تُعدُّ مدينة طُليطلة واحدة من أقدم المدن في إسبانيا، وتمتلك تاريخًا حافلًا يمتد إلى ما قبل غزو الرومان لشبه جزيرة إيبيريا. كانت المدينة تُعرف في الأصل كمدينة إيبرية قديمة، وتمثل نقطة محورية في تاريخ المنطقة. استولى عليها الرومان في عام 193م، وحولوها إلى واحدة من أهم المدن في إمبراطوريتهم في شبه الجزيرة الإيبيرية. ومع مرور الزمن، وخصوصًا قبيل الفتح الإسلامي للأندلس، كانت طليطلة تُعد المركز الرئيسي في إسبانيا القوطية، حيث كانت العاصمة السياسية ومقر الكرسي الأسقفي في أيبريا، مما منحها أهمية دينية وسياسية كبيرة في ذلك الوقت.
في بدايات شهر رجب من عام 92هـ/711م، بدأت القوات الإسلامية بقيادة طارق بن زياد حملتها الكبرى بعبور مضيق جبل طارق من العدوة المغربية باتجاه الأندلس، بعد أن أتموا فتح بلاد المغرب العربي. وقد تمكنت هذه القوات من تحقيق سلسلة من الانتصارات السريعة على القوط، الذين كانوا يعانون من انقسامات داخلية وضعف في التنظيم. تركزت المعارك الحاسمة في وادي لكّة أو وادي بكة، وهو سهل تحيط به التلال العالية من الجنوب، وعلى ضفاف بحيرة خنده ونهر “بارباتي”.
هناك، في الثامن والعشرين من شهر رمضان سنة 92هـ/17 يوليو سنة 711م، التقى الجيشان، وبعد مناوشات استمرت لثلاثة أيام، اندلعت معركة حاسمة في اليوم الرابع. انتهت هذه المعركة بانتصار المسلمين الساحق على الجيش القوطي، الذي كان يتألف من كبار رجال الدولة والفرسان. هذه الهزيمة لم تترك للقوط مجالاً لمواجهة كبرى أخرى، مما سهل الطريق أمام طارق بن زياد للاستيلاء على عاصمة القوط “طُليطلة” بدون مقاومة تذكر.
وبعد أن استقر الحكم الإسلامي في طليطلة، أصبحت المدينة مركزًا حضاريًا وثقافيًا متميزًا، حيث ازدهرت فيها العلوم والفنون والآداب. كانت طليطلة تمثل رمزًا من رموز الحضارة الأندلسية، حيث تمازجت فيها الثقافات الإسلامية والمسيحية واليهودية، مما جعلها مركزًا للتبادل الثقافي والمعرفي. احتضنت المدينة العديد من العلماء والمفكرين الذين ساهموا في نهضة العلوم في مختلف المجالات، وخصوصًا في الفلك والرياضيات والطب والفلسفة.
ولكن، في لحظة من الشقاق بين ملوك الطوائف في الأندلس، وانشغالهم بمحاربة بعضهم البعض، استغل الملك ألفونسو السادس ملك قشتالة هذه الفرصة واستعاد السيطرة على طليطلة في عام 1085م. كانت هذه اللحظة مأساوية للمسلمين في الأندلس، إذ سقطت واحدة من أعظم حواضرهم، وخرجت من قبضة الإسلام بعد أن حكمها المسلمون لمدة تزيد عن ثلاثمائة وسبعين عاماً. خلف المسلمون وراءهم إرثًا ثقافيًا وفنيًا عظيمًا ما زال يتلألأ في طليطلة إلى يومنا هذا، حيث تعكس المباني والأعمال الفنية المتبقية روعة تلك الحقبة وعمق تأثيرها على الثقافة الأوروبية.