أدب

في عام 1955: شاعر يصف غزة كما لو كانت عام 2024

أكتوبر 18, 2024

في عام 1955: شاعر يصف غزة كما لو كانت عام 2024

زكي قنصل شاعر سوري من شعراء المهجر، ولد في الأرجنتين عام 1916م.

مع أنه عاش معظم عمره مغتربا، فقد تعلم اللغة العربية واهتم بآدابها، حتى صار من أجود الناس شِعرا في زمانه.

اعتنى زكي قنصل في شعره بقضايا أمته، إذْ بقيت هويته محورا لشعره وتوجهاته. ومن القضايا التي جسدها أدبه قضية فلسطين، التي نستعرض اليوم كلامه عنها في قصيدته “خرافة السلام” المنشورة عام 1955.

يسخر زكي قنصل في مطلع هذه القصيدة من دعاوي “السلام”، إذْ يرى أنه لا سلام بين قوي وضعيف، ولا ينبغي أن يُنال السلام إلا بالمقاومة والقتال، يقول زكي قنصل:

هل لي إلى مهدِ السلام سبيلُ – الليلُ داجٍ والطريقُ طويلُ

عصفتْ بيَ الأشواقُ عاتيةَ اللظى – واحرّ قلب في الدموع يسيلُ

ثم ينبه العرب إلى أن وجود التهويد في القدس منذر بزواله، لأنهم لا محالة منتزعوها، فيقول:

قالوا استراحَ، فقلتُ لولا شوكة – تنساب بين ضلوعه وتجولُ

لا شأن لاستقلاله مادام في – باب العرينِ المستقلِّ دخيلُ

ثم يقول إن العرب غير الفلسطينيين أسرى، مادام الفلسطينيون أسرى:

هيهات يحملني جناح خافق – وأخوه في أصفاده مشلولُ

لهفي على القدس انطوت أعلامه – وكبَتْ بأشبال النضالِ خيولُ

يمشي الأصيلُ ابنُ الأصيلِ مطأطئا – فيه ويشمخُ واغلٌ مرذولُ

ثم يحذر العرب من التهادن وترك الحرب وإعطاء العدو فرصة، فيقول:

 الهُدنةُ النكراء أصلُ بلائنا – في عنق عاقدها الدمُ المطلولُ

لولا حبائلها لحطم سيفُنا – وكر الرَّذيلة وانتهت إسريلُ

ثم يصف مشهد النازحين ضحايا التطهير العرقي، وكأنه يصف اليوم ما يحث لأهل غزة في مخيمات النزوح:

مليونُ لاجٍ في العراء تشردوا – لم يختلج لهوانهم مسؤولُ

نصبوا على درب الرياح خيامهم – يُذكي جراحَهمُ غدٌ مجهولُ

وهذا توصيف بليغ، فأهالينا في المخيمات، لا يعرفون ما سيُفعل بهم غدا، هل ستنتهي الحرب ويعودون إلى بيوتهم بعد إعادة إعمارها؟ هل سيُقصفون كما قصف غيرهم؟ هل سيموتون جوعا وعطشا؟ هل سيُهجّرون إلى بلد آخر؟ هل سيُعتقلون ويموتون في الأسر؟

ثم يقول الشاعر مستمرا في وصفهم:

إن يَرْقدوا فالذُّعرُ في أحلامهم – وإذا صحوا فالهولُ والترحيلُ

الحَرُّ يجلِدُهم بنار سياطه – والقَرُّ سيف فوقهم مسلول

والجوع يزرع بينهم آفاته – فيلُمُّ غلة زرعه عزْرِيلُ

ثم يقول واصفا مَنَّ بعض الدول والجهات بالطعام والثياب على النازحين، وكأنه يصف ما يحدث لأهل غزة اليوم:

يزهو عليهم بالفتات مُنَعّمٌ – ويمنُّ بالثوب الأرثِّ بخيلُ

ويُتاجرُ المتهوّدون ببؤسهم – إن اللئيم عتادُه التدجيلُ

ثم بعد ذلك يسخر من دعاة السلام، ومبادئ المستعمرين، وخبث الغرب وتآزره مع المجرمين، ويسخر خوف الغرب على المدنيين والأبرياء، فيقول:

يا خائفين على السلامِ ألَا اخجلوا – دعوى السلام خُرافةٌ وفضولُ

أو بعد أن شهدَ الورى عوراتكم – رأدَ النهار يصونكم منديلُ؟

ما أكذب السرحال يزعم أنه – ظل ظليل للنعاج بليلُ

لا حقَّ إلا للقوي بشرعكم – فعلامَ هذا الكِذْبُ والتضليل؟

بيتُ الصلاة جعلتموه مغارةً – يسعى به لص ويسرح غولُ

ثم يقول إنه لولا دعم الغرب لإسرائيل لهُزمت وزالت:

لولا مساعيكم لأخفق حلمُهم – واستُؤصلَ السرطان وهو وبيلُ

لا تغسلوا من خطبه أيديكمُ – راعي الجريمة للأثيمِ زميلُ

ثم يؤكد على أن زعماء بريطانيا هم الذين خلقوا الكيان ومهدوا لجرائمه:

بلفورُ في المأساة أولُ دافع – ويليه في تنفيذها شرشيلُ

ثم بعد ذلكَ يُنذِر الغرب بزوال دولة إسرائيل، ويخبر سياسييه ألا يفرحوا بانتصاراتها، لأن العرب متحدون ضدها، ولن تبقى لها بقية في جزيرتهم:

يا شائدين على الرذيلة دولة – للزور، يومٌ ضاحك ويزولُ

لا ترقصوا للنصر فهو بداية – إن الختامَ ندامةٌ وعويلُ

صحتِ العروبة من عميق سُباتها – وتحفّزت تحت البنود شُبول

جمعتهمُ الجُلّى ووحد صفهم – ثأرٌ يُزمجر في الصدور جليلُ

يزهو صلاحُ الدين في أبرادهم – ويجولُ في أسيافهم ويصولُ

زكي قنصل وغيره من شعراء تلك المرحلة، وصفوا تلك الحقبة وما فيها من آلام، ومازالت أوصافهم تنطبق على أهل فلسطين، بل إن الأوضاع في فلسطين ساءت كثيرا بعد عقود من هذه القصائد التي تصف الواقع المرير.

من المهم أن تدرس الأجيال العربية هذا الأدب، لتعرف تاريخها ومعاناة أهلها قديما وحديثا.

ونرجو أن يأتي اليوم الذي كان يتوقعه زكي قنصل ورفاقه من الشعراء، والحمد لله أنهم ليسوا موجودين اليوم، ليروا صورا أبشع وأمر بكثير مما وصفوه يومئذ.

عشتم طويلا.

شارك