أدب
تلتقي هذيل مع النبي صلى الله عليه وسلم في مُدْرِكة، فهذيل هو ابنُ مدركة بن إلياس، وقريش يمر نسبها من كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس. وقد تولى بعض المتقدمين جمع أشعار هذه القبيلة العريقة وشرحها. وكان كثير من الأدباء قد أعطى السبق في الفصاحة لهذيل، فقال ابن سلّام إن هذيل هي أشعر قبائل العرب، وقال الأصمعي إن أبا ذؤيب الهذلي هو أشعر هذيل. وأبو ذؤيب وحده ورد في لسان العرب في أكثر من ستمائة موضع، ويُذكر أن الإمام الشافعي كان يحفظ آلاف الأبيات من شعر هذيل.
كتاب شرح أشعار الهذليين:
جمع الإمام أبو سعيد السكري (ت 275 ه) أشعار هذيل في كتابه: “شرح أشعار الهذليين”. وقد روى أشعار الهذليين عن العباس الرياشي وإبراهيم بن سفيان ومحمد بن حبيب وميمون بن جعفر وأبي نصر الباهلي وغيرهم، وهؤلاء هم أيضا رووا أشعار الهذليين عن الأصمعي وأبي عبيدة وابن الأعرابي والأخفش وأبي عمرو بن العلاء والكسائي.
طُبِع شرح السكري لأشعار الهذليين، أول مرة جزئيا، وكان ذلك عام 1854 حيث نشره جون كوسكارتن في لندن. بعد ذلك بلاثين سنة عام 1885م نشر هاغ ولهاوزن في برلين بقية من أشعار الهذليين ونشر تصحيحاته في مجلة الجمعية الشرقية الألمانية التي كانت تصدر في مدينة لايبزيغ.
بعد ذلك سيقوم المستشرق الألماني أوغست فيشر بالجمع بين النشرين وتصحيح النشر الأول بالنشر الثاني ومراجعتهما معا. وأوجست فيشر كان عضوا في مجمع اللغة العربية بالقاهرة.
تحقيق عبد الستار فراج:
وهنا نأتي لعبد الستار فراج رحمه الله أول محقق عربي قام بهذا العمل الضخم وهو تحقيق كتاب أشعار الهذليين، وقد راجع له التحقيق أبو فهر محمود شاكر رحمه الله. وعبد الستار فراج اعترف بالفضل في هذا التحقيق للأستاذ أوجست فيشر الذي أطلعه على تصحيحات ولهاوزن لأشعار الهذليين المنشورة عام 1885.
قبل تحقيق عبد الستار فراج لشرح أشعار الهذليين، كان الكتاب ينشر متفرقا، فمرة صدر جزء منه خاص بأشعار أبي ذؤيب الهذلي في هانوفر عام 1926، ومرة صدر ديوان أبي كبير الهذلي مقتطعا من هذا الكتاب في باريس عام 1927، ومرة عام 1933 صدر جزء من الكتاب يحوي أشعار ساعدة وأبي خراش وأسامة بن الحارث الهذليين. وظل الأمر هكذا: تُنشر من الكتاب مقتطفات ولا ينشر كاملا. إلى أن جاء عبد الستار فراج فتصدى لجمع الكتاب كله وتحقيقه بمساعدة من محمود شاكر.
شرح أشعار الهذليين هو برواية أبي الحسن الرماني (تـ 383 هـ) حيث رواه عن أبي بكر الحلواني، وأبو بكر الحلواني رواه عن السكري مباشرة. وقد جمع السكري في هذا الكتاب لأكثر من 60 شاعرا هذليا.
أبو ذؤيب الهذلي:
بدأ السكري الكتاب بشعر أبي ذؤيب الهذلي الذي قال الأصمعي إنه أشعر شعراء هذيل إطلاقا، وختم الكتاب بشعر أسامة بن الحارث، فآخر قصيدة في الكتاب هي قول أسامة:
أجارتنا هل ليل ذي الهم راقدُ – أم النوم عني مانع ما أراودُ
أجارتنا إن امرأ ليعوده – من أيسر مما بت أخفي العوائدُ
تذكرت إخواني فبت مسهدا – كما ذكرت بوا من الليل فاقد
أما أول قصيدة افتتح بها السكري الديوان فهي عينية أبي ذؤيب المشهورة التي يرثي بها أبناءه.
أبو ذؤيب هو خويلد بن خالد بن مُحرِّث، وقد أسلم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وتوفي في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه. وكان له بنون خمسة توفوا في طاعون، فحزن حزنا شديدا لفقدهم فقال عينيته التي أولها:
أمن المنونِ وريبها تتوجع – والدهر ليس بمعتب من يجزعُ
قالت أميمة ما لجسمك شاحبا – منذ ابتذلت ومثلُ مالك ينفع
أم ما لجنبك لا يلائم مضجعا – إلا أقض عليك ذاك المضجع
وفي هذه القصيدة أبيات سائرة كقوله:
ولقد حرَصت بأن أدافع عنهم – فإذا المنية أقلبت لا تُدفع
وإذا المنية أنشبت أظفارها – ألفيت كل تميمة لا تَنفعُ
وكذلك قوله:
وتجلدي للشامتين أريهمُ – اني لريب الدهر لا أتضعضع
والنفس راغبة إذا رغبتها – وإذا ترد إلى قليل تقنَعُ
أخبار أبي جندب:
ومما أورده السكري من أشعار الهذليين أشعار أبي جندب، وأبو جندب هذا هو من عشرة إخوة وهم أولاد مرة بن معاوية بن تميم بن سعد بن هُذيل، وهؤلاء الإخوة كلهم دهاة وشعراء، وهم أبو جندب هذا، وأبو خراش، والأبح، والأسود وأبو الأسود، وعمرو وزهير وجَنَّاد وسفيان، وعروة.
عندما قُتل أبو الأسود أخو أبي جندب، كان أشد إخوته غضبا، فجعل يقول:
فمن كان يرجو الصلح فيه فإنه – كأحمر عاد أو كليب لوائلِ
ويقول متأسفا على عدم أخذ إخوته بثأر أخيه:
فقدت بني لُبنى فلما فقدتهم – صبَرت فلم أقطع عليهم أباجلي
إلى أن يقول:
رأيت بني العَلات لما تضافروا – يحوزون سهمي دونهم في الشمائلِ
ومن خبر أبي جندب هذا، أن بني لِحيان وهم حي من هذيل أغاروا على جار له من خزاعة فقتلوه وقتلوا امرأته (قتلهما رجل من لِحيان اسمه زهير بن الأغر)، فغضب أبو جندب بسبب اعتداء بني لحيان على جواره، فخرج في قومه حتى أقنعهم بالثأر من لِحيان فأغاروا عليهم وقتلوا منهم خلقا كثيرا وسبَوا نساءهم، وحين أخذ أبو جندب بثأره جعل يقول:
ألا ليت شعري هل يلومن قومُه – زهيرا على ما جر من كل جانب
بكفي زهير عصبة العَرج منهم – ومن بيع في الركنين لخم وغالبِ
(يُحمِّل زهيرا يحمله المسؤولية لِما وقع في بني لحيان من قتل رجالهم وبيع نسائهم لأن زهير هو الذي اعتدى على جوار أبي جندب).
أمية بن أبي عائذ:
ومما أورده السكري كذلك من أشعار الهذليين، أشعار لأمية بن أبي عائذ الهذلي، ومن ذلك قصيدة له رائقة يقول فيها:
لمن الديار بِعَلْيَ فالأخراصِ – فالسودتين فمجمع الأبواصِ
فضَهاء أظلمَ فالنُّطوف فصائف – فالنُّمر فالبُرَقات فالأنحاصِ
أنحاص مسرعة التي حازت إلى – متن الصفا المتزحلف الدلَّاصِ
لا تستبين العين من آياتها – إلا سطور مساجد وعِراصِ
والريحُ رائحة تروح وتغتدي – ترمي الإكام بحاصب الحصحاصِ
قيس بن العيزارة:
ومما ورد أيضا في الكتاب أشعار لقيس بن العيزارة، وكان قد أسره بنو فهم أسره تأبط شرا وسلبه سلاحه، وأوشكوا أن يقتلوه لكنه فر منهم بأعجوبة، فجعل يقول:
لعمرك أنسى روعتي يوم أقتُدٍ – وهل تتركن نفسَ الأسير الروائعُ
غداة تنادوا ثم قاموا فأجمعوا – بقتليَ سُلكى ليس فيها تنازُعُ
من أبيات له طويلة وقد أجابه تأبط شرا، وحصل بينهما تهاجٍ على هذا المنوال.
أورد السكري أيضا أشعار كثير من الهذليين كربيعة بن الجحدر، وعروة بن مرة وأبي أراكة، والعجلان بن خُليْدة وأبي عمارة ابن أبي طَرَفة وغيرهم وغيرهم.
أبو كبير الهُذلي:
كما جاء السكري أيضا في أواخر الكتاب بأشعار أبي كبير الهذلي وأبو كبير هو من أشهر شعراء هذيل، وقد بدأ السكري أشعار أبي كبير بلاميته التي يقول في أولها مخاطبا ابنته زهيرة:
أزهير هل عن شيبة من معدل – أم لا سبيل إلى الشباب الأول
أم لا سبيل إلى الشباب وذكرُه – أشهى إلي من الرحيق السلسلِ
ذهب الشباب وفات مني ما مضى – ونضا زهير كريهتي وتبطلي
أزهير إن يشب القذال فإنني – رُبَ هيضلٍ مرسٍ لففت بهيضلِ
عشتم طويلا.