ضيوف سطور
في عالم مضطرب يخضع لتحولات سريعة وتغيرات دائمة وفي مجتمعات مأزومة كمجتمعاتنا العربية التي لم تستقر بعد على نظم فكرية وسياسية واقتصادية ثابتة ولا تزال تعيش حالة من عدم الاستقرار يجد الشباب أنفسهم أمام تحديات خاصة وعامة يقع على عاتقهم مواجهتها ويتوقف على نجاحهم في ذلك بناء مستقبلهم والتأتثير الايجابي في المستقبل الذي يريديونه لمجتمعاتهم المنكوبة.
وإذا كان هناك من توصيات يمكن أن نقدمها لهم، فهي تختصر في نظري في حقلين رئيسيين: العمل على أنفسهم وقدراتهم ومهاراتهم أولا والتفاعل الايجابي مع مجتمعاتهم ثانيا.
ويعني العمل على الذات: العض بالنواجذ على فرص التعليم والتربية في المدارس والجامعات والمعاهد العلمية، والعناية بالتثقيف الذاتي سواء من خلال قراءة الكتب والمقالات الملهمة التي تفتح العقول على الأفكار الجديدة وتساعد على توسيع دائرة النظر وفهم الواقع المعقد الذي نعيشه، أو بالاستفادة من الموارد التعليمية عبر الإنترنت، وشبكات التواصل الاجتماعي، والتطبيقات المفيدة، لاكتساب مهارات إضافية لما يتم تحصيله في المدارس والجامعات.
فاكتساب مثل هذه المهارات الرقمية من برمجة وتحليل بيانات وغيرها لا بد أن يفتح للشباب آفاقا إضافية للتعلم ويضاعف من قدراتهم الفكرية ومن فرص الحصول على العمل والنجاح.
اكتساب التفكير النقدي والإبداعي. فهو ليس ضروري للتكيف مع الواقع المتحول والمعقد معا وإنما للمساهمة أيضا في تغييره. كما أنه يساعد على امتلاك التفكير الإيجابي الذي يشجع الفرد على مواجهة المخاطر بروح التفاؤل ويحول دونه والاستسلام لليأس أو التسليم بالأمر الواقع كما لو كان قضاء وقدرا.
الثقة بالنفس وتحمل عبء المسؤولية الشخصية وعدم الاتكال على الآخرين أو رمي المسؤولية عليهم في تحقيق الأهداف والتطلعات الشخصية، والتحلي بالجرأة على تحمل النتائج الإيجابية والسلبية لما نقوم به من أعمال ومبادرات والاستعداد لمراجعتها وتصويبها أي لمراجعة الذات التي تعزز الثقة الذاتية وتزيدها.
اكتساب روح المبادرة والاستقلال الفكري والنظر إلى الواقع كواقع حي والتعامل معه من خلال ما ينطوي عليه من احتمالات وما يوفره من فرص. وهذا يستدعي عدم الخوف من الفشل والتعلم من الأخطاء واستخلاص الدروس منها لتطوير الممارسة وتحقيق الأهداف المنشودة.
لكن كما ذكرت، لا يوجد الفرد من دون المجتمع أو خارجه، تماما كما أن المجتمع لا يوجد إلا بما فيه من أفراد. وما يميز المجتمعات بعضها عن بعض ويعطي لبعضها الأسبقية على البعض الآخر في الإنتاج والإبداع والتمتع بالأمان والاستقرار وشروط الحياة الكريمة هو نوعية العلاقات التي تربط الأفراد فيما بينهم وتربط أي فرد بالمجتمع. بعبارة أخرى إنها القواعد والقوانين والأخلاقيات التي تسود فيها والتي تحكم علي المجتمع وعلى أفراده بالازدهار والسعادة أو بالتخلف والشقاء.
ويحتاج التفاعل الإيجابي للفرد بمجتمعه، وفي ما وراء ذلك، بناء المجتمع الحي المتعاون والمتضامن والمتكافل أيضا، إلى تشجيع وترسيخ بعض الميول والشروط الإيجابية ومنها:
الشعور بالمسؤولية العمومية لدى الفرد وقدرته على تحمل واجباته الجمعية وتأدية واجباته تجاه المجتمع والاهتمام بشؤونه. وهذا ما يتطلب من الفرد عدم الانطواء على نفسه والنأي عن المشكلات التي يعيشها الآخرون والمجتمع عموما أو التسليم فيها لقرارات فوقية مفروضة من قبل السلطات السياسية او الفكرية من دون مناقشة، والسعي، بعكس ذلك، إلى التعرف عليها والبحث فيها والتعاون مع الآخرين لفهمها والتأمل فيها والدفع في اتجاه الحلول البناءة ودعم القضايا العادلة.
وهكذا؛ يمكن للشباب أن يحدثوا الفرق الفكري والعملي ويثبتوا جدارتهم ومساهمتهم المتميزة في فهم التحديات المطروحة على مجتمعاتهم وقدرتهم على المشاركة في تقرير مصيرها، أي مصيرهم ايضا.
عدم التردد في الانخراط في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والعمل الجماعي والجهد المنظم، سواء كان ذلك من خلال المشاركة في عضوية الأحزاب السياسية أو النقابات أو الجمعيات المدنية والاجتماعية والنوادي الثقافية والرياضية وغيرها. فمن خلال توسيع دائرة علاقاتهم وتواصلهم مع أترابهم تنمو لديهم روح التعاون والعمل المشترك والدعم المتبادل وتتسع آفاق تفكيرهم ومهاراتهم في استيعاب الفكر المختلف والتعامل الايجابي معه.
عدم الانغلاق على النظرة القومية أو القطرية أو المحلية الضيقة والانفتاح، بخلاف ذلك، على القضايا العالمية الكبرى المطروحة على مستوى البشرية: من التخلف إلى الفقر الى الديكتاتورية إلى العنصرية والحروب وحروب الإبادة والأزمات البيئية المتفاقمة والأوبئة المتفاقمة. فهذه القضايا هي أيضا قضاياهم وقضايانا وعليهم مسؤولية التفكير فيها ومواجهتها.
لكن أبعد من ذلك، لقد أصبح من الصعب تكوين رؤية صحيحة وواقعية للمسائل المحلية المطروحة علينا وبلورة الحلول واتخاذ القرارات الصائبة أو التي تتحلى بقسط كبير من الصواب، على المستوى المحلي أو الاقليمي، من دون امتلاك الحد الادنى من المعرفة بهذه القضايا الكبرى والنقاشات التي تدور من حولها والتفاعل الإيجابي معها. فمجتمعاتنا أصبحت، شئنا أم أبينا، أجزاء من مجتمع دولي واحد تتعدد فيه الأقطاب والدول والجماعات وتتداخل مشاكلنا ونزاعاتنا. ولم تعد هناك حلول ناجعة لأغلب مشاكلنا، في كل الأقطار، بما فيها الغنية والمتقدمة، من دون التوصل إلى إطار للتشاور والنقاش والتفاهم الجماعي العالمي حولها وحول الأولويات والاستراتيجيات والوسائل المطلوبة لمواجهتها.
وهذا هو التحدي الراهن الأكبر الذي يواجه فكرنا وسياساتنا القائمة في الشمال والجنوب على حد سواء، والذي يقود الإخفاق في الرد عليه والتهرب من مواجهته إلى تفاقم اللجوء إلى العنف والحرب في العلاقات الوطنية والدولية معا، ويشكل مقتل الفكر وشرك السياسة.
والخلاصة لم تكن حاجتنا لقوى اجتماعية منظمة مؤهلة لحمل المسؤولية وقيادة العمل العام والجمهور، بعد هذه الحقبة الطويلة من التراجع والانكسار التي عرفتها أكثر مجتمعاتنا في العقود الأخيرة، في أي حقبة سابقة، أكبر مما هي اليوم. وهذه هي اللحظة بل الفرصة التي يقدمها التاريخ للأجيال الشابة العربية لإثبات جدارتهم والتقدم نحو مراكز القيادة الفارغة التي تنتظرهم منذ إجهاض ثورات الربيع العربية.