آراء
في الوقت الذي يعاني فيه المواطن الأمريكي من تراجع ملفات الاقتصاد والتعليم والصحة، صرفت الحكومة الأمريكية أكثر من ٩٠ مليار دولار خلال ٥٠ سنة لدعم الكيان المحتل. ولا يخفى على أحد الدعم الهائل الذي تقدمه الولايات المتحدة الأمريكية للكيان المحتل. ولا أذكر دولة في التاريخ دُعمت بهذا الشكل. بل وصل الحال إلى أن المرشح الرئاسي لأمريكا يصرّح علناً بالمبالغ التي يستلمها مقابل الدفاع عن هذا الكيان! فما قصة هذه العلاقة؟ وهل تتغيّر قريباً؟
دعم المرشحين
تزامناً مع الانتخابات الأمريكية الرئاسية ٢٠٢٤، كثر الحديث عن العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والكيان المحتل. أصبح الدعم علنياً اليوم، ولا يشك أحد أن أمريكا تقدّم الولاء المطلق للكيان، وتدعم كل سياساته بما في ذلك قصف غزة المستمر منذ ٧ أكتوبر العام الماضي.
وعندما نتحدث عن الدعم، قد يتبادر إلى الذهن أنه دعم مالي، وذلك صحيح لكنه يشمل أشكال أخرى. الدعم المالي يكون من خلال تمويل الحملات الانتخابية وتشغيلها على أوسع نطاق. وكذلك يكون بنشر إعلانات المرشح من مطبوعات وإعلانات ولقاءات. ومن المعروف أن المرشح في أمريكا لا يفوز إلا إن ظهر في الإعلام كثيراً، وهذا ما عزز من حظوظ ترامب في ولايته الأولى. ولكن إن كنّا نقول أن الدعم ليس مادياً فقط، فما هي أشكاله الأخرى؟
يُدعم المرشح كذلك من خلال الضغط على الشخصيات السياسية الدولية، وبالتالي لا يمكن لهذه الشخصيات أن تأخذ مساحتها الكافية للنقد والهجوم والاستهجان. بل قد يصل الحال أن تصرّح الشخصيات السياسية بعكس قناعاتها، وذلك لإرضاء الأطراف التي تمارس الضغط. وكذلك التحالف مع بقية الأحزاب، وتقديم الاستشارات والتوجيهات والنصائح، وتنظيم حملات ميدانية مؤثرة.
ولكن من هذه الأطراف التي تقدم الدعم للمرشح الرئاسي؟ هنا يظهر مصطلح “اللوبي”، والذي يظنه البعض خرافة، ولكنه واقع في الولايات المتحدة الأمريكية، ولا يمكن فهم الأحداث الأخيرة في المنطقة دونه.
اللوبي الصهيوني
ربما يسخر البعض من مصطلحات مثل “الحكومة الخفية” أو “اللوبي الصهيوني” وذلك لنظرته القاصرة عن السياسة والتاريخ، إذ أن فكرة اللوبي لم تعد سرية، وليست ضمن نطاق المؤامرة، بل هي أمر يتم التصريح به علناً أمام الجميع. اللوبي الصهيوني عبارة عن جماعات ضغط هدفها تعزيز الوجود الصهيوني وتقديم كل سبل الدعم لها. وبعد أن كان هذا اللوبي هدفه الضغط على الولايات المتحدة الأمريكية لأن تدعم الكيان، أصبح هذا اللوبي اليوم يقود صناعة القرار في أمريكا.
يقول أستاذ العلوم السياسية (جون ميرشاير): “اللوبي الصهيوني هذا يشمل الكثير من أصحاب الشركات والمصانع العملاقة في أمريكا وذات رؤوس أموال ضخمة، والذي يزيد عن 34 منظمة يهودية سياسية في الولايات المتحدة تقوم بجهود منفردة ومشتركة من أجل مصالحها في الولايات المتحدة ومصالح الكيان الصهيوني، ولعل أشهرهم على الساحة هي لجنة الشؤون العامة الأمريكية الصهيونية المعروفة اختصارا بـ آيباك وهي أقوى جمعيات الضغط على أعضاء الكونغرس الأمريكي، هدفها تحقيق الدعم الأمريكي للكيان الصهيوني.”
وبعد أن وصل نفوذ اللوبي إلى هذه المرحلة، أصبح من المنطقي -والدارج كذلك- أن نسأل: من يتحكم بالآخر؟ هل الولايات المتحدة الأمريكية هي التي تتحكم بالكيان أم العكس؟ ومن يراقب التصريحات الأمريكية التي تعلّق على سياسات الكيان والمجازر التي قام بها تجاه أهل غزّة سيعرف أن الكيان اليوم أصبح مؤثراً في صناعة القرار الأمريكية أكثر من أي وقت مضى.
لماذا تدعم أمريكا الكيان؟
يبدأ الترابط في الجانب الديني، فالبروتستانتية تتلاقى مع اليهودية، والكثير ممن يعتنق المسيحية يؤمن أن عودة المسيح لا تحدث إلا بسيطرة كاملة للكيان على أرض فلسطين. ويستمر الترابط لأسباب سياسية مصلحية. فالكيان اليوم موجود في منطقة غنية نفطياً، وتستفيد أمريكا من وجود هذا الجسم الغريب بين جيرانه والذي ينفذ كل ما يحقق المصالح الاستراتيجية الأمريكية.
يقول الباحث الأمريكي والتر راسييل: “التأييد الأميركي البروتستانتي لليهود وإسرائيل وجد قبل أن يطأ اليهود الدولة الأميركية الناشئة، وقبل أن تتأسس دولة إسرائيل”. ولكن السؤال الحقيقي اليوم، والمهم أن يُطرح بعد أحداث طوفان الأقصى، هو: متى يتوقف الدعم الأمريكي للكيان؟
الجانب الذي يخشاه اللوبي الصهيوني هو خسارة السردية، والتي تقول أن اليهود ظُلموا تاريخياً، وأن كل اعتراض على الكيان هو تمييز ضد اليهود. وبعد عقود من ترسيخ السردية في أذهان المجتمع الغربي، انتفض الغرب اليوم ضد الكيان، وامتلأت ساحات الجامعات بالمظاهرات، وأصبح نقد الكيان من الغرب أكثر شراسةً من نقد الشرقيين أنفسهم!
يقول د. عبدالوهاب المسيري، والذي درس اليهودية لأكثر من ٢٥ سنة، أن زوال الكيان يصبح ممكناً عندما تصبح هذه الدولة عائقاً على الولايات المتحدة الأمريكية. لأن هذا الكيان مشروع استيطاني، وهذا النوع من المشاريع مصيره التفكك والانتهاء. وقد يصبح الكيان عبئاً على الولايات المتحدة الأمريكية عندما يُكشف مخططه الكامل والصريح، وتُهزم سرديته علناً. ولو أنه بيننا اليوم، ربمّا سينصحنا بالانشغال بكسر سردية الكيان، بدلاً من الانغماس في متابعة نتائج الانتخابات الأمريكية، لأننا نعلم بأن كل من يترشّح لهذا المنصب سيستبيح منطقة الشرق الأوسط.