ترددت أصداء خبر اغتيال إسماعيل هنية في جميع أنحاء العالم الإسلامي من العاصمة الإيرانية طهران التي شهدت آخر لحظات القائد إسماعيل هنية الأمين والمدافع الصادق عن القضية الفلسطينية. وأؤكد هنا على لفظ العاصمة؛ فإيران في الحقيقة دولة لا تأبه بسمعتها كثيرًا، وتلك حقيقة ظاهرة وتزداد وضوحًا بعد كل حادث.
ولكن لا مجال في هذا المقال للحديث عن إيران وتفوقها في إخراج المسلسلات والأفلام، فالهدف هنا هو عرض ما تسعى إليه إسرائيل، وما يمكن للدول الإسلامية القيام به في هذا الصدد.
من الواضح أن خطاب نتنياهو أمام الكونجرس الأمريكي سيبقى علامة سوداء في تاريخ الديمقراطية وأمريكا، فالتصفيق والتقدير اللذان أظهرهما له في أعضاء المجلس قد دعم الإجرام الذي تقوم به السلطات الإسرائيلية وأكسبها شيئًا من القوة والجرأة. فبعد هذه الزيارة لم تتردد إسرائيل في العربدة في كل اتجاه وكل بلد بتهور ودون إبداء أي احترام لأي قيم إنسانية. والواضح أن إسرائيل تخطط لنشر الحرب في جغرافيا أوسع وربما تسعى لبدء حرب عالمية جديدة. وإذا كان الأمر كذلك فينبغي أن يكون الهدف الأول للدول الإسلامية هو ضمان حصر هذه الحرب والقضاء عليها في مهدها.
وأود أن اشير بشكل خاص إلى ذلك. أولئك الذين صفقوا بحرارة لنتنياهو القاتل عدو الإنسانية، إما أن يعتذر عن تلك الفعلة الشنيعة للبشرية كلها والأجيال القادمة، أو أنهم سيُحاسَبون أمام الإنسانية والأجيال القدمة. فموقفهم الذي أظهروه في ذلك الاجتماع المشئوم يتعارض بالكلية مع مبادئ الإنسانية وكرامتها. وبالطبع فإن كل عمل يفتقر لتلك المبادئ لن ينجو من الحساب يومًا ما. كما أن التنازل عن هذا الحق للتاريخ الذي سيسجله للأجيال القادمة يعد خيانة للمسئولية وقتلا للضمير الإنساني.
وعلى النقيض من التصرف العقيم للكونجرس، فمن الضروري أن نشكر الجامعات الأمريكية والمجتمع الأكاديمي والإداريين العامين والدبلوماسيين أصحاب المبادئ والمواقف الأخلاقية الذين لا يدعمون سياسات نتنياهو ولا يقبلون القمع الإسرائيلي، وهدفهم حماية الكرامة الإنسانية وقيمها على المستوى المحلي والدولي.
ومعلوم أيضًا أن الحروب الكبيرة تتسبب في كوارث ضخمة والتي بدورها تؤدي إلى عمليات انقراض واسعة المدى. ولهذا فإنه من الصواب والأكثر حكمة الابتعاد عن كل ما من شأنه أن يسبب الدمار. على الرغم من أننا نتأثر بعواطفنا وخيالاتنا أحيانا، وتوجهنا بعض الأوهام لاتخاذ القرار الخاطئ، إلا أنه من الضروري التمسك بالمنطق والعقل والقيام بما هو عقلاني. ولذلك، فالدول ليس لديها عاطفة، ولا يتخذ عقل الدولة إلا قرارات “عقلانية” فقط بعيدة عن العاطفة وتأثيراتها السلبية.
إذًا، كيف نوقف إسرائيل؟ كيف نمنع إسرائيل من تحقيق أهدافها؟ وبعبارة أخرى: كيف نمنع إسرائيل من أن تمثل مشكلة لهذه المنطقة بعد الآن؟!
يمكنني أن أقول: إن أول شيء يجب القيام به هو تحقيق وحدة الدول الإسلامية بوضع المناقشات المصطنعة التي لا معنى لها جانبًا. بالطبع من الصعب تحقيق هذه الوحدة في وقت قصير بين جميع البلدان الإسلامية. لكن على أقل تقدير من الضروري إنشاء ميثاق دفاع فلسطيني ولو في نطاق ضيق بين دول محددة. ويجب أن يضم هذا الاتفاق جوانب اقتصادية وسياسية وعسكرية وأكاديمية؛ كي لا تذهب الجهود والمبادرات أدراج الرياح إذا فقدت المنهج المتوازن الذي يحفظها من الاضطراب والتلاشي.
ثانيا: يجب ضم عناصر الحرب غير التقليدية إلى الميدان، بمعنى ضرورة دمج دول الجوار في الأراضي المحتلة ومنع إسرائيل من التوسع ولو على المدى القصير. الأمر الذي سيطيل أمد الحرب ويبقيها في مناطق محدودة. وبالتالي ينبغي أن تحظى هذه المناطق بدعم من قبل دول حلف الدفاع عن فلسطين. وستكون نتيجة تقديم هذا الدعم علنًا ضمن خطة المساعدة على التغلب على مشكلة الشرعية المتعلقة بالصراع.
ثالثا، يجب تعبئة الرأي العام في الداخل الإسرائيلي. ومن أجل تحقيق ذلك، ستكون الأداة الأكثر أهمية هي التضييق على مسؤولي الدولة الإسرائيلية والمواطنين الإسرائيليين ومنعهم من السفر بحرية في جميع أنحاء العالم. وفي هذا السياق يمكن الحديث عن إلغاء جميع اتفاقيات التأشيرة كخطوة أولى.
إن نضال الدول والمجتمعات الإسلامية وحده قد لا يكون كافيًا لوقف القمع الإسرائيلي. ولذلك من الضروري أن تشارك في هذا الكفاح كل البشرية التي لا يزال لديها ضمير حي بغض النظر عن الدين أو اللغة أو العِرق. وبعبارة أخرى، على الرغم من أن بعض الحكومات الغربية لم تتفاعل مع المذابح التي تقوم بها إسرائيل ولم تأخذ أي موقف تجاهها كما هو متوقع، إلا أن العديد من المسئولين في الحكومات الغربية والرأي العام الغربي بأكمله تقريبًا يبدي اهتمامًا واضحًا للقيام بشيء يمكن من خلاله وقف الوحشية والبربرية الصهيونية. ولهذا فإن الخطوة التي ستعيد وضع الأمور في نصابها ستتمكن من تحقيق النجاح بمشاركة البشرية جمعاء.
والمرحلة الأولى لهذا النجاح هي وقف القمع، والمرحلة الثانية هي استعادة المواقع المفقودة وتقديم المُساءَلة عن الجرائم، والمرحلة الثالثة هي الحفاظ على منع إسرائيل من ارتكاب القمع مرة أخرى وضمان التزامها بذلك. والحقيقة أن تحقيق هذه المراحل الثلاثة ممكن بشرط وحدة وتعاون البلدان الإسلامية، ومشاركة البشرية كلها شرقًا وغربًا.