مدونات

المسافة الجغرافية لا تسقط الحق: لماذا ندعم طوفان الأقصى

أكتوبر 30, 2024

المسافة الجغرافية لا تسقط الحق: لماذا ندعم طوفان الأقصى

الكاتب: محمد الميموني


إننا، وإن كنا بعيدين جغرافيًا، إلا أننا مرتبطون بأهلنا في فلسطين بما هو أعمق من مجرد الموقع أو المسافة؛ فالوجع الذي يعتصرنا ليس شعورًا خارجيًا، بل هو امتداد لمعاناة أمةٍ واحدة متصلة بالروح والتاريخ والمصير. إن بُعد المسافة لا يلغي هذا الاتصال الروحي، فالألم الذي يعانيه أهلنا ينعكس علينا لأنه يهدد جزءًا من كياننا ومفهومنا الأصيل للكرامة والعدالة. وهذه الوحدة الروحية بين أبناء الأمة الواحدة تُملي علينا دعم المقاومة كواجب شرعي وأخلاقي يتجاوز تحديات القرب أو البُعد، حتى لو كان الانتقاد يأتي من داخل غزة الجريحة.


إن تأييدنا للمقاومة ليس مجرد رأي عابر، بل هو موقف مبني على إدراك عميق للحقائق؛ ففلسفة المقاومة لدى الشعوب، حتى في أشد لحظات الألم، هي استثمار في مستقبل كريم. والابتعاد عن مقاومة الاحتلال اليوم يعني تأييد حالة الظلم ومعاناة لا نهاية لها.


نحن من موقعنا نستطيع التفكير في الأمر من زوايا أكثر توازنا وشمولية، ونحلّل تَبِعات الاستسلام أو التنازل، ونخلص إلى أن السلام المنشود في ظل النظام العالمي الحالي ما هو إلا استسلام للظلم وقبول للعبودية. وبقاء المقاومة في جوهرها خيار أقل ألماً على المدى الطويل. وإن كان البعض يعتقد أن تأييدنا للمقاومة ينبع من عدم معاناتنا الشخصية، فإن هذا المنطق فيه قصور؛ لأن ديننا يطالبنا بالمقاومة لإبقاء الأمل للأجيال القادمة. إننا نرى الألم والمأساة، لكننا أيضًا نرى الكرامة والشرف المرتبطين برفض الاستسلام.


إننا نقدّر معاناة أهلنا، ونعلم أن هذا الموقف ليس سهلاً، ولكن الأخلاق الحقيقية تكمن في دعم الخيار الذي يحفظ لهم الحق والكرامة على المدى البعيد. ولا يمكننا تجاهل أن من حق كل إنسان مقاومة المعتدي، والأخلاق تفرض علينا دعم هذا الحق وإن كنا بعيدين، لأن قيمة الموقف الأخلاقي لا تُحدد بالموقع الجغرافي، بل بالصدق في المشاعر.


وإذا ما أخذنا الموضوع من الناحية الشرعية، فإن الدفاع عن الأرض والعرض واجب على الأمة كلها، والتأكيد على وجوب الدفاع عن النفس والمقاومة في مواجهة الظلم يستند إلى أساسات قرآنية وسنّية واضحة منها قول ربنا عز وجل: “أذن للذين يُقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير”. فهذا بيان صريح يدعم حق المظلوم في الردّ على المعتدي، وهؤلاء المعتدون لم يتركوا سبيلاً للسلام سوى المقاومة. دعم طوفان الأقصى إذًا واجبٌ شرعي وأخلاقي في ظل انعدام الخيارات السلمية، وليست المسافة الجغرافية مقياسًا لمدى الإحساس بالواجب. وإن كنا بعيدين، فإننا نشعر أن دعم المقاومة هو أداؤنا لهذا الواجب، وإن اختلفت الوسائل. إن التفكير العميق في معنى المقاومة يكشف أنها ليست فعلًا عشوائيًا أو عاطفيًا، بل هي ردٌّ منطقيٌ وضروريٌ على الظلم المُمنهج والاحتلال المستمر.


وإذا نظرنا إلى التاريخ، نجد أن مقاومة الاحتلال والاستبداد ليست خيارًا تُفرَض فيه المعاناة، بل هي وسيلة للحفاظ على الوجود ذاته. ومن يقول إن دعم المقاومة هو تجاهل لآلام أهلنا في غزة فقد أخطأ؛ لأن المقاومة في أصلها حفاظٌ على كرامتهم ورفضٌ لتحويلهم إلى أدوات في يد الاحتلال على المدى البعيد. وعلاوةً على ذلك، فإن التضحية بالنسبة للشعوب الحرّة رمزٌ لقدرتها على الوقوف ضد الإبادة، وتُعدّ قيمة إنسانية تسمو فوق الهوان. ولدينا أمثلة في تاريخ الأمة جاهد فيها أجدادنا حتى الرمق الأخير لأجل الأجيال اللاحقة. فما المقاومة إلا إفراز لاضطهاد كبير ومتراكم. وفي النهاية، يمكن القول إن طوفان الأقصى هو يوم من أيام الله تجتمع فيه الآلام والآمال. والمقاوم في الميدان جزء من نسيج المجتمع الغزي، لا يمكن اجتثاثه من هذا الإطار أو إقصاؤه من المشهد، فهو ليس كياناً منفصلاً ولا جسداً غريباً عن أهله ووطنه، ووجوده في غزة يعرضه لنفس الوجع والألم الذي يتعرض له المدنيون. هو ابن هذا الشعب، خرج من أرحام نسائه وتربى في بيوته، غير أنه اختار طريق الجهاد والمقاومة للذود عن دينه وأرضه وعرضه.

 

شارك

مقالات ذات صلة