قبل عامين كنتُ في دورة بالمركز البريطاني للغات، فسأل الأستاذ الكندي من في القاعة عن زعيم يعتبرونه قدوة لهم في الحياة، وطلب أن يكتبوا عنه بالإنجليزية، صُدمت حين كانت إجابة 70% من الحضور، وجلهم قطريون ويمنيون ومصريون، هو: صدام حسين.
سألتُ نفسي لماذا اختار هؤلاء الشباب العشرينيون من عمرهم صدام رمزا ونموذجا يقتدون به؟ فوجدت الجواب أنهم بحثوا عن سمات الزعامة، فصدام رغم تاريخه المضطرب سياسيا إلا أنه بدا رجلا صامدا في مواجهة أمريكا واسرائيل، وقُتل بيد أمريكية في حرب ظالمة على العراق، ثم إنهم في واقعهم لم يجدوا زعيما آخر بين ظهراني أمتهم!
عاش الشعب العربي أجيالا من التيه والضياع، بلا رؤية أو بوصلة، وبلا قائد أو زعيم، حتى جاء يحيى السنوار، زعيما متفردا، يقلب طاولة العالم، ويصرخ بأعلى صوته من الأرض المباركة: أتينا بطوفانٍ هادر!
يهدد وينفذ، يتقن السياسة وألاعيبها، يضلل العدو والصديق، ويراكم قوة وبأسا، فيضرب إسرائيل ومن خلفها أمريكا ضربة قاضية ستكون هي فاتحة التحرير، ولن تبرأ إسرائيل من السابع من أكتوبر لآخر يوم من عمرها.
يستجديه “بلينكن” ويخاطبه: “مستر سنوار.. أرجوك وافق على الصفقة”، ثم لا يكل الأمريكان عن ذكره في كل مؤتمر صحفي حتى أن “كيربي” خرج اليوم يقول: “ينبغي للسنوار كصاحب قرار أن يقبل باتفاق وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن”، يردف بلينكن في خطاب آخر: “لن نسمح لحماس أن ترسم ملامح المنطقة”، وهو يقصد السنوار!
لقد جئتَ على قدرٍ يا يحيى، لتحيي آمالا لشباب أمة ضائعة، وتشعل جذوة جهاد ستحملها لعشرات السنين، وتعيد القضية الفلسطينية في بؤرة اهتمام العالم، وتشيّد مرحلة جديدة من مناطحة الاستكبار الأمريكي، وهزيمة المشروع الصهيوني.
جئت على قدر يا يحيى، لتُعجز محور الشر في الأرض، بآلياته وتقنياته، بأقماره الصناعية وطائراته، بقده وقديده، بجنده وعديده، وبكل ما أوتي من قوة، جئت لتثبت أن غزة أقوى من كل جبروت الكوكب، وأن غزة صارت محور الكون!
جئت على قدر يا يحيى، شجاعا شهما تنادي بوحدة الأمة سنتها وشيعتها، بأعلى صوتك ومن فوق منبرك المزين ببركات الجهاد، لتصحح البوصلة، وتسحب الجميع نحو معركة الأمة الأولى: معركة فلسطين، فتنجح في أن توحد صواريخ غزة وبغداد وطهران وبيروت وصنعاء نحو هدف واحد، وعدو واحد، وتحشد خلف تلك الصواريخ ملايين المسلمين من شرق آسيا حتى أقصى غرب أفريقيا، فهل نجح أحد في توحيد جهد الأمة من قبلك؟
على قدر جئت يا يحيى، تستلم راية سلفك اسماعيل هنية، الذي كنت توقره وتحترمه، ولا تفتئت عليه، وتلتزم معه جنديا، ثم من خلفه قائدا، نشعر باطمئنان شديد لسفينة أنت ربانها، ومسيرة أنت قائدها، كنت تنظّر وتجهز وتهيئ لهذه المعركة منذ سنوات، تمرر الأفكار، وتحفز الجماهير، والأهم: ترسم رؤية سياسية استراتيجية للمعركة وعبر الإعلام قبل أن تبدأ، فنعم البندقية تلك التي بيدك، ونعم الجيش الذي خلفك، ونعم الشعب الذي حملك.
جئت على قدر يا يحيى السنوار، لتعيد لنا مجدنا وعزنا، وعودةً قريبة للديار.