مدونات

أثر لا يزول: فلسفة الحياة والبصمة الخالدة

يوليو 24, 2024

أثر لا يزول: فلسفة الحياة والبصمة الخالدة

هل تعتقد أنَّك تعرف الحياة؟ هذا السُّؤال يظلُّ يتردَّد في ذهني، ويحثَّني على البحث عن إجابة له كلَّما واجهت تحدِّيًا جديدًا!


 نعم، ما تعلَّمته في المدرسة عن الحياة هو أنَّها المدَّة الزَّمنيَّة الَّتي تبدأ بولادة الإنسان وتنتهي بوفاته لكن، ما هي الحياة حقًّا؟ وما هو الهدف منها؟ هل يمكننا حقًّا تعريفها في إطار محدَّد؟ عندما تطرح هذا السُّؤال على نفسك في أوقات مختلفة، ستلاحظ أنَّ إجابتك تتغيَّر مع مرور الوقت ومع تغيُّر تجاربك وخبراتك. 


حياة الطِّفل الصَّغير تدور حول والديه وعائلته، أمَّا حياة المراهق فمحورها أصدقاؤه وزملاؤه في المدرسة وبالنِّسبة للنَّاضج تدور حياته حول نفسه، أحلامه، طموحاته وإنجازاته. كلُّ مرحلة من مراحل الحياة تختلف عن الأخرى في الأهداف والوسائل والنَّتائج بالنِّسبة لي، أرى أنَّ الحياة هي قصَّة نحن نكتب فصولها، أفعالنا هي كلماتها، وإنجازاتنا هي الحبكة المميَّزة لها قد لا تنتهي قصَّتنا بوفاتنا، فكثير من الأشخاص تتناقل الأجيال قصصهم رغم أنَّهم غادروا الحياة منذ زمن طويل.


فكر في الأمر: كمّ من الجسد قد أفناه البلى، ومع ذلك تبقَّى قصَّته حيَّةً بين النَّاس؟ هذا يعني أنَّ الحياة ليست مجرَّد وجود فيزيائيّ، بل هي أثر تتركه، وبصمة تخلِّدها على مرِّ الزَّمان لذلك، علينا أن نجتهد لنعيش حياةً مميَّزةً، حياة لها تأثير وبصمة واضحة تتذكَّرها الأجيال القادمة.


أتذكَّر أنَّه في يوم من الأيَّام، طلب مني أحد الأصدقاء ألَّا أموت كان طلبه مفاجئًا وغريبًا، فأخبرته بأنَّنا جميعًا ميِّتون لا محالةً وأنَّ هذه الحياة فانيةً لكنَّ جوابه كان مختلفًا وغير متوقَّع، قال لي: “غير صحيح. انظر إلى محمود درويش، تشي جيفارا، الشَّيخ أحمد ياسين، كلُّهم لا زالوا أحياءً بيننا لم يموتوا، بل تركوا أثرًا لا يزول”.


هؤلاء الأشخاص عاشوا حياتهم بطريقة جعلت أسماءهم خالدة. قدَّموا للعالم شيئًا يظلُّ في ذاكرته، سواءً كان شعرًا، أو نضالاً، أو فكرًا. لم تكن حياتهم مجرَّد سنوات مرَّت، بل كانت علامات فارقة، وقصصًا تروى وتستمرُّ في الإلهام والتَّأثير الحياة ليست مجرَّد عدد من الأيَّام والسَّنوات الَّتي نقضيها، بل هي القيمة الَّتي نضيفها خلال هذه الأيَّام كلَّ يوم هو فرصة جديدة لنكتب جزءًا من قصَّتنا، لنضيف فصلاً جديدًا يحمل بصمتنا ويعبِّر عن هويَّتنا.


هذا هو ما يجعل الحياة مثيرة ومليئة بالاحتمالات: القدرة على التَّأثير، على خلق شيء جديد، على ترك أثر لا ينسى. في كلِّ مرحلة من حياتك، ستجد أنَّ أهدافك وأولويَّاتك تتغيَّر، في الطُّفولة، قد يكون اللَّعب واللَّهو هو محور حياتك. في المراهقة، تبدأ في البحث عن نفسك من خلال علاقاتك مع الآخرين وعندما تنضج، تدرك أنَّ الحياة أكبر من ذلك، وأنَّها تتطلَّب منك أن تكون أكثر وعيًا ومسؤوليَّة، لكن لا تدع هذه المراحل تمرُّ دون أن تترك أثرًا، اجعل من كلِّ مرحلة جزء من قصَّة أكبر، قصَّة تعبِّر عنك وعن رؤيتك للعالم.


لا تكن مجرَّد متفرِّج في حياتك، بل كُن الكاتب والمخرج والممثِّل الرَّئيس فيها. اخلق لنفسك فرصًا، واغتنم اللَّحظات، ولا تخف من الفشل، إن الفشل هو جزء من الرِّحلة، وهو ما يجعل النَّجاح أكثر قيمة وإلهامًا. وعندما تنظر إلى الوراء، تأكَّد أن تكون فخورًا بما أنجزته، وأن ترى في حياتك قصَّةً تستحقُّ أن تروى، قد تكون القصَّة مليئةً بالتَّحدِّيات والصُّعوبات، لكنَّ هذا ما يجعلها مثيرةً للاهتمام ومليئة بالدُّروس في النِّهاية، الحياة ليست فقط عن العيش، بل عن كيفيَّة العيش.


لذلك، عش حياتك بكلِّ ما فيها، واصنع لنفسك قصَّةً تستحقُّ أنَّ تروى للأجيال القادمة. حاول ألَّا تموت، بل اترك أثرًا يجعل النَّاس يتذكَّرونك ويحكون قصَّتك بفخر وإعجاب، هكذا تكون الحياة ذات معنًى وقيمة، وهكذا تبقَّى حياً حتَّى بعد رحيلك ولا ننسى قول رسولنا الكريم الحبيب المصطفى: “إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له” رواه مسلم.


لنكتب قصَّةَ حياتنا بأفضل شكلٍ ممكنٍ، ولنجعلها مليئةً بالإنجازات والمغامرات والتَّحدِّيات الفريدة” في ختام هذا التَّأمُّل، أودُّ أن أؤكد لكم أنَّ الحياة ليست بقاءً جسديًّا، بل هي ما نصنعه بأيدينا، وما نتركه من أثر، لذلك حاول ألَّا تموت.




شارك