فنون

ذهَبَ مع الريح.. تحفة سينمائية خالدة من زمنٍ عريقٍ

ديسمبر 6, 2025

ذهَبَ مع الريح.. تحفة سينمائية خالدة من زمنٍ عريقٍ

 

“Gone With The Wind” أو “ذهَبَ مع الرّيح”، الذي أُنتِجَ في عام 1939، هو واحدٌ من أروع الأفلام التي شاهدتها على الإطلاق، وقد أخرجه “جورج كيوكور”، وهو مقتبس من الرواية الأشهر في العالم آنذاك، والتي تحمل الاسم نفسه، للكاتبة الصحفية “مارْغْريت ميتْشِل”، وقد أصدرتها في عام 1936، وحقّقت مبيعات ضخمة، حيث بيعت أكثر من 30 مليون نسخة من الرواية في أمريكا وبقية دول العالم، وتُرجِمت إلى 27 لغة، وبرغم نجاحها الرهيب، إلّا أنّها الرواية الوحيدة لـ “مارْغْريت ميتْشِل”، ولم تكتب غيرها أبدًا حتى وفاتها المفاجئة في عام 1949 في حادث سيارة، عن عمر 49 عامًا.

في ذروة التوترات الداخلية بين ولايات الشمال والجنوب، تندلع الحرب الأهلية الأمريكية نتيجة خلافات سياسية واقتصادية واجتماعية، وينقل الفيلم هذه الحرب من منظور الجنوب، لا بوصفها معركة من أجل تحرير الأرض والعبيد، بل كخلفية واسعة تُمهّد لرحلة “سكارلت أوهارا” ونضالها من أجل البقاء واستعادة مكانتها.

تبدأ الأحداث في مزرعة “تارا” بولاية جورجيا، حيث تعيش “سكارلت” مع أسرتها في رخاء ينهار تدريجيًّا مع تقدّم الحرب وصعود المجتمع الصناعي، فتنهار حياة المزارعين الجنوبيين، بينما تنشغل “سكارلت” بمغامراتها العاطفية وزيجاتها الثلاث التي تحاول من خلالها التمسّك بمكانتها الاجتماعية والاقتصادية وسط الفوضى.

إنّها تقع في حب شاب لا يبادلها الشعور، وعندما يتزوج قريبتها “ميلاني” تدفعها غيرتها إلى الزواج بشقيق “ميلاني”، الذي يُقتل سريعًا في الحرب، ثمّ تتزوج خطيب شقيقتها طمعًا في ثروته، قبل أن تتجه لاحقًا إلى زواجها الثالث من “ريت باتلر”، الرجل الذي أحبّها بإخلاص بينما قابلته هي بأنانية وجفاء.

الصراع الأكثر إثارة هو ليس بين ولايات الشمال والجنوب، بل بين رغبات “سكارلِت” وكبريائها، والفيلم بمدّة عرضه التي تقارب 4 ساعات يولّد للمُشاهِد الشعور بعيش حياة كاملة في الجنوب الأمريكي قبل الحرب وخلالها وبعدها، وكلّ ذلك يراه من عينَي “سكارْلِت”، حتى يصل في نهاية المطاف إلى العبارة الخالدة في الأذهان والأشهر في تاريخ السينما على لسان “ريت باتْلَر” قائلًا: “بصراحة يا عزيزتي.. أنا لا أهتم”.

لقد أبدع الممثلون جميعًا، وعلى رأسهم “فيفْيان لي” بشخصية “سكارْلِت أوهارا”، و”كلارْك غيبِل” بشخصية “ريت باتْلَر”، و”أوليفيا دي هافيلانْد” بشخصية “ميلاني هاميلتون”، و”هاتي ماكْدانييل” بشخصية الخادمة “مامي”.

فاز الفيلم بـ 8 جوائز أوسكار، لأفضل فيلم وأفضل إخراج لـ “فيكتور فليمينْغ” وأفضل ممثلة “فيفْيان لي” وأفضل ممثلة مساعدة “هاتي ماكْدانييل” وأفضل تصوير وأفضل تصميم مواقع وأفضل مونتاج وأفضل نص سينمائي للكاتب “سيدْني هاوَرْد” الذي أصبح أول شخص في التاريخ يترشّح ويفوز بجائزة الأوسكار بعد وفاته، حيث توفّي في حادث قبل عرض الفيلم بأشهرٍ قليلة، كما نال المخرج الفني “وليام كاميرون مينزيس” جائزة الأوسكار الفخرية لقاء الإنجاز الباهر في استخدامه لتقنية الألوان الحديثة في الفيلم، فالجميع يعلم أنّ أفلام تلك الفترة كانت غير ملوّنة، وظلّت كذلك لأعوام عديدة نظرًا للتكلفة الباهضة للألوان، وأيضاً تمّ منح جائزة الأوسكار الخاصة للإنجاز التقني لمسؤول المؤثرات “آر دي ماسِغْريف” لاستخدامه تقنيات متطوّرة ومتقّدمة في إنتاج الفيلم.

ترشّح الفيلم أيضًا لـ 5 جوائز أخرى لأفضل ممثل “كلارْك غيبِل” وأفضل ممثلة مساعدة “أوليفْيا دي هافيلانْد” وأفضل موسيقى تصويرية لـ”ماكْس شْتايْنَر”، وأفضل تحرير صوتي وأفضل مؤثرات بصرية، والفيلم يحمل أرقامًا قياسية كثيرة، ومنها أنّه أول فيلم ملوّن يفوز بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم، كما أنّه أطول فيلم يفوز بالجائزة، و”هاتي ماكدانييل”هي أول ممثلة سوداء تترشّح وتفوز بجائزة الأوسكار في التمثيل.

ميزانية إنتاج الفيلم بلغت نحو 4 ملايين دولار، وحقّق إيرادات تزيد عن 400 مليون دولار من دور السينما في أمريكا وبقية دول العالم، بالإشارة إلى أنّ الفيلم عُرِض في نهاية عام 1939، مع اندلاع الحرب العالمية الثانية، ومع ذلك بيعت أكثر من 200 مليون تذكرة للفيلم في أمريكا فقط، وبحساب معدّل التضخّم المالي في وقتنا الحاضر سيكون هذا الفيلم في الترتيب الأول في قائمة أكثر الأفلام تحقيقًا للإيرادات في أمريكا، بما يساوي اليوم أكثر من مليار و800 مليون دولار. يحتل الفيلم اليوم مركزًا متقدّمًا في قائمة أفضل 250 فيلمًا في موقع imdb حسب تصويت الجمهور.

هذا الفيلم العظيم هو حجر أساس لفن صناعة السينما في هوليوود، بقصته الملحمية العاطفية، هناك في أرض الفرسان وحقول القطن، حيث كانت البسالة تسطر في تلك الحقبة سطورها الأخيرة بسادتها وسيّداتها وعبيدها. هناك في الجنوب القديم أحداث كثيرة تجدونها فقط في صفحات الكتب لأنّها الآن ليست أكثر من مجرّد حُلمٍ “ذهَبَ مع الريح”.

 

شارك

مقالات ذات صلة