولم يرفض، وبقي صامتا، لكن الملك لا يقبل بالصمت، ويريد موافقة صريحة من أكثر شخص يحترمه ويثق برأيه.
حاول الملك وكل حاشيته تغيير موقف “توماس مور” بالتودد إليه وزيارته للمنزل، ولكنه لا يتكلم ولا يبيّن موقفه لا بالموافقة ولا بالرفض، وهذا ما يغيض الملك والجميع بشدة، فبالتالي يتم اتهامه بالخيانة العظمى.
الفيلم البريطاني الرائع “A Man For All Seasons” أو “رجل لكل العصور” هو من إنتاج عام 1966، للمنتج والمخرج “فريد زينيمان”، وهو مبني على قصة حقيقية ومسرحية شهيرة للكاتب “روبرت بولت”، وقد كتبها في منتصف الخمسينيّات، وقد بدأت عروضها في مسارح لندن في عام 1960، وحقّقت نجاحًا لافتًا على المستويين النقدي والجماهيري،وتولّى “روبرت بولت” نفسه كتابة النص السينمائي للفيلم بشكل متقن ومتميز.
بلا شك، الأفلام المبنية على مسرحيات دائمًا ما تكون قوية من ناحية التمثيل والحوارات أكثر من أي شيء آخر، وهذا الفيلم أدهشني بحواراته التي تعلق بالذاكرة، وكذلك أداء الممثلين المتقن، وعلى رأسهم “بول سكوفيلد” الذي كان سرّ روعة الفيلم، حيث قدّم أداءً أسطوريًّا بشخصية “توماس مور”، ولا أنسى بقية الممثلين المتميزين: “روبرت شو” بشخصية الملك “هنري الثامن”، و”ويندي هيلر” بشخصية “أليس مور”، وأورسن ويلس” بشخصية الكاردينال “وولسي”، و”سوزانا يورك” بشخصية “مارغريت مور”، و“جون هرت” بشخصية “ريتشارد ريتش”، و”فانيسا ريدغريف” بشخصية “آن بولين”.
فاز الفيلم بـ 6 جوائز أوسكار لأفضل فيلم وأفضل إخراج لـ “فريد زينيمان” وأفضل نص سينمائي مقتبس لـ “روبرت بولت” وأفضل ممثل “بول سكوفيلد” وأفضل تصوير وأفضل تصميم أزياء، وترشح لنيل جائزتين أخريتين لأفضل ممثل مساعد “روبرت شو” وأفضل ممثلة مساعدة “ويندي هيلر“.
الجدير بالذكر أنّ “بول سكوفيلد” أدّى شخصية “توماس مور” في المسرحية أيضًا، فبالتالي نقل إبداعه في تقمّص الشخصية من خشبة المسرح إلى شاشة السينما.
“توماس مور” هو ذلك الرجل الفذ الذي دفع ثمنًا باهضًا من أجل مبادئه وفضّل الصمت على الكلام وأصر على موقفه، حتى أوصل رسالة بليغة حول احترام النفس والكرامة والنبل.
ابنته “مارغريت” تحاول تغيير موقفه بشتّى الوسائل الممكنة، وكذلك زوجته “أليس” التي تصارحه بعد يأسها: “لماذا تموت وتتركنا لأجل سبب تافه؟“.
ليستا هما فقط، بل أنا كمُشاهد أقول في نفسي: “إنها مجرد كلمة! ما الذي يجبرك على المكوث في السجن وانتظار الموت؟! ماذا ستستفيد إن تطلّق الملك أو تزوّج؟! انطق الكلمة.. أرجوك!”.