سياسة

الحقوق لا تسقط بالتقادم والبقاء للأمل

سبتمبر 23, 2024

الحقوق لا تسقط بالتقادم والبقاء للأمل


خير لك أن تأتي متأخرا على ألا تأتي أبدا. للإنسان حق الرجعة فيما يظن ويعتقد، وعقيم من يظن أنه لا يخطئ. لماذا أقول ذلك؟ كثيرون من ظنوا خيرا في دولة سعينا جميعنا لاستعادتها وبذلنا الجهد. دولة لاحت شمسها في أفق يوم الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١. وكيف لا يلهمنا يومٌ استبسلت فيه الشرطة المصرية للمحتل وقاتلت بشرف وثبات. وكثيرون من حملوا ثورة يناير ما لا تحتمل وما لم تقترف بادعاءات الأمن والاستقرار والهدوء ووجود الدولة. الواقع أنك لما تكشف الغطاءً عن كومة عفنة لا تلوم من كشف الغطاء عن الحشرات الزاحفة منها، المنطقي أن تلوم من أخفى كل هذا العفن واستفاد منه أو من تستر عليه بإبقاء الغطاء.


الهواء الطلق لا تلوثه الزوابع، هي في نهاية الأمر وقتية وحتما ذاهبة لا محالة. الأصل هو التغيير، والتغيير أنواع. هنالك تغيير يذيب الجليد ويفتح الأعين ويجلي الصدر ويشرحه. وهناك تغيير يذهب القيم ويقضم المجتمع ويمحو الأصول ويحطم الأعراف. وبينهما تغييرات كثيرة قد نأخذ ببعضها ونترك الآخر، المهم ألا نقاوم سنة الكون، الذي يأبى إلا التغيير دائما أبدا.


كم من أفاضل وفضليات حلموا وصدقوا في دولة ما بعد يناير، ومدوا الخط على استقامته لنظام الحكم هذا أو ذاك، هؤلاء أكثرنا تألما الآن. لأنهم لم يتركوا لأنفسهم خط الرجعة، تصلبوا عند إيمانهم العميق بفكرة الدولة، أي دولة، وتمترسوا عند مصطلح الاستقرار دون أن يسائلوا أنفسهم حقا أي استقرار وما الثمن. هاجمهم الفقر والحاجة كما طحن الأغلبية العظمى من المصريين، فتزعزعت أفكارهم ولم يصارحوا أنفسهم بالحقيقة. باغتهم العنف في المصالح العامة والشوارع دون رقيب أو حسيب، وفي غالب أمرهم لابد من وسيط يحميهم هنا أو يتوعد خصومهم هناك فسعوا جاهدين لإيجاد هذا الحامي الذي يحل المشاكل ويرهب الخصوم. واستمر الانحدار في كل مناحي حياتهم حتى باتوا أخيرًا في مواجهة محتملة مع قوى  رديفة لها خصائص الحامي وليس لها رسميته، فاحتاروا في أمرهم. من هؤلاء؟ ومن يحمون؟ ولماذا؟ وما مصير الدولة التي آمنوا بها حية وميتة في ظل هؤلاء؟ كلها أسئلة مشروعة كان يتعين على المشرع أن يشرع في سؤالها بل وإيجاد الإجابة الصحيحة لها!


ومن جملة ما ألم بالدولة وما طال كل مؤسساتها ما طال الدرع الأهم والملاذ لكل صاحب حق. السطلة التي ترتدي رداء العدل، القضاء. الهامة المهيبة التي نهرع لها ونختصم ونستشكل أمامها كي تُرد لنا حقوقنا المسلوبة. امتدت مدد الحبس الاحتياطي لمالا نهاية بجرة قلم، صدرت الأحكام بالحبس على الآلاف. حفظ الناس التهم وصاروا يتلونها: تهديد أمن الدولة والانقلاب على الحكم والترويج لأخبار كاذبة والانضمام لجماعة محظورة، وقد يكون أحيانا. لكن التكرار بالآلاف لافت للنظر. لافت بقدر التفاتنا لأنماط أخرى من الجرائم نحن عليها شهود كل يوم، يخرج مقترفوها بعد ساعة أو بضع ساعات مبتسمين وبخير، بينما عشرات الآلاف من أبنائنا لا نعلم عنهم من أمرهم شيئا.


لكل المشككين، والحالمين، والعائدين والمؤمنين أقول: اطمئنوا. التاريخ لا يرحم، والحقوق لا تسقط بالتقادم، والبقاء للأمل.


شارك