رأى التحرير

في عام الانتخابات عالمياً: لا جديد للعالم العربي

سبتمبر 17, 2024

في عام الانتخابات عالمياً: لا جديد للعالم العربي


يشهد العالم خلال العام الجاري 2024 زخما انتخابيا غير مسبوق، حيث تشهد 75 دولة انتخابات خلال هذا العام. ويُقدر عدد الناخبين المدعوين للإدلاء بأصواتهم قرابة نصف سكان الكوكب، مما يعد عاما تاريخيا للتغيير السياسي عبر الانتخابات. في المنطقة العربية؛ 10 دول عربية أيضا ستشهد مواسم انتخابية، رئاسية أو برلمانية أو محلية. أدت الانتخابات التي أجريت خلال هذا العام في عدد كبير من الدول إلى تغييرات دراماتيكية شغلت أذهان المراقبين والمهتمين، مثل انتخابات السنغال وبريطانيا وفرنسا والبرلمان الأوروبي، كما يترق العالم كله نتائج الانتخابات الأمريكية التي ستكون مآلاتها فارقة ومؤثرة للغاية محليا ودوليا. فهل يُتوقع أن تحمل الانتخابات في العالم العربي جديدا للشعوب العربية؟ خاصة أن ثمة انتخابات تجري في دول محورية في المنطقة؟

 

منذ تأسيس الدولة العربية الحديثة، لم يزل مسار تحولها الديمقراطي متعثرا، ولا تزال الآليات الديمقراطية لا تعدو كونها إجراءات شكلية لاستيفاء الجانب الإجرائي من الشرعية، لكن الشرعية الحقيقية لا تستند فقط على الشكل الإجرائي للانتخابات، فطالما لم تُعبر الانتخابات عن التوجهات الشعبية بشكل حقيقي، وطالما لم تأخذ الشعوب فرصتها الكاملة في تنظيم الأحزاب وممارسة حقوقها السياسية بحرية كاملة، فإن الديمقراطيات القائمة ستظل شكلية تماما، في أحسن الظروف، وإذا شعرت النخبة الحاكمة بتهديد حقيقي لسلطتها فلديها الاستعداد الكامل للعصف حتى بهذه الإجراءات الشكلية، لتكريس هيمنتها المطلقة.


تونس، باكورة الثورات العربية ودرة تاج الربيع، من المقرر أن تشهد انتخابات رئاسية في السادس من أكتوبر القادم، وهي الانتخابات الأولى بعد الإجراءات الاستثنائية للرئيس قيس سعيد في 25 يوليو 2021، والتي وُصفت بأنها انقلاب سياسي مكتمل الأركان، حيث أقدم الرئيس على تعطيل الدستور وتجميد البرلمان وحل الحكومة، ومن ثم إدارة البلاد عبر مراسيم تشريعية وتنفيذية، بلا رقابة قضائية أو برلمانية، في صورة من صور الاستبداد  المطلق، ورِدّة شاملة عن كافة مكتسبات الثورة.


خلال ثلاثة أعوام، أغلق المجال العام في تونس، وتراجع دور مؤسسات المجتمع المدني الكبرى التي تميزت بها تونس عربيا، مثل الاتحاد العام للشغل والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، كما تراجع دور الأحزاب السياسية بعد حملة التشويه والإقصاء التي مارسها قيس سعيد ضدها.، مستعملا أدوات أمنية وقضائية، وصلت حد الزج برئيس أكبر الأحزاب التونسية، حزب حركة النهضة، ورئيس البرلمان، راشد الغنوشي، في السجن، مع آخرين من الأمناء العامين لأحزاب تونسية أخرى، واعتقالات لصحفيين وإعلاميين.


تمضي الانتخابات التونسية في ذات السياق الإقصائي، حيث تعمد سلطة قيس سعيد إلى هندستها مسبقا، بما يضمن له النجاح وتكريس سلطته القائمة، عبر توافق مع الهيئة المشرفة على الانتخابات التي رفضت ترشح أهم ثلاثة من المرشحين الجادين المنافسين لقيس سعيد. وسمحت فقط بترشح ثلاثة مرشحين، أحدهم هو الأمين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي، واحد من أبرز الداعمين للرئيس الحالي ولإجراءات  25 يوليو. والثالث هو النائب البرلماني ورجل الأعمال عياشي زمال، أحد المعارضين لانقلاب الخامس والعشرين من يوليو، ونتيجة ترشحه أن استدعته السلطات للمثول أمام قاضي التحقيق بعد ساعات من إعلان هيئة الانتخابات قبول ملف ترشحه، وسيخوض الانتخابات من محبسه! ولا زالت هيئة الانتخابات حتى كتابة هذه السطور ترفض ترشح ثلاثة من المرشحين الآخرين رغم حصولهم على أحكام قضائية لصالح ترشحهم من أعلى هيئة قضائية في البلاد، هم: عبد اللطيف المكي ومنذر الزنايدي وعماد الدايمي.


وفي الأردن؛ التي شهدت انتخابات تشريعية أجريت في العاشر من سبتمبر الجاري، اعتبر بعض المراقبين أنها شهدت تحولات جديدة، خاصة بعد تصدر حزب جبهة العمل الإسلامي للمقاعد المخصصة للأحزاب. لكن الحقيقة أن الانتخابات الأردنية أيضا تمت هندستها بما لا يسمح لأي من الأحزاب الحصول على أغلبية حقيقية في البرلمان ولا التحكم في الحكومة أو قراراتها. حيث خصصت النسبة الأكبر من مقاعد البرلمان لدوائر محلية يستند التصويت فيها على الانتماء القبلي والعشائري، والنتيجة أن أكبر الأحزاب الفائزين لم يحصل سوى على 31 مقعدا من  إجمالي 138. وخلاصة المشهد الأردني أن المسافة لا تزال ضخمة عن الوصول لديمقراطية حقيقية أو حتى ديمقراطية مقيدة.


لا يختلف الأمر كثيرا في لبنان أو ليبيا أو الصومال أو غيرها من الدول العربية التي من المقرر أن تشهد انتخابات مماثلة على مستويات مختلفة، والسبب الرئيسي أن التطور السياسي للدول العربية لا يزال ناقصا، والمواسم الانتخابية ليست إلا محطات شكلية لتمديد سلطة الأمر الواقع. فيما تصر أطراف إقليمية أيضا على دعم الاستبداد بشكل مستمر والعمل بشكل حثيث على طي صفحة الربيع العربي وإفشال كافة محاولات الانتقال الديمقراطي، مما يضع الشباب العربي أمام مفترق طرق تاريخي ومصيري، إما الاستمرار في النضال رغم الظروف الصعبة وغير المواتية سعيا للتغيير السياسي والاجتماعي، أو الاستسلام لإرادة الاستبداد والإقصاء والتغييب عن مسار التاريخ والتأثير الحضاري.


وأخيرا؛ تستدعي هذه الأحوال المتردية، رغما عنا، المقارنة بين ما يحدث في بلادنا من ديمقراطية مشوهة واستبداد مقنع، بما يجري في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث الديمقراطية الراسخة والتنافس الحزبي القوي الذي لا يكاد يستطيع أحد أن يجزم بنتائجه قبل دقائق من إعلان نتيجة الانتخابات. وفي الوقت نفسه؛ ورغم أن الولايات المتحدة تقدم نفسها باعتبارها راعية لنشر الديمقراطية في العالم تتعامل بأريحية مع النظم الاستبدادية العربية، بل وتكرس جهودها المالية والأمنية والعسكرية لدعم الاستبداد العربي وحصار حركة الشعوب التي يمكن أن تمثل تهديدا له!


شارك

مقالات ذات صلة