أسفار
تقع ولاية تورينغن (Thuringia) في وسط ألمانيا، وتُعرف باسم “قلب ألمانيا الأخضر” بسبب غاباتها الكثيفة وطبيعتها الخلابة. تمتد تورينغن على مساحة حوالي 16,000 كيلومتر مربع، وتعتبر واحدة من أصغر الولايات الألمانية من حيث المساحة، لكن موقعها في وسط البلاد يجعلها حلقة وصل بين الشمال والجنوب، والشرق والغرب.
تتمتع تورينغن بتاريخ طويل يمتد إلى العصور الوسطى، وكانت مركزًا ثقافيًا وسياسيًا مهمًا في أوروبا، حيث تأثرت بالثقافات الجرمانية والفرنسية. إيرفورت هي العاصمة وأكبر مدن الولاية، لكنها تضم أيضًا مدنًا تاريخية أخرى مثل فايمار، التي كانت موطنًا للشعراء الألمان الكبار مثل يوهان فولفغانغ فون غوته وفريدريش شيلر، وتُعتبر مهد حركة فايمار الكلاسيكية وأول جمهورية ألمانية (جمهورية فايمار).
تحتوي تورينغن على العديد من المعالم الطبيعية، وأهمها غابة تورينغن (Thuringian Forest)، التي تشتهر بمسار رينشتايغ(Rennsteig) التاريخي للمشي لمسافات طويلة، وهو أحد أشهر المسارات الطبيعية في ألمانيا. إضافة إلى ذلك، تزدهر في تورينغن العديد من القلاع والقصور التاريخية، مثل قلعة فارتبورغ في مدينة آيزناخ، التي أُدرجت في قائمة التراث العالمي لليونسكو، وكانت الموقع الذي ترجم فيه مارتن لوثر الكتاب المقدس إلى اللغة الألمانية.
اقتصاديًا، تعتمد تورينغن على مجموعة متنوعة من الصناعات، بما في ذلك الهندسة، وصناعة الآلات، والتقنيات الطبية، إلى جانب الزراعة. وفي العقود الأخيرة، ازدهرت صناعة التكنولوجيا والبحث العلمي فيها، حيث تمثل الجامعات والمؤسسات البحثية جزءًا مهمًا من اقتصاد الولاية.
كما تُعرف تورينغن بثقافتها الشعبية المتنوعة واحتفالاتها التقليدية، مثل مهرجانات مارتن والأسواق الموسمية، وتعتبر المأكولات المحلية جزءًا لا يتجزأ من هوية المنطقة، حيث تشتهر بنقانق تورينغن التقليدية (Thuringian Bratwurst) التي تُعد واحدة من أشهر أنواع النقانق في ألمانيا.
تورينغن اليوم مزيج رائع من التاريخ والطبيعة والتقدم، وتعتبر وجهة مميزة تجمع بين الإرث الثقافي الغني وجمال الطبيعة، مما يجعلها منطقة محببة للسياح والمهتمين بالثقافة الألمانية.
تعد مدينة إيرفورت في ولاية تورينغن الألمانية من أقدم المدن في ألمانيا، وتشتهر بجمالها وتاريخها الغني الذي يعود للعصور الوسطى. تأسست المدينة خلال العصور الكارولنجية، وذُكرت لأول مرة في القرن الثامن الميلادي، مستفيدة من موقعها الاستراتيجي عند تقاطع طرق تجارية رئيسية، ما جعلها مركزًا تجاريًا وثقافيًا مهمًا. من أبرز معالم المدينة كاتدرائية إيرفورتوكنيسة سيفيروس اللتان تطلان على المدينة من أعلى تلٍ، وتُعدّان من أجمل المباني القوطية في ألمانيا، ويعود تاريخهما إلى القرن الثاني عشر. كما أن جسر كريمر الشهير يُعدّ أطول جسر مأهول في أوروبا، ويضم محلات فنية وحرفية تجذب الزوار بتراثها.
ومن المعالم التاريخية البارزة أيضًا دير أوغسطين، حيث بدأ مارتين لوثر حياته الرهبانية عام 1505، مما ساهم في تشكيل فكره. أما جامعة إيرفورت، التي تأسست في عام 1392، فهي واحدة من أقدم الجامعات في ألمانيا، ودرس فيها لوثر شخصيًا، ما جعلها جزءًا من التراث الأكاديمي للمدينة.
تشتهر إيرفورت أيضًا بمساحاتها الخضراء، مثل الحديقة النباتية (Egapark) التي تضم مجموعة كبيرة من النباتات ومساحات واسعة للترفيه. كما تقام فيها فعاليات سنوية مثل مهرجان إيرفورت الدولي للفن الشعبي، حيث يجتمع الفنانون والحرفيون لعرض منتجاتهم التقليدية، إضافة إلى العروض الموسيقية والاحتفالات التي تعكس أجواء المدينة التاريخية. تعكس إيرفورت، بجمال معالمها وتراثها المتنوع، أحد أهم مراكز التاريخ والثقافة الألمانية.
وتضم مدينة إيرفورت عددًا من المؤسسات التعليمية البارزة، وعلى رأسها جامعة إيرفورت التي تُعد من أقدم الجامعات في ألمانيا. تأسست الجامعة عام 1392، مما جعلها في طليعة التعليم العالي الألماني في العصور الوسطى. لعبت الجامعة دورًا مهمًا في التكوين الفكري والثقافي للعديد من الشخصيات التاريخية، بما في ذلك مارتن لوثر، الذي درس فيها . ورغم إغلاق الجامعة لفترة طويلة ابتداءً من عام 1816، أعيد افتتاحها في عام 1994، وحققت منذ ذلك الحين سمعة مرموقة كمركز بحثي وأكاديمي حديث، مع التركيز على العلوم الإنسانية والاجتماعية، والتربية، وعلم الدين.
إلى جانب جامعة إيرفورت، تُعد جامعة العلوم التطبيقية في إيرفورت (Fachhochschule Erfurt)، التي تأسست عام 1991، مؤسسة تعليمية بارزة تركز على العلوم التطبيقية والتقنية. تقدم الجامعة برامج في الهندسة، وإدارة الأعمال، والتصميم، والهندسة المعمارية، ما يجعلها وجهة للطلاب الراغبين في اكتساب مهارات عملية متقدمة.
بفضل هذه المؤسسات التعليمية العريقة، أصبحت إيرفورت مركزًا أكاديميًا مزدهرًا يجذب الطلاب من مختلف أنحاء ألمانيا وخارجها، مما يساهم في إثراء الحياة الثقافية والعلمية للمدينة، ويعزز من حيويتها وتنوعها الثقافي.