أسدل الستار على دورة الألعاب الأوليمبية باريس 2024، وبدا جدول ميداليات الدول المشاركة معتاداً بتصدر الولايات المتحدة الأمريكية للترتيب، متبوعةً بالصين واليابان وأستراليا وفرنسا وهولندا وبريطانيا وكوريا الجنوبية وإيطاليا وألمانيا في المراكز العشرة الأولى.
بينما تصدرت البحرين العرب في المركز الثالث والثلاثين في جدول الترتيب برصيد ذهبيتين وفضية وبرونزية، تليها الجزائر في المركز التاسع والثلاثين برصيد ذهبيتين وبرونزية، ثم مصر وتونس في المركز الثاني والخمسين برصيد ذهبية وفضية وبرونزية، ثم المغرب في المركز الستين برصيد ذهبية وبرونزية، ثم الأردن في المركز الرابع والسبعين برصيد ميدالية فضية واحدة، وأخيراً قطر في المركز الرابع والثمانين برصيد برونزية واحدة. مما يجعل محصلة العرب في باريس 2024 هي 17 ميدالية متنوعة بواقع 7 ذهبيات و4 فضيات و6 برونزيات.
وفاز بتلك الميداليات رياضيو 7 دول عربية، بينما أخفق رياضيو 15 دولة عربية أخرى شاركت في الدورة في الفوز بأي ميدالية. وبلغ حجم بعثات الدول العربية 428 رياضياً، وحصلت مصر على نصيب الأسد من الرياضيين المشاركين برصيد 148 رياضياً مصرياً.
وقد تبدو سيطرة الولايات المتحدة والدول الأوروبية الكبرى والدول الآسيوية صاحبة الباع الطويل في الرياضة بشكل عام وفي دورة الألعاب الأوليمبية بشكل خاص منطقية ولا يجوز مقارنة نتائج العرب بها، لكن مراكز دول مثل أوزبكستان وكينيا وايران وجورجيا تجعلنا نتوقف لنسأل، هل هناك مشكلة حقيقية في الرياضة العربية؟ فلنرى.. شاركت أوزبكستان ببعثة بلغ حجمها 86 رياضياً، بينهم 18 من لاعبي كرة القدم.
ونجح رياضيو أوزبكستان في أحراز 13 ميدالية متنوعة، منها 8 ذهبيات وفضيتين وبرونزية، وذلك في ألعاب الملاكمة والجودو والتايكندو والمصارعة ورفع الأثقال، مما وضعها في المركز الثالث عشر في جدول ميداليات البطولة برصيد ميداليات ذهبية أكبر من مجموع الميداليات الذهبية التي فاز بها الرياضيون العرب في الدورة! أما كينيا فقد شاركت ببعثة بلغ حجمها 72 رياضياً، منها 12 لاعباً من لاعبي الرجبي.
وأحرز رياضيو كينيا 11 ميدالية متنوعة، منها 4 ذهبيات وفضيتين و5 برونزيات. وانفردت ألعاب القوى وبالأخص مسابقات العدو بجميع ميداليات الكينيين التي وضعت كينيا في المركز السابع عشر في جدول الترتيب. فيما شاركت إيران ببعثة حجمها 41 رياضياً، ونجح رياضيو إيران في حصد 12 ميدالية متنوعة، منها 3 ذهبيات و6 فضيات و3 برونزيات. وتوزعت ميداليات إيران بين لعبتي المصارعة والتايكندو ووضعتها في المركز الحادي والعشرين في دول الترتيب. وأخيراً جورجيا التي شاركت ببعثة حجمها 28 رياضياً، ونجح رياضيوها في حصدت 7 ميداليات متنوعة، منها 3 ذهبيات و3 فضيات وبرونزية واحدة، وذلك في ألعاب الملاكمة والجودو ورفع الأثقال والمصارعة، مما جعلها تأتي في المركز الرابع والعشرين في جدول الترتيب.
والملاحظ في ميداليات أوزبكستان وكينيا وإيران وجورجيا أنه يبدو أن هناك تركيز على رياضات معينة في ظل الامكانيات المحدودة تلك الدول، حيث تركزت ميداليات أوزبكستان وإيران وجورجيا على الألعاب القتالية وألعاب التحمل، فيما تركزت ميداليات كينيا على مسابقات العدو في ألعاب القوى. فهل الحل في التخصص؟ وهل يبدأ العرب في التركيز على ألعاب بعينها تناسب – على سبيل المثال – البيئة الخاصة بكل دولة والبنيان الجسدي الذي يتميز به سكان كل دولة عن الأخرى أو الألعاب التي تشتهر بها كل دولة عبر تاريخها؟ أين ذهب التألق المصري في رياضات الألعاب القتالية وألعاب التحمل، وبشكل خاص المصارعة ورفع الأثقال؟ عبر 3 دورات أوليمبية هي أمستردام 1928 وبرلين 1936 ولندن 1948 فازت مصر بـ5 ميداليات ذهبية وفضيتين وبرونزيتين في رفع الأثقال، وفازت أيضاً بذهبية وفضية وبرونزية في المصارعة! أين التألق المغربي في مسابقات العدو في ألعاب القوى، الرياضة التي اعتادت المغرب الفوز فيها بميداليتين على الأقل بين دورتي 1984 بلوس أنجلوس وبكين 2008 ولولا وجود الأسطوري سفيان البقالي في دورتي باريس 2024 وطوكيو 2020 لأصبحت ألعاب القوى المغربية في خبر كان!
أين برامج البطل الأوليمبي التي طالما قرأنا عنها عشرات المرات في أغلب الدول العربية والتي لم تأت بأي ثمار حتى الآن، بل إن السير أصبح إلى الخلف؟الرياضة العربية بحاجة الى وقفة جادة. فالإمكانيات المادية والبشرية متوفرة وهذا هو الأهم. وأول طريق الاصلاح هو الاستعانة بخبرة المتخصصين – ولو كانوا من الأجانب – في طريقة الادارة ووضع الخطط القصيرة والمتوسطة والطويلة الأجل لتصحيح مسار الرياضة العربية ووضعها في مكان يليق بها بعيداً عن فكرة التمثيل المشرف.
وحتى ذلك الحين يجب على الدول العربية أن تستعين بالأرقام في تحديد عدد بعثاتها الأوليمبية، بحيث أن ترسل الرياضيين الذين تدل أرقامهم على قدرتهم على الوصول لدور الـ16 على الأقل من اللعبة التي يشاركون بها، بعيداً عن عدد الرياضيين المؤهلين للمشاركة في الدورة بشكل عام. ففي اعتقادي الشخصي نسبة الميداليات المحققة مقابل عدد الرياضيين المشاركين أهم من حجم ضخم للبعثة مقابل نجاحاً محدوداً.