رأى التحرير
في أبريل 2019، وتحت وقع الحراك الشعبي الذي اندلع بشكل متقارب في 4 دول عربية، اضطر الرئيس السوداني، عمر البشير، للاستقالة من منصبه بعد اتساع الحراك الشعبي ووصوله لمرحلة يصعب السيطرة عليها. وفي الشهر ذاته؛ أنهى الحراك الشعبي في الجزائر آمال العهدة الخامسة للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة وأجبره أيضا على الاستقالة. ولاحقا؛ في أكتوبر من العام نفسه، انطلقت احتجاجات واسعة ضد رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، ورئيس الوزراء العراقي، عادل عبد المهدي، أدت لاستقالتهما من منصبيهما، تحت ضغط الحراك في كلا البلدين. كانت هذه الاحتجاجات بمثابة موجة ثانية للربيع العربي، تشابهت في سياقاتها وديناميات تطورها بل وحتى هتافاتها مع احتجاجات 2011 التي اندلعت في 9 دول عربية أخرى، تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا والأردن والمغرب والبحرين.
في أبريل 2023، بعد تمام 4 سنوات من الثورة السودانية، دخل السودان الذي كان شرارة انطلاق موجة الربيع الثانية وأكثر ساحاتها تفاعلا وتعقيدا، في دوامة حرب شرسة بدأت بين أجهزة الدولة نفسها ووصلت عامها الثاني دون أفق لنهاية قريبة لحالة القتل والنزوح المستمرة.. فهل كان السودان نهاية لآمال الشباب العربي في ربيع يؤتي ثماره وفي نضال سياسي يحقق أهدافه؟
رأي التحرير:
رغم النتائج التي لم تكن إيجابية لموجة الربيع الأولى، لم يمنع ذلك تكرار الاحتجاج الشعبي في دول عربية أخرى في 2019. فانطلاق موجتين من الاحتجاجات الشعبية شملت كلتاهما 12 دولة عربية، في حد ذاته يعني أننا أمام ظاهرة قابلة للتكرار وأن هزيمة إحداها أو اصطدامها بواقع داخلي معقد لم تحسب حسابه لا يؤثر علي فرص استعادة المبادرة الشعبية بعد دورة زمنية قصيرة.
يرجع ذلك لعدة أسباب موضوعية وعميقة في المشهد العربي؛ منها الانفجار الديموغرافي في أعداد الشباب الذين وصلت نسبتهم إلى ما يقارب 65٪ من غالبية المجتمعات العربية، تزامنا مع الفشل الوظيفي للدولة العربية في تقديم الحد الأدنى من متطلبات الشباب الاجتماعية والمادية، مما يجعل من التغيير السياسي ضرورة حياتية، و يظل يفتح الباب لتجدد حالات الحراك النضالي من وقت لآخر، ومن مكان لآخر، وبصور متعددة، ليمثل ظاهر عربية مستمرة أو على الأقل متكررة.
ومن المعروف بحكم التاريخ؛ أن موجات التفاؤل والإحباط في مسارات التغيير الكبرى قد تتكرر، لكن لأن التغيير في ظل واقع متردي أصبح ضرورة، فمن المتوقع أن يستمر مسار محاولة التغيير. وهو مسار غير مضمون النتائج في كل مرحلة منه، لكنه مضمون النتائج في نهايته البعيدة. فلا بد للشعوب من أن تجرب، والحراك الشعبي مسار تجريبي، تجرب فيه الشعوب تكتيكات واستراتيجيات عملها وتراكم خبراتها وتستعد لمراحل لاحقة.
وجدير بالذكر في هذا السياق أن طوفان الأقصى ليس منفصلا عن محاولات الشباب العربي للتغيير، فمقاومة الاستبداد والفساد المحلي ومقاومة الاحتلال الخارجي مترابطان. ويمكن اعتبار الطوفان موجة جديدة من موجات التغيير العربي، بل يمكن أن يكون من أهم تداعياتها إعادة الروح النضالية لقطاعات من الشباب العربي تسفر لاحقا عن محاولات جديدة للتغيير.
ختاما وبشكل عملي؛ نقول إن التأثير المتبادل لصعود أو تراجع فرص التغيير بين البلدان العربية وبعضها البعض، يضع الشعوب العربية جميعها والشباب العربي بالضرورة أمام مصير مشترك، ولذا فإن تعزير مسارات العمل العربي الشعبي/الشبابي المشترك بات ضرورة أكثر من أي وقت مضى. وإنشاء وإطلاق أوعية ومسارات عمل فعالة تجمع طليعة الشباب العربي الذي أكسبته النضالات المتكررة خبرات جماعية عميقة يمثل خطوة أولى في طريق طويل للتغيير.
إدارة التحرير في منصة سطور