فنون

يوثّق واحدة من أعنف الكوارث الطبيعية في التاريخ.. The Impossible

ديسمبر 20, 2025

يوثّق واحدة من أعنف الكوارث الطبيعية في التاريخ.. The Impossible

“The Impossible” أو “المستحيل” هو فيلمٌ مذهل، من إنتاج عام 2012، للمخرج الإسباني “خوان أنتونيو بايونا”، ويوثّق فيه واحدة من أعنف الكوارث الطبيعية في التاريخ، حيث في 26 ديسمبر 2004 دمّر إعصار “تسونامي” القرى والمنتجعات السياحية على طول الساحل الغربي في تايلند.

تبدأ الأحداث مع أسرةٍ أجنبية مكوّنة من رجل الأعمال “هنري بيلون” وزوجته الطبيبة “ماريا بيلون” وأبنائهما الثلاثة “لوكاس” و”توماس” و”سايمون”، الذين يسافرون إلى تايلند لقضاء عطلة مثالية في أحد المنتجعات السياحية الفاخرة المطلة على الساحل، غير أنّ كلّ شيء ينقلب فجأة إلى كابوس، مع اجتياح إعصار عنيف للمنطقة دون سابق إنذار، جارِفًا كلّ ما في طريقه، ليصبح الجميع في مواجهة مباشرة مع الموت.

قامت “ماريا بيلون” الحقيقية بكتابة قصة الفيلم بالاستناد إلى تجربتها المروّعة مع أسرتها، بالتعاون مع “سيرجيو جي سانشيز”، الذي حوّل القصة إلى نصٍّ سينمائي احترافي، وقد حافظ فيه على البناء الدرامي والصدق العاطفي، دون الوقوع في فخ الميلودراما أو الاستعراض الفارغ، وحين يصل الفيلم إلى ذروته في مشهد الإعصار، الذي بدا واقعيًّا إلى حدّ الرعب، يتحوّل إلى تجربةٍ حسّية تكاد تخترق الشاشة، بفضل رؤية “خوان أنتونيو بايونا” الإخراجية، بالتصوير المتقن، والمونتاج الدقيق، والموسيقى التصويرية المتميزة، والمؤثرات الصوتية والبصرية الرائعة.

قدّمت “نيومي واتس” أقوى أداء في مسيرتها السينمائية بشخصية “ماريا”، حيث لم تعتمد على الحوارات إطلاقًا، بل جسّدت الألم والانكسار النفسي، مستخدمة جسدها ونظراتها وصمتها كأدوات تمثيل أساسية، وظلّ حضورها طاغيًا على الفيلم بأكمله، إذ أصبحت معاناتها محور التجربة العاطفية للمُشاهد، وبوصلته الإنسانية وسط الفوضى، وهذا ما جعل ترشيحها لجائزة الأوسكار لأفضل ممثلة مستحقًا عن جدارة.

كما أبدع “إيوان مكغريغور” في شخصية “هنري”، بأداءٍ مؤثر وعميق جسّد فيه الأبوّة تحت أقسى اختبارات الفقد والخوف، أمّا “توم هولاند”، في ظهوره السينمائي الأول على الإطلاق، فقد أدّى شخصية “لوكاس” بوعيٍ تمثيلي يتجاوز عمره، كطفلٍ يُساق قسرًا نحو النضج، حامِلًا داخله خوفًا مكتومًا وصراعًا صامتًا عبّر عنه بصدقٍ مؤلم، ولا أنسى بقية الممثلين الذين قدّموا أداءً جميلًا.

بلغت ميزانية إنتاج الفيلم 45 مليون دولار، وقد حقّق نجاحًا هائلًا، بإيراداتٍ تزيد عن 198 مليون دولار دولار في شبّاك التذاكر العالمي، مؤكّدًا أنّ صدقه الإنساني وعمق تأثيره العاطفي كانا كفيلين بملامسة وجدان النقّاد والجمهور.

الفيلم في جوهره ليس عن إعصار تسونامي، بل عن الإعصار الداخلي الذي يهزّ البشر حين تسقط الامتيازات الاجتماعية والحدود الطبقية والثقافية واللغوية، ويتساوى الجميع أمام الخوف والألم، فلا يبقى سوى إنسانٍ ضعيفٍ يبحث عن يدٍ يتشبّث بها كي لا يغرق.

التفاصيل الصغيرة تبدو عابرة، لكنّها تشكّل العمود الفقري للتجربة: نظرة قلق، صرخة استغاثة، لمسة تعاطف من غريب، أو قرار بالبقاء واقفًا رغم النزيف، وفي هذه التفاصيل يعيد الفيلم تعريف البطولة، لا بوصفها انتصارًا خارقًا على الطبيعة، بل بوصفها قدرة على الصمود، وعلى الاستمرار في الحب والرعاية رغم الانكسار، والمعجزة ليست نجاة الجسد وحده، بل نجاة الروح من الاستسلام لليأس.

لا يمنحنا الفيلم إجابات سهلة، ولا يعدنا بنهايات مريحة، ولكن يدعونا إلى التأمّل في مفاهيم أعمق: القدر، والأمل، والشجاعة، وغريزة البقاء، ويذكّرنا أنّ الحياة هشّة، ولا نُدرك قيمتها الحقيقية إلا حين نقف على حافة فقدانها، وأنّ الإنسان عندما يواجه مصيره بقلبٍ مثقل بالألم لكنّه مشبع بالأمل، فإنّ “المستحيل” يصبح ممكنًا حقًا.

شارك

مقالات ذات صلة