مدونات
الطنطورة بلده جميلة بحرها مختلف وسحرها أيضاً، يقولون عنها مالديف فلسطين وربما لذلك السبب حدث فيها كل ما سَيُتلى عليكم الآن .
تَعودنا من السينما علي النهايات التعيسة حيث لا بد أن يفترق الأبطال ويبكي الجميع من خلفهم، من هنا كان لا بُد لذلك الجمال أن ينْقضي بكل ذلك القدر من القُبح وتتحقق تِراجيديا السينمات التي تعودنا عليها، فهل للجمال موقع في هذا العالم المزيف؟!
وددت يا عزيزي القارئ أن أحكي لك قصة بلدة جميلة بحرها أزرق، وقع البطل في حب البطلة الجميلة علي شاطئها وربما أنجبوا فتاة أطلقوا عليها فلسطين ولكن قصتنا انتهت قبل أن تبدأ..
بعض الجنود من لواء الإسكندرون سَحرتهم الطنطورة وظنوا أنها قطعة من وطنهم المزيف، وضعوا أيديهم عليها بعد إعلان قيام دولتهم بأيام، دافع أهل هذه القرية الباسلة بشجاعة ولكن سِحر تلك القرية لعيون هؤلاء الجنود كان أقوى من الجميع .
فَعلوا فيهم ما هو أقسى من الموت، قُتل الشباب بدم بارد، ووضِع البعض في أقفاص وانهالوا عليهم بالرصاص حتي سالت دماؤهم علي الأرض وكأنهم دجاج مذبوح، هُجر النساء إلى قرية الفريديس المجاورة للطنطورة بعد أن جُردوا من كل ما لهم وحَفر الرجال قبورهم بأيديهم.
في إحدى الوثائقيات التي خَلّدت تلك الفجيعة يتحدث ذلك الجندي والابتسامة الباردة لا تفارق فاه، وكأنه يحكي مشهد في فيلم سينمائي شاهده منذ عهد ولّى؛ يقول: الجثث كانت متراكمة كالقمامة (أهلنا أشرف منهم جميعاً) ولم ننتظر حتي لنعرف ماذا حدث فيهم، والآخر يقول ظلت تلك الجثث أمام أعين أهالي القرية لأيام.
كيف يمكن أن يقول بكل بساطة أنه بعد انتهاء المعركة ركضنا إلي الشاطئ وسبحنا؟! كيف يمكن أن توضع تلك الكلمات في جملة واحدة؟! كيف يمكن أن يَنسى شخص تلك العيون التي رَمقته وربما استنجدت به أن يتوقف عن فِعل ما يُقدم عليه لن أقول من توسل لأن الفلسطيني لا يتوسل لأحد سوى الله، إن كنا سنموت فلنمت بشرف فهم يفتحون أذرعهم للموت ويقولون مرحباً بك نحن في انتظارك.
في بعض أحداث تلك المجزرة؛ لأول مرة أتمني الموت لأحدهم! تلك الفتاة ربما كانت في عمري تمنيت أن لا تفتح أعينها وتدرك ما قد حدث لها، أخذها ذلك الجُندي الحقير من أمام أعين الجميع واغتصبها وعادت نصف جسد بلا روح عادت ممزقة الجسد والفؤاد. في البداية قُتل عمها أمام أعينها حين حاول الدفاع عنها وانتشالها من يد مغتصبها ؛ ولكن كان جمال تلك الفتاة يطغي علي المشهد فقتله بدم بارد وأخذها إلي أحد المنازل واغتصبها، ألم يكن الموت أرحم بها من تلك الدنيا القاسية؟!
المقابر الجماعية مصطلح لم نسمعه لأول مرة في مستشفى الشفاء ولا بعد طوفان الأقصى، فهناك في الطنطورة ما يقارب الثلاث مائة جثة دُفنوا جميعاً معاً ورأينا عظامهم المتحللة في وقتٍ ليس ببعيد، عندما شَرع البعض في بناء نادي للغوص في تلك المنطقة فوجدوا بعضا من تلك العظام ولكن الجميع غض الطرف عن ذلك فالفلسطيني ينجب الكثير وهو معتاد علي الموت وها ذهبت القصة في طي النسيان كغيرها.
الآن تنزل من سيارتك وتدخل موقف السيارات؛ تصرف روتيني يفعله الكثير ولكن غير المعهود أنه ربما تطأ قدماك علي أقدام أبٍ لأسرة هنا أو هناك أو طفل صغير لأمٍ مكلومة منذ النكبة. إسرائيل لم تترك الأمر لمحض الصُدفة أنه ربما يظهر مخبول ما ويقول أنه حدثت مجزرة هنا ويَنبش من جديد في تلك الأراضي، فتلك المقابر، أو لنقل الأخدود، تؤكد الأبحاث أنها فُتحت ونُظفت وتم دَحض كل الأدلة التي تؤكد لنا أن دماء أجدادنا تسكن هنا.
تفعل ذلك إسرائيل الآن وهي تُجرف خانيونس وجباليا وطولكرم وحي التفاح وكأنها لا تكتفي بقتلهم ولكنها تقول بصوت عالي سأبني تاريخي ومنزلي من رماد أجسادكم وستشاهدون ذلك وأنتم مكبلين الأيدي ولن تستطيعوا النطق بحرف.
إسرائيل مُذ تكونت وهي تسير علي صراطٍ من الحرص لطمس أي شيء قد يُوقع أقنعتها المزيفة وأساطيرها الهاوية. أسمعتَ ذات مرة أن يجلس رجل أو ربما اثنان بناءً علي طلب شخص من المفترض أنه زعيمهم ويقول هيا دعونا نكتب بعض التاريخ المزيف، ماذا سنطهو اليوم من أجل تلك العقول النيئة التي لن نجعلها تنضج أبداً، كيف نخدر شعبنا والعالم ؟!، أسطورة من هنا وأسطورة من هناك وبعض الملح والبهارات وتصير الوجبة دسمة ويلتهمها ذلك العالم الجشع الغافل.
سَطّر بن غوريون التاريخ هو وعصابته المؤرخون، أراد أن يُثبت للعالم أجمع أن الفلسطينيين قد تَركوا منازلهم بمحض إرادتهم، كانوا فقط أهل كرم فآثرونا علي أنفسهم وتركوها لنا، من الساذج الذي يصدق ذلك!
عندما تقرأ تلك الكلمات من موقعك الآن تتعجب ولكن هذا حقاً ما حدث؛ نشأ شعب وأجيال علي تلك الترهات. قيادة تلك الجيوش علي قناعة أننا لم نُهجر أحداً فقط قاتلنا من خرج أمامنا والباقي قد هرب؛ ومن لا يفر وهو أعزل وخمسين طلقة موجهة إلي صدره.
المستوطنون الذين يعيشون الآن في تلك الأراضي المحتلة أجابوا بالرفض حينما عُرض أمامهم أن يُوضع نُصب في مكان تلك المقبرة وقالوا إن كان هذا يعني الكثير لذلك الفلسطيني الدخيل إذن فهو يضرني؛ تلك اللافتة تعني ملكية يريدون أن يثبتوا ملكيتهم لأرضٍ كانت لهم، يا لهذا السخف كيف يمكن لعاقل أن يطلب ذلك؟!
إسرائيل مجتمع بأكمله صاحب ذاكرة انتقائية لا يتذكر أي دناسة أو فُجر قد فعله، هل كان شيء سيختلف إن شهد هؤلاء الجنود من لواء الإسكندرون علي ما حدث في الطنطورة، هل كانت لتتوقف المجازر عن الحدوث أو حتى هل كان سيختلف الرأي العام تجاه تلك الدولة الكاذبة هل سيكون رد فعل العالم الأوروبي أقل حده بعد طوفان الأقصى فتلك ليست أولى مجازر إسرائيل.
الطنطورة لم تكن في الماضي فقط ولكنها حدثت اليوم وبالأمس وقبل الأمس، أظن أن إنكارهم لتلك الحادثة وهم رأوها بأمِّ أعينهم وكأنه إنكار لتلك الحيوانية التي ظهرت منهم وقتها، إنكار لسجيتهم الحقيقة التي لا طالما أخفوها في عقولهم وقلوبهم، أرادو أن يتلحفوا برداء الإنسانية والسلام وصدقوا ذلك لأعوام.
كيف يمكن أن تبلغ من العمر تسعين عاماً وتشيب وأنت تنكر أن علي يديك الكثير من الدماء! وتقول أنه لم يحدث ذلك قط كانت مجرد معركة ندافع فيها عن أرض أوهمونا أنها لنا وأن بقتل هؤلاء سيكونون عبيداً لنا وسنفوز بدولة جميلة ببحر أزرق ورمال صفراء.
دمُ كل فلسطيني أغلى من العالم أجمع، فربما التحرير ليس اليوم ولكنه بقريب فتحريرها كلها ممكن، وسيبدأ من داخلنا أولاً ومن ثم إلي أراضينا المحتلة.