في يوم الاثنين، 2 سبتمبر، عقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مؤتمره الصحفي الثاني خلال 48 ساعة، مشددًا على أن إسرائيل لن ترضخ للضغوط الدولية أو المحلية لتغيير مسارها في الحرب المستمرة منذ 11 شهرًا والتي دمرت غزة ودفعت الشرق الأوسط إلى حافة الحرب. ألقى نتنياهو باللوم على حماس في تعثر محادثات وقف إطلاق النار، كما رفض الاتهامات من منتقديه بأنه تخلى عن الرهائن. وخلال مؤتمره الصحفي، أصر نتنياهو على أن إسرائيل لن تتخلى عن السيطرة على ممر فيلادلفي، الشريط الحدودي بين إسرائيل ومصر، وأنه لن يتراجع عن موقفه تحت أي ضغوط. يُعد انسحاب القوات الإسرائيلية من ممر فيلادلفي أحد المطالب الرئيسية لحماس في المفاوضات.
وفي الوقت نفسه، عقد الرئيس بايدن اجتماعاً طارئاً مع كبار مستشاريه في مجلس الأمن القومي لمحاولة الوصول إلى “دفعة نهائية” نحو اتفاق لوقف إطلاق النار. ووصف الرئيس بايدن مقتل أحد الرهائن، الإسرائيلي الأمريكي هيرش غولدبرغ بول بأنه مأساوي ومستنكَر، وتعهد بأن “قادة حماس سيدفعون ثمن هذه الجرائم”. ولكن الرئيس واجه انتقادات من الأمريكيين والإسرائيليين على حد سواء. ويشير منتقدو بايدن إلى أنه لم يستخدم نفوذ أمريكا على إسرائيل، لا سيما من خلال المساعدات العسكرية الكبيرة التي تقدمها لإسرائيل، لإجبار نتنياهو على التوصل إلى اتفاق.
بعد الاجتماع الطارئ مع الرئيس، تحدث أحد مستشاريه للصحفيين وقال إن موقف نتنياهو العلني لم يكن “مفيدًا” في المفاوضات. وأضاف المستشار أن الاتفاق كان قد تم التوصل إلى 90% منه، وأن هناك بعض القضايا العالقة فقط، بما في ذلك انسحاب القوات الإسرائيلية من المناطق المكتظة بالسكان.
تُبرز أحداث نهاية الأسبوع ضعف الموقف الأمريكي عندما يتعلق الأمر بالضغط على نتنياهو للتحرك نحو وقف إطلاق النارفبعد مرور ما يقارب 11 شهرًا على الحرب المدمرة على غزة، والتي أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 40,000 فلسطيني، وإصابة 94,000 آخرين، وتيتيم 17,000 طفل، لا يوجد أي مؤشر على أن إدارة بايدن مستعدة لاستخدام النفوذ اللازم لتغيير موقف نتنياهو أو لمنع المزيد من الموت والدمار في غزة. بعد تلقيه انتقادات وضغوط شديدة من الجماعات المؤيدة لإسرائيل وأعضاء الكونغرس في مايو بسبب وقفه المؤقت لإحدى شحنات الذخيرة إلى إسرائيل، لم يكتفِ بايدن برفض قطع أي مساعدة عسكرية عن إسرائيل، بل استمر في الموافقة على مساعدات جديدة، حتى بعد أن صرّح بنفسه للصحفيين في 2 سبتمبر أن نتنياهو لا يبذل جهوداً كافية للتوصل إلى اتفاق.
إذن، ما الذي يمنع بايدن من استخدام كل الأدوات المتاحة له لتغيير سياسات نتنياهو التدميرية في غزة؟ هناك سببان رئيسيان أحدهما شخصي والآخر منهجي.
السبب الأول والشخصي هو حب بايدن لإسرائيل ورغبته في حمايتها من التهديدات التي يراها من إيران ووكلائها في المنطقة، بما في ذلك حزب الله وحماس. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت لقناة سكاي نيوز البريطانية إنه لا يعتقد أن بايدن يريد أن يُنظر إليه على أنه يتخلى عن إسرائيل في وقت حاجتها الكبرى. وهذا يعني أنه لن يمارس الضغط على نتنياهو خوفاً من إضعاف إسرائيل أمام إيران وحلفائها.
السبب الثاني والمنهجي هو تأثير الجماعات المؤيدة لإسرائيل في الانتخابات الأمريكية. ومع بقاء 60 يومًا فقط على موعد الانتخابات وتساوي فرص المرشحين كامالا هاريس ودونالد ترامب تقريبًا في استطلاعات الرأي، من الواضح أن إدارة بايدن لا تنوي اتخاذ أي خطوات قد يستغلها المعسكر المؤيد لإسرائيل ضد هاريس. هاريس تواجه بالفعل ضغوطًا من هذه الجماعات، واضطرت لتوضيح موقفها الداعم لأمن إسرائيل، حتى في الوقت الذي تدعو فيه إلى إنهاء معاناة الفلسطينيين في غزة وزيادة المساعدات الإنسانية إلى القطاع الساحلي.
يعلم دونالد ترامب أن دعم إسرائيل يشكل عنصرًا حاسمًا لأي حملة انتخابية ناجحة، وقد هاجم بايدن وهاريس لعدم بذلهما ما يكفي لحماية إسرائيل. وصرح ترامب بأنه لو كان رئيسًا، لما حدثت هجمات 7 أكتوبر، وأنه، على عكس بايدن، كان سيتمكن من التوصل إلى اتفاق وإنهاء الحرب بسرعة. هذه الهجمات، بالإضافة إلى ضغوط الجماعات المؤيدة لإسرائيل، أجبرت إدارة بايدن على الحفاظ على موقفها تجاه نتنياهو، والذي يقتصر على انتقادات علنية عرضية لرئيس الوزراء الإسرائيلي ومن غير المرجح أن تتجاوز ذلك.
للأسف، يبدو أن الوضع الحالي للحرب على غزة سيستمر ما لم يحدث تغيير جذري في السياسة الأمريكية، وهو أمر غير مرجح. هذا المسار سيقرب منطقةالشرق الأوسط بأسرها من حافة الحرب. سيستمر حزب الله في هجماته على إسرائيل، ومن المتوقع أن تواصل إيران تصعيدها ضد إسرائيل رداً على اغتيالالزعيم السياسي لحماس إسماعيل هنية في إيران. كذلك سيستمر الحوثيون في مهاجمة السفن الإسرائيلية وعرقلة طرق الشحن في البحر الأحمر.
هذه الأحداث، إلى جانب تصاعد العنف في الضفة الغربية وتجاوزات المستوطنين المتطرفين، تنذر بأيام قاتمة قادمة، ليس للفلسطينيين فحسب، بل للشرق الأوسط بأكمله.