آراء

أمة الطوفان كما يجب أن تكون

أكتوبر 13, 2024

أمة الطوفان كما يجب أن تكون

لقد عاهدت نفسي ألا أتحدث عن مرور عام على الطوفان إلا بعد أن يتحدث سادة العبور المجيد وصناع مجده، فهم الحق الذي تقاس به المواقف اقتراباً منه أو بعدا، وعند الرجوع إلى ما قبل السابع من أكتوبر طيب الله ذكره لرأينا رأي العين كيف كانت المقاومة تنطق بمعرفة من علم الله الذي يعلمه أولياءه الصالحين وعباده المجاهدين، فقد توعدوا عدو الله وعدو الأمة بطوفان هادر لن يتوقعوا شكله، وقد أكرمهم الله بتحقق ما وعدوا بن صهيون به، فكانوا في صبيحة ذلك اليوم هم وعد الله الذي أذاق بهم شذاذ الآفاق بأس الوعيد.


أما وقد خرج علينا كالقمر في الليلة الظلماء (أبو عبيدة) حفظه الله واخوانه ورفاقه وجميع فصائل المقاومة، فقد بعث في الأمة بصوته المليء بالعزة الأمل من جديد، وقد كانت كلماته عميقة برسائلها، واضحة بمقاصدها، مثبتةً لقلوب المؤمنين، وزلزالاً في قلب كل صهيوني ومتصهين، فقد أكد على ما يجب أن يتم التأكيد عليه، واستنفاره لأمته وحثهم على مقاومة العدو المحتل بكل ما يمكن فعله بقدر الوسع والاستطاعة هو من صميم ثقة المسلم بأهله واخوانه بأنهم وإن تأخروا بنصرته فحقاً سيأتي ذلك اليوم الذي يهب فيه الجميع إلى النصرة ونزع رداء الخذلان.


إن من يعود بصفحات الكتب التي سطرت أروع البطولات وأعظم الفتوحات في تاريخ أمتنا الإسلامية العتيقة سيجد أنه وفي وقت النفير والجهاد فإن الأمة تتسام عل خلافاتها وانتماءاتها ومشاربها العقائدية والفكرية، فعند ووح العدو وتوجيهه لسهامه نحو بية الإسلام قد وجدنا نضجاً رفيعاً من القادة والعلماء في تلك الأزمنة، فلم يكن هناك من يرفض جهاد أحد لكونه لا ينتمي إلى المذهب الرسمي لعموم الجيش، أو يختبر المجاهد في عقيدته وايمانه في وقت يكون الواجب فيه على الأمة يحتم اجتماعها واحتواء جميع المناصرين لقضاياها دون تشكيك في النوايا، بل وقد تم استقبال التائبين عن عنفهم تجاه المسلمين بعد أن حسنت توبتهم وصدق رجوعهم حتى بات هؤلاء أعمدةً في جيوش الفتح لفارس والروم، واليوم يجب أن نعود إل تلك الأيام ونستقي منها الأحكام والمبادئ والنظم والأخلاقيات التي يجب أن تنبني عليها ثقافة الأمة بعد عام من الطوفان من جديد.


إن من يتأمل كيف استفتح الله سورة الأنفال بموضوع قد نراه في أول قراءة للسورة عل أنها موضوع ثانوي أمام الأحداث الجسيمة المصاحبة لغزوة بدر الكبرى، ولكن من يتمعن سيجد أن الله يبني شريعته وتعالميه عل الخصائص النفسية والعقلية لخلقه، فمن الطبيعي أن تميل النفس البشرية لبعض المكاسب أو الغنائم، فإن تركت تلك النفوس رهينة لميلانها ورغباتها سينفلت النظام العام وتضيع الأولويات، فكانت الآيات ترويضاً وتربيةً ومنهاجاً لنفوس الجيل الأول في الدعوة الإسلامية، وهنا أصل عظيم لا يمكن أن نتجاوزه دون أن نسقطه عل واقعنا اليوم في معركة الطوفان، فلا غرابة أن يكون في صف المناصرين والمحاربين والمناضلين من لديه رغبات أخرى أو نوايا خارجة عن سياق المثاليات التي نود أن يكون الجميع عليها، فالواجب يحتم قبول الجميع طالما أنهم مشتركون في رد العدوان ودحر المحتل في هذه الفترة، وأمر النوايا وحظوظ النفس يتم تربيتها مع احتوائها دون اقصائها وخسرانها.


لعل من أعظم المشاهدات بعد عام من الطوفان، وعام من الخذلان هي تلك المقدرة العالية لدى العديد من المكونات في أمتنا الإسلامية في تبرير الخذلان الممنهج والممارس من قبلهم تجاه دماء المسلمين في فلسطين ولبنان، وكذلك الاعتداء على بقية بلدان المسلمين مثل اليمن وسوريا، فتلك الكائنات تحاول أن تبحث عن الهفوة أو الزلة أو سوء التقدير من قبل المقاومة كما يظنون ويزعمون حتى يبنون عليهم قناعاتهم والتي يغلفونها بغلاف الشرع والدين لكي تكون ضمائرهم مرتاحة من عبء وثقل الخذلان، فمرات تجدهم يقفون عند شرعية استخدام مفردة (الشهيد) حين ينعى فصيل مقاوم أحد مقاتلي فصيل آخر قد قتل على يد الكيان الصهيوني، بل ويذهب آخرون ويستجلبون ممارسات وتصرفات وانتهاكات قام بها فصيل مقاوم في مرحلة زمنية معينة في بلد ما حتى يجعلوها حاجزاً شرعياً لا يمكنهم تجاوزه أو التعاطي معه، فيحللون على أنفسهم جلوسهم وعدم النصرة، وأما عن أباطرة الخذلان ممن وضع لنفسه أصلاً بأن لا يضع مذهب يده مع مذهب عقائدي آخر وإن كان ذلك من أجل هدف مشترك لتحرير فلسطين ودحر الكيان الصهيوني، فهر يبرر من بعد ذلك الأصل الذي هو أوهن من بيت العنكبوت كل سكوته وصمته عن جميع الدماء التي تسيل وبلدان المسلمين التي تستباح، فمن السهل والراحة أن يختلق المرء لنفسه بدل الحجة ألف حجة حتى لا يشعر بتأنيب الضمير، والشيطان دائماً ما يتلذذ بالتحريش بين عباد الله، والتفريق بينهم ونقض الغزل الذي يقوي من الرابطة بينهم، فأهل الخذلان هم أولياء الشيطان.


إن الطوفان قد جرف معه العديد من السدود والعقبات التي كانت تحول بين المسلمين وتجمعهم واتحادهم على القضايا الجامعة، فبعد عام واحد ها هي علامات النصر والتمكين تلوح في الأفق، وقطف الثمار بات قاب قوسين أو أدنى، فنحن إما أن نكون على قدر ما فرضه الطوفان من خرائط جديدة وموازين قوى لم نعتد عليها، أو أن نسلم أمرنا للضعف والخذلان وعدم اليقين فننجرف مع الطوفان كما انجرف غيرنا، وهنا سنكون قد اتخذنا القرار بأن يستبدلنا الله بغيرنا ويكونوا هم جيل النصر والتمكين.


شارك

مقالات ذات صلة