آراء

 غضب عربي يطفئ MBC العراق!

أكتوبر 20, 2024

 غضب عربي يطفئ MBC العراق!


في زمن تبعثرت فيه أبجديات العروبة والمروءة وصدق الرواية الداعمة للحق التاريخي بالأرض والعرض، وتلاشي قوانين المهنة وأخلاقيات الإعلام في فضاء مزدحم بمحطات الدجل الصحفي والإخباري تحت عناوين التطبيع وحمامات السلام ، لم يكن مستغربا ما شهدته أروقة قناة MBC العراق في العاصمة بغداد، حينما  امتلأت الحناجر غضبا وصدحت رفضا وتمردا على تقرير صحفي أريد منه قلب الطاولة مجددا على مفاهيم ومبادئ يجري العمل على طمسها بشكل كامل، وذلك بتسخير إمكانيات مالية وبشرية ضخمة يرتكز دورها على مسح الكثير من إرث الذاكرة  العربية.


“ألفية الخلاص من الإرهابيين” عنوان التقرير الذي عرضته قناة mbc عقب ساعات على استشهاد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس يحي السنوار في قطاع غزة، الرجل الذي ألهم الملايين بقتاله الأسطوري حتى الرمق الأخير، وهتفت باسمه حناجر عربية وإسلامية كمناضل فلسطيني خرج من أزقة  مخيمات غزة المحاصرة ليقف ندا بوجه الاحتلال ومجازره وتنكيله بأبناء الشعب الفلسطيني، كما شمل التقرير قادة آخرون من المقاومة الفلسطينية ممن اغتالتهم آلة الحرب الإسرائيلية، ووصفهم بمصطلحات القنوات العبرية ونعتهم بالإرهابيين والمجرمين الذين تنفس العالم الصعداء بعد التخلص منهم، والعزف على إيقاع الاحتلال ولغته في مخاطبة الشعوب العربية على الرغم من استمراره بارتكاب المذابح والمجازر المروعة في غزة منذ أكثر من عام،  وهي سياسة إعلامية لا تعتمد الجمع بين الجلاد والضحية فحسب بل تمجد الجلاد وتسيء للضحية في سقوط مهني وأخلاقي مدوي لم نشهد له مثيلا  على شاشاتنا خلال السنوات الماضية.


أضرمت النيران وحطم متظاهرون مكاتب القناة بالعاصمة العراقية في حين تصدر وسم “قاطعوا mbc” منصة إكس، فيما اختفى حساب الموظف الذي قام بإعداد التقرير.


من جانبها استنكرت حركة حماس بشدة ما أقدمت القناة على بثه ودعت إلى حذف التقرير وتقديم اعتذار، أما هيئة الإعلام والاتصالات في العراق فقامت من جانبها بإلغاء رخصة عمل القناة في البلاد، وسط تصاعد الغضب والدعوات إلى إشهار سلاح المقاطعة بوجه ما وصف بالمحطات العبرية الناطقة بالعربية وسياساتها المنحازة لرواية الاحتلال، بل دعا نشطاء إلى مقاطعة منصة شاهد التابعة لمجموعة mbc بهدف التقليل من عوائدها ورفضا لخيانة قضايا الأمة العربية والإسلامية والمس بالثوابت إلى حد التحريض وإثارة النعرات وتبني خطاب الاحتلال، إذ لم تعد المقاطعة حكرا على المنتجات والشركات الإسرائيلية أو الداعمة لها، بل ضد تلك العربية المتصهينة والدور المشبوه الذي تؤديه خدمة لعدو الشعوب الذي لا يتوانى عن انتهاك حرمة الدين الإسلامي ورموزه من المقاومين والمناضلين الذين نذروا أرواحهم لحفظه وصون المقدسات والتصدي لمخططات الشر على امتداد فلسطين بل على امتداد الخارطة العربية.


ويسأل كثر اليوم عن كيفية مواجهة الهجمة الإعلامية الشرسة وصد أبواق متصهينة حتى النخاع، ورفض الأصوات الداعية لتقديم فروض الطاعة والولاء للعدو الإسرائيلي ومن خلفه الراعي الأمريكي، ومجابهة كل مساعي التشويه والتضليل والتحريف القائمة.


 لا شك أن المنطقة العربية دخلت ومن الباب العريض مرحلة تتميز بالتسمم الفكري، وهي مرحلة تقوم على غرس مفاهيم معينة تقود إلى نوع من التحلل الذي يجعل الأجيال الحالية تنسى حقيقة صراعها وجوهر قضاياها وهو أحد أنواع الحرب الإسرائيلية التي تخوضها باحتراف عبر أسلحة الإقناع وذخيرة الترويج للتطبيع كخشبة خلاص توصل إلى بر الرفاهية والرغد والعيش بأمان، وطي صحفة المجازر والجرائم والتعدي على المقدسات والحقوق والقوانين والمواثيق الدولية التي تكفلها، والانقياد تحت شعارات براقة تلمع صورة العدو وتفرض دلالات ومعاني جديدة وتبث أفكارا تعتمد التشويش على جوانب معينة وإبراز أخرى.


وليست mbc وحدها من تحذو حذو الخطاب المتصهين فنحن في عصر مكتظ بوسائل الإعلام ومواقع التواصل التي تسخر لها الميزانيات وتجند لها الكوادر البشرية من ضعاف النفوس، وليس قادة المقاومة الفلسطينية وحدهم من مست بهم الاتهامات والنعوت وانتشرت صورهم كأعداء تسببوا بهلاك المجتمعات بل كل من يرفع صوته في وجه آلة القتل الإسرائيلية ويرفض صفقات التطبيع ومصافحة قتلة الأطفال والأبرياء الحقيقيين والواضحة جرائمهم وضوح الشمس. وللمفارقة عبر روعي كيس مراسل القناة الحادية عشر الإسرائيلية عن دهشته حينما تابع تقرير mbc قائلا أن ما شاهده وسمعه كان أشبه بتقرير اقتبس من قناة إسرائيلية بل يتجاوز في صهيونيته الرواية الإسرائيلية.


ربما خرج أبناء العراق ليسمعوا المراسل روعي كيس وجوقة المطبعين من زملائه في قنوات عربية أنه ثمة من يرفض هذا المحتوى ويرفع لاءات الاعتراض في وجه خطاب إعلامي مهيمن على فضائنا لكن شمس الحقيقة لا يحجبها غربال وهي ساطعة تنسج خيوط نورها من عذابات الأمهات والأطفال والمشردين، وتخفق بالحق المستمد من أرواح الشهداء والأبطال وأصحاب الأقلام الحرة الذين يشهرون سلاح كلمتهم في وجه آلة الظلام مهما علا جبروتها، وربما يتعين على قنوات أخرى أن تتحسس رأسها هي الأخرى بعد ما تعرضت له زميلتها mbc لأن غضب الشعوب سيلاحقها وحرب الميدان لم تعد منفصلة عن حرب فضاءات الكلمة والصورة، ولكل طرف سلاحه في فصول معركة الحق والباطل مهما طال أمدها.


شارك

مقالات ذات صلة