سياسة

الإصلاح المؤسسي: تأسيس للإصلاح الشامل

أغسطس 26, 2024

الإصلاح المؤسسي: تأسيس للإصلاح الشامل



الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد التي أعلنت عنها الدولة لم تدخل أبدا حيز التنفيذ الجاد. فهي بحاجة للكثير من التشريعات، والاستقرار كما أسلفنا على رؤية تتكامل فيها أجهزة ومؤسسات الدولة. بعدها يأتي التركيز على لجنة تختص بالإصلاح السياسي، لأنه يستحيل تفعيل استراتيجية حقيقية للإصلاح الاقتصادي من دون برنامج سياسي إصلاحي مكمّل لآليات مكافحة الفساد وإعادة ترتيب البيت من الداخل. التعددية السياسية والحريات العامة والحياة الحزبية النشطة ليست كماليات لمشهد تبدو فيه الدولة متأنقة من الخارج فقط، بل هي عامود فقري وضامن لمؤسسية أي قرار بشكل يضمن الحد الأدنى من التوافق والرقابة المجتمعية.


أول وأهم الإصلاحات من حيث الأولوية إلغاء كافة الإجراءات التي تماثل في إجراءاتها حالة الطوارئ والتي طالما التُف على النص الدستوري عليها بفرضها لمرة واحدة تمرر من البرلمان حتى استبدلت بقوانين وإجراءات أخرى أشد ضررا وأكثر كلفة بشرية ومادية. بعد ذلك يأتي إصلاح القوانين الانتخابية العادلة، الأفضل فيها الأخذ بنظام القائمة النسبية والحد الأدنى فيها هو النظام الفردي ولطالما حذرت من نظام القائمة المغلقة لأنه كما وصفته إبان التعديلات الدستورية عام ٢٠١٩ هو نظام فاشٍ. 


إجراءات فتح المجال العام وحريات المواطنين تُفعل أولا بقرار عفو عام عن المسجونين في قضايا لا تتعلق بممارسة العنف أو التحريض عليه، وأن نجد حلا ناجزا لقضية الحبس الاحتياطي والذي بات بلا سقف بقرار الرئيس المؤقت عدلي منصور. فيقضي الشخص شهورا وأحيانا سنوات خلف القضبان باتهامات أو بدون وفي الغالب يخرج من دون محاكمة. من المطلوب بل من الضروري النظر للفئة التي تعد التحريات التي تؤخذ الناس من بيوتها بجرائرها واعتمادات أجهزة الأمن الوطني ونيابته.


اللجنة التالية تشكل لكونها لجنة وطنية لمكافحة الإرهاب بمفهومه الحقيقي، وليس لاستهداف المعارضين. تجفيف منابع الإرهاب لا يكون إلا بالعدل والتعامل بجدية مع اتهام أي فرد بممارسة الإرهاب على المواطنين أو الانضمام لجماعة إرهابية أو بتمويلها. لا يمكن أن تبقى هذه الاتهامات قائمة محفوظة لكل من يعارض ولجهات التحريات والإحالة السالف ذكرها. لمواجهة الإرهاب حقيقة وليس تلفيقا علينا أن نلتزم بصحيح القانون. ثم لجنة لحماية حقوق الإنسان بشكل فعال وليس بالشعارات، لأن تعرض مواطن للظلم قد يدفعه لاتخاذ سلوك عدواني تجاه الآخرين، وهنا لا أبرر، لكنه من السذاجة ألا نضع كل تصرف أو سلوك في سياقه ومسبباته.


تعزيز منظومة العدالة يأتي غير منفرد إضافة لكل ما سبق من لجان تنفيذية وتشريعية ورقابية. قوانين الحبس الاحتياطي والإجراءات الجنائية والمرافعات يكون المجلس التشريعي هو المضطلع بها لضمان اتساقها نصا وتطبيقا. أما السلطة القضائية فبحاجة لانتفاضة كبرى تراجع طريقة التعيينات والترقي والندب والإعارة. فلا مناص من تغيير حقيقي وعميق لطريقة انتقاء الأشخاص للتعيين في الهيئة القضائية مرورا بترقيهم في الوظائف والمراكز المعنية بالفصل بالعدل والعدالة وحتى الرقابة على الانتخابات. الاستقلال المالي والإداري للسلطة القضائية ضرورة حتمية والاستقلال السياسي عن السلطة التنفيذية لن يستقيم من دونها إصلاحات في الهيئة القضائية.


بعد ذلك يأتي إعادة هيكلة وزارة الداخلية. مبدئيا يجب على الوزارة أن تتخفف من الكثير من المهام غير لصيقة الصلة بها، فمثلا إشراف وزارة الداخلية على الحج والعمرة عبء لا علاقة لها به. كما يمكن تكليف جهة إدارية بإصدار بطاقات الرقم القومي وشهادات الميلاد والوفاة والزواج وغيرها للمواطنين ورفع ذلك عن كاهل الداخلية . دور الوزارة الأساسي ينحصر في حفظ الأمن الداخلي وفي الكثير من الدول بالفعل تسمى وزارة الأمن الداخلي. 


كل ما تحتاج إليه الوزارة من إمكانيات ورفع كفاءة الأفراد واجب. الإصلاح المالي للوزارة أيضا واجب باطلاع البرلمان على قوائم المرتبات والمكافآت والمواءمة بين الحوافز المادية للرتب العليا والدنيا بشكل يضمن اندحار الفساد وعدم فتح الباب للشبهة. كما لا يمكن لهذا الجهاز الوطني أن يتسق عمله مع فلسفة وجوده إلا بحساب المخطئ والمتعدي على المواطن، والفاسد والمرتشي والمستغل لسلطة الأمن عينيا وماديا للنفع الشخصي أو الوسائطي.


هذا جانب من إصلاح منظومات في الدولة لا تعمل إلا بالتناغم والتنسيق غير المخل بمبدأ الفصل بين السلطات. إذا فسدت إحداها أفسدت الأخريات وإذا فلت لجامها انفرط عقد الدولة.



شارك