سياسة
إن الحوار حول تمثيل أفريقيا في الهيئات العالمية يتسع نطاقه في هذا الزمن أكثر من أي وقت مضى، والحديث يدور في إطار نظام دولي متبلور بتفاعلاته المعقدة والمفتتة. ويظهر هنا “الجنوب العالمي”، غير المنحاز، الذي تجنب في أغلبه دعم الغرب في تصويت الأمم المتحدة ضد الحرب الروسية في أوكرانيا، واتسم بموقفمستقل نسبيًا في الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة، بشيءٍ من الأصالة.
وقد دفع الضغط الأفريقي المتزايد لتحسين كفاءة الأمم المتحدة في حفظ السلم والأمن الدوليين نحو إعادة تقييم جذرية لتركيبة مجلس الأمن، التي لم تعد تعكس الواقع الجيوسياسي الراهن. بخصوص قارة أفريقيا، ذات الـ1.4 مليار نسمة، إنّ الطلب للحصول على مقاعد دائمة في مجلس الأمن يتجاوز إصلاح ظلم تاريخي؛ إنه قضية تتعلق بالشرعية والمصداقية الجوهرية للمجلس نفسهبحسب قادتها.
وربما جميع ما سبق هو الذي يفسر أن الولايات المتحدة أعربت–لأول مرة في الأسبوع الماضي- عن تأييدها لإنشاء مقعدين دائمين للدول الأفريقية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لكنها رفضت فكرة توسيع نطاق حق النقض ليشمل الأعضاء الجدد. هذه الخطوة تطرح تساؤلات حول الجدية في تعزيز موازين القوى داخل المجلس وما إذا كانت النوايا تتجه نحو تحقيق توازن حقيقي أو مجرد تعديلات شكلية تعزز الصورة دون المضمون.
تاريخ المطالب الأفريقية
أفريقيا، التي تضم 54 دولة تشكل نحو 28% من إجمالي الدول الأعضاء بالأمم المتحدة والبالغ عددها 193 دولة، تنادي منذ خمسة وعشرين عامًا — وتحديداً منذ إعلان هراري عام 1997 — بضرورة حصولها على مقعدين دائمين في مجلس الأمن وخمسة مقاعد للأعضاء غير الدائمين. ففي يوليو/تموز 2005، -حين كان كوفي أنان -ذو الأصول الأفريقية- أمينًا عامًا للأمم المتحدة، قدم الزعماء الأفارقة إلى الجمعية العامة مقترحًا مشتركًا لإصلاح الأمم المتحدة يُعرف باسم “إجماع إيزولويني”. وبمثل الهند، التي تُعد مع البرازيل واليابان وألمانيا من المرشحين الرسميين لمقعد دائم في المجلس، تطالب أفريقيا بإعادة توازن ديموغرافي يعكس حقيقة سكانها البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة، ما يمثل حوالي 18% من إجمالي سكان العالم.
وفي إطار مكافحة الاتحاد الأفريقي لتأمين مقعدين دائمين في مجلس الأمن –لا يمكنه شغلهما باسم الاتحاد نفسه لأن المقاعد مخصصة فقط لدول ذات سيادة-. أنشأ الاتحاد مجموعة “C10“، المؤلفة من عشر دول مفوضة بالتفاوض نيابة عن القارة لتأمين حقها في مجلس الأمن، بموازاة سعي دول مثل مصر وجنوب أفريقيا بشكل فردي للحصول على مقعد دائم.
يبدو أن تكوين “C10“، –الذي يشمل الجزائر وليبيا متمثلتينلشمال أفريقيا، والسنغال وسيراليون من غرب أفريقيا، بالإضافة إلى كينيا وأوغندا من شرق أفريقيا، وغينيا الاستوائية والكونغو لتمثيل أفريقيا الوسطى، إلى جانب زامبيا وناميبيا للجنوب الأفريقي– يعكس محاولة للحفاظ على توازن إقليمي دقيق، تجنبًا لشكاوى التحيز.
التحديات التي تواجهها المجموعة الأفريقية في الداخل والخارج
1-: تحديات الداخل
يجب على القادة الأفريقيين أن يفتحوا قنوات حوار جادة لتوحيد الرؤى حول المعايير التي يجب أن تحكم اختيار هذه الدول، لتضمن تمثيلاً يخدم مصالح القارة بأكملها. من الضروري أن تأخذ هذه المعايير في الاعتبار عدة عوامل مثل الثقل الجيوسياسي للدول، خبراتها الدبلوماسية، التزامها بالقانون الدولي وحقوق الإنسان، وقدرتها على التأثير بفاعلية في النظام العالمي.
يُطرح السؤال إذا ما كانت دول مثل نيجيريا، مصر، الجزائر، المغرب، إثيوبيا، وجنوب أفريقيا، بحكم ثقلها الديموغرافي والاقتصادي، يجب أن تحظى بالأولوية في التمثيل الدائم أم أن المجال يجب أن يترك للقوى الكبرى المستقرة لتولي المهمة؟ أما بالنسبة للاتحاد الأفريقي، فإن التحدي يكمن في طبيعته كهيئة تعاون حكومي دولي لا تمتلك صلاحيات فوق وطنية، مما يعقد فكرة تمثيله القارة في مجلس الأمن.
من هنا، نادى الخبراء إلى ضرورة تحديد آلية التمثيل ضمن المجموعة الأفريقية وتحقيق توافق حول الدولتين قبل التوجه نحو المجلس وإلا يسهل جدًا اختراق الاتحاد من قوى ترى أن تمثيلاً أفريقيًا دائمًا في المجلس قد يؤذي مصالحها.
ومن الضروري تذكير الأفارقة بما حدث في عام 2011، حينما صوتت الدول الأفريقية الثلاثة غير الدائمة في مجلس الأمن—الغابون، نيجيريا، وجنوب أفريقيا—لصالح القرار رقم 1973 الذي سمح بالتدخل العسكري لحلف الناتو في ليبيا وما تبع ذلك من تفشي الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي. هذا التصويت جاء بالرغم من الجهود التي كانت تبذلها الاتحاد الأفريقي لحل الأزمة سلميًا، وقد جاء القرار بمبادرة من فرنسا والمملكة المتحدة ولبنان، وتم تطبيقه دون مراعاة تحذيرات الاتحاد الأفريقي.
لهذا، من الأهمية بمكان أن يضع الاتحاد الأفريقي آليات للمساءلة تضمن أن تمثل الدول الأفريقية قارتها بأمانة وتعبر عن مواقفها بشكل يحفظ سيادتها ويحترم الإرادة الجماعية للقارة، مع تجنب الانجرار وراء الضغوط التي قد تؤدي إلى اتخاذ قرارات تتناقض مع مصالحها الحقيقية. وهنا يكمن التحدي، فماذا إذا تعارضت رغبة الدولة التي تمثل أفريقيا في مجلس الأمن مع رغبات دولة -أو دول أفريقية أخرى- تجاه قرار معين، وكيف يتم تحديد ما إذا كانت الدولة العضو الدائم باسم أفريقيا خانت مصالح أفريقيا وما آليات المساءلة؟
2-: تحديات الخارج
تكمن المشكلة في أن مقترحات الولايات المتحدة، التي تؤيد منح أفريقيا مقعدين دائمين من دون حق النقض، تعكس نوعاً من التفضيل النظري الذي يقلل من قدرة القارة على التأثير فعليًا داخل المجلس. فهذا المقترح يخلق فجوة حقيقية بين العضوية الفعلية والفعالة، حيث ستظل الدول الأفريقية، حتى وإن كانت عضواً دائماً، مجرد “مراقبين دائمين”، وهو وضع قد اعتبره البعض – كوزير الخارجية السنغالي السابق تيجان غاديو- بمثابة “الأعضاء الدائمين من الدرجة الثانية”. وهو ما يدفعني إلى الاعتقاد بأنه في النهاية، يبدو أن القارة لن تقبل بتسوية كهذه تُنقص من مكانتها أو تَحُدُّ من قدرتها على التأثير بشكل متكافئ داخل هذه الهيئة الدوليةفي القمة المقبلة الأسبوع القادم، مالم يكن إصلاحًا شاملاً يضمن العدالة والإنصاف لجميع الأعضاء في مجلس الأمن.
ضمن هذا الإطار، حظيت دول أفريقية بمقاعد غير دائمة بشكل دوري؛ فعلى سبيل المثال، تمثلت الجابون وغانا في المجلس خلال الفترة 2022-2023، وموزمبيق تتبعها في الفترة 2023-2024. وجود هذه الدول الأفريقية، وإن كان بالتناوب، لم يكن ليمر دون أن يترك بصمته، إذ أفضى إلى مشهد جديد من الألعاب الدبلوماسية ليس فقط داخل القارة الأفريقية، بل وأيضاً في ردهات الأمم المتحدة.
وعن موضوع الإصلاح تمثل التحدي الأفريقي في أن الأمم المتحدة نفسها تواجه تحديًا جوهريًا يتمثل في تعديل ميثاقها لإعادة تشكيل مجلس الأمن. فبموجب المادة 108 من الميثاق، يتطلب أي تعديل موافقة جميع الأعضاء الخمسة الدائمين، المعروفين بـ(P5)، بالإضافة إلى أغلبية الثلثين من دول الجمعية العامة، مما يجعل العملية معقدة وشاقة.
لكن في تطور ملحوظ بشأن الطموحات الأفريقية لتوسيع تمثيلها في مجلس الأمن، شهدنا مواقف دولية متباينة تتأرجح بين الدعم والتحفظ. ففي عام 2020، خلال الجائحة العالمية، أبدت الصين دعمها الصريح لطلب أفريقيا بالحصول على مقعدين دائمين، وتبعتها روسيا في عام 2022، حين أكد سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي، خلال زيارته للجزائر، الداعمة بقوة لهذا المطلب، على الموقف الروسي المؤيد. ولم تتوقف المفاجآت عند هذا الحد، ففي منتصف 2024، وخلال القمة الأفريقية اليابانية، أعلنت اليابان بوضوح عن دعمها للمطالب الأفريقية، متوجة بموقف الولايات المتحدة في سبتمبر من نفس العام، الذي أكد دعمها لمنح أفريقيا مقعدين دائمين في المجلس.
الإشكالية هي أن هذا الدعم الدولي ليس مجرد تعاطف مع قضايا أفريقيا، بل مرتبطًا برغبات استراتيجية من القوى الكبرى لتعزيز نفوذها في القارة الأفريقية كل حسب مصلحته، والأهم من ذلك، استمالةً منها أفريقيا لدعم مواقفها في التصويتات الدولية بالأمم المتحدة ومجلس الأمن. وتحدي الاستقطاب هذا أثر سلبًا على الموقف الأفريقي الذي يُعاني من غياب تماسكٍ في الأساس.
الخاتمة: في الختام نُلاحظ أن الغرب ينطلق – مرةً أخرى– من النظرة التقليدية تجاه الأفارقة، نظرة يعبر عنها العرض الأمريكي، التي لا تزال تصور الأفارقة كمراهقين غير ناضجين وغير مؤهلين لتحمل المسؤولية. فعرض عضوية دائمة دون حق النقض أشبه بالأم التي تُسكت الطفل الباكي بقِطْعةِ حلوى دون الاستجابة لأسباب بكائه الحقيقية.
فحسب بيانات الأمم المتحدة تستحوذ القارة الأفريقية على 70 % من القرارات التي يصدرها مجلس الأمن الدولي، كما تستقطب 60% من مهام حفظ السلام، التي تتم بقيادة القبعات الزرقاء، إلى أراضيها. على الرغم من ذلك، لا يوجد تمثيل للقارة ضمن الأعضاء الدائمين في المجلس.
ومع ذلك، وبصرف النظر عن مدى جدية القوى العالمية الكبرى في دعم مطالب أفريقيا، فإن الواقع الدولي يكشف أن أفريقيا، بوجه عام، تعتبر قارة ذات موارد اقتصادية محدودة، ما يفسر عدم أخذ مطالبها بالجدية الكافية. وفي هذا السياق، يُمكن تفسير الإشارات المترددة من بعض الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، في أنهم يعتبرون أن أفريقيا لا تسهم بنسبة كبيرة في ميزانية الأمم المتحدة، حيث لا تزال مساهمتها أقل من 0.01% في عام 2021 مثلاً، مقارنة بـ 22% من الولايات المتحدة لوحدها. هذا يعكس الحقيقة القاسية التي تقول بأن القوة المالية هي التي تحكم النفوذ السياسي في الشؤون العالمية. وفي هذا الزمان، رغم الدعوات المستمرة لتمكين أفريقيا، فإن حصتها من الناتج المحلي العالمي لا تتجاوز 5%.. لذلك وإن يكن سعيها المستمر لتصحيح الظلم التاريخي عبر التمثيل الأكثر شمولية في هيكلة النظام العالمي، عادل، إلا أنه غير معتبر في الحلبة الدولية.
ومع ذلك، في تقديري تمثل القمة المنتظرة التي ستُعقد على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة -حول هذه المسألة- فرصة ثمينة لإحداث تغييرات جذرية في الحوكمة العالمية وتجديد النظام المتعدد الأطراف. لذلك أعتقد أن الإجابة على من يستحق تمثيل أفريقيا أقل أهميةً من تحديد آليات التمثيل، ومن هنا يتعين على الوفود الأفريقية في هذه القمة أن تركز على إصلاح مجلس الأمن بطريقة تجعله أكثر تمثيلاً، شفافية، وديمقراطية، بما يتناسب مع الحاجة الملحة لزيادة مصداقيته وفعاليته، وجعله خاضعًا لمزيد من المساءلة، وهذه هي مهمة القيادات الأفريقية في الدورة القادمة.